لماذا تتعثر فجأة مشاريع وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بمجرد أن تصل إلى المجلس الحكومي؟ في فبراير الفائت، أربك إرجاء المصادقة على مشروع قانون المسطرة المدنية الجدولة الزمنية التي وضعها وزير العدل لإقرار حزمة من الإصلاحات.
سيتكرر السيناريو نفسه بعد حوالي شهرين، عندما ستعترض العقبات نفسها مشروع قانون العقوبات البديلة في المجلس الحكومي، أمس الخميس.
باستثناء مصادقة الحكومة على مشروع قانون المعهد العالي للقضاء -وهو مشروع ثانوي بالكاد حظي بمناقشات عامة- فإن تأخير التصديق على مشروعين رئيسيين لوزير العدل يحيط الروزنامة المتوقعة للإصلاحات المعدة من لدن وزير العدل بكثير من الشكوك.
يحضر وزير العدل باكورة أعماله، مشروع القانون الجنائي، وسط جدل متصاعد. لكن إذا كانت الحكومة قد أحبطت حتى الآن، جدولة قانوني المسطرة المدنية والعقوبات البديلة، فإن مصير مشروع القانون الجنائي نفسه غير مضمون.
عقوبات بديلة… متأخرة!
يُنظر إلى مشروع العقوبات البديلة الذي طال انتظاره، كوسيلة فعالة لمكافحة اكتظاظ السجون جراء لجوء القضاة إلى الاعتقال الاحتياطي بشكل مكثف. تكتظ السجون المغربية بنحو 90 ألف معتقل.
يقترح المشروع إجراءات بديلة عن الاعتقال الاحتياطي، مثل فرض كفالة باهظة لإطلاق سراح المتهم، أو فرض سوار إلكتروني، أو الإقامة الإجبارية، وغيرها من الإجراءات.
مع ذلك، أحاط الجدل ببعض هذه الإجراءات، مثل منح المدانين في الجنح غير الخطيرة فرصة تسديد غرامات يومية نظير مدة محكوميتهم. تصاعدت الانتقادات بشأن هذا الإجراء بسبب ما قد يكتنفه من تمييز في الاستفادة منه بين القادرين على الدفع وبين العاجزين عنه.
في 17 أبريل الفائت، حضّ وزير العدل، النواب على “الإسراع في المصادقة على قانون العقوبات البديلة بعد إحالته إلى البرلمان لتفعيله”. حينئذ، ذكر بأن المشروع “أُحيل على مجلس الحكومة، ويرتقب برمجته قريباً لمناقشته والمصادقة عليه”. من الواضح أن الوزير لم يكن يتوقع أي عقبات في مواجهة مشاريعه، لاسيما داخل المجلس الحكومي؛ وبشكل مؤكد، لا تشير معلومات “اليوم 24” إلى أن مشروع قانون العقوبات البديلة، على الخصوص، كانت ستعترضه عقبة حتى الأربعاء. أي يوما قبل المجلس الحكومي.
إلا أن الوزير سيتلقى المفاجأة يوم الخميس: رئيس الحكومة يعلن إرجاء التصديق على المشروع، وتشكيل لجنة حكومية تسعى إلى “تعميق النقاش”. لم يُحدد رئيس الحكومة سقفا زمنيا لهذه العملية.
في هذا السياق، لنعد قليلا إلى الوراء: بعد حوالي ثلاثة أشهر من إرجاء التصديق على مشروع قانون المسطرة المدنية “بغية تعميق النقاش” كذلك، ليس هناك شعور لدى المسؤولين الحكوميين بقرب إعادة طرح المشروع على جدول الحكومة.
في ذلك المجلس الحكومي، عبر محسن الجزولي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، عن رغبته في “تعميق النقاش” في مشروع قانون المسطرة المدنية. كان له ما أراد. الجزولي عضو في المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار.
لم يقع ذلك في نونبر الذي سبقه. في اجتماع المجلس الحكومي في 3 نونبر الفائت، قدم وزير العدل عرضا حول مستجدات قانون المسطرة المدنية. لم تكن هنالك أي اعتراضات. بعد ثلاثة أشهر أخرى، يدرج المشروع بكل ثقة في جدول أعمال المجلس الحكومي ليوم 23 فبراير، فإذا برغبات “تعميق النقاش” تنكشف بشكل مفاجئ.
يحدث الأمر نفسه لمشروع قانون العقوبات البديلة. لكن هذه المرة، ليس واضحا مصدر الاعتراضات أو طبيعتها على هذا المشروع بالصيغة التي طرحها وزير العدل. لم يكشف البلاغ الصادر لاحقا عن المجلس الحكومي أي تفاصيل إضافية. إلا أن الوزير وقد أُخذ على حين غرة، كان بوسعه تجنب التداعيات المحتملة لـ”سحب” مشروعه من المجلس الحكومي، لو كان قد أُبلغ في الوقت المناسب بالسير في هذا الاتجاه.
في أبريل الفائت، أشار وزير العدل مرارا، وعلى غير عادته، إلى الاحتمال الموجود بإعاقة مشروعه في إصلاح القانون الجنائي. لا يتحدث الوزير عن الإسلاميين الذين يعادونه، وإنما يعني وفق عبارته، جهات قد تخطط لمحاربته بشكل قد يجعل ظهور مسودة للمشروع محل شك.
لنلاحظ أيضا أن الوزير لم يعد يربط مشاريعه بجدولة زمنية. في بداية أمره، كان يميل إلى الإعلان عن “مواعيد” لطرح مشاريع قوانينه، وكأنها مواعيد ثابتة. بسبب التخلف عنها، ساد الشعور بوجود عقبات في طريقه. لاحقا، توقف الوزير عن الإعلان عن أي مواعيد.
ما هو شخصي وما هو عملي
لا تعاني العلاقات بين وزير العدل- وهو أيضا الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة- ورئيس الحكومة – وهو أيضا رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار- من أي مشاكل. يسعى وزير العدل تقريبا في كل مناسبة، إلى التأكيد على الانسجام الحاصل بينهما. في نونبر الفائت، أقال قياديا بارزا في حزبه، هو هشام لمهاجري، من منصبه في البرلمان بسبب انتقاداته الشديدة الموجهة إلى الحكومة.
وبالمثل، يعزز رئيس الحكومة هذا الاعتقاد بالطريقة التي يقدم بها وزيره كل مرة وجد فيها نفسه وسط زوبعة. لنتذكر أن الصور الرسمية الملتقطة لرئيس الحكومة في 10 يناير الفائت، خلال مراسيم إطلاق المشاريع المتعلقة بتعزيز استعمال اللغة الأمازيغية بالإدارات العمومية، كانت تظهره بجانب وزيره في العدل. حينئد كان هذا الوزير يعاني من أزمة نتائج امتحان المحاماة. الصور وحدها كانت كافية لترسيخ الدعم بين الرجلين.
إذا لم تكن العقبات المفاجئة التي تعترض المشاريع الرئيسية لوزير العدل في إصلاح العدالة داخل المجلس الحكومي، مصدرها ضعف رئيس الحكومة في الدفاع عن وزيره، أو تقلبات غير محددة في العلاقات الشخصية، فإن ما هو مؤكد، هو أن وزير العدل سيعاني أكثر إذا لم ينجح في إقرار مشاريعه خلال نافذة زمنية محددة، وبالضبط في الشهور العشرة المقبلة.
في فبراير المقبل، يعقد حزب الأصالة والمعاصرة مؤتمره. في التاريخ القصير لهذا الحزب، لم يحدث أن جرى التجديد لرئيس في منصبه. في الغالب، بالكاد كان يستطيع الأمناء العامون إنهاء مدة ولايتهم الأولى.
في غمرة المشاغل الحكومية، فإن مستقبل وزير العدل في حزبه مرتبط أيضا بمصير مشاريعه. من الصعب التكهن بتقدم إصلاحاته على القانون الجنائي إذا فشل في إقراره في البرلمان قبل فبراير المقبل. كما من العسير أن نتوقع مواصلة الوزير “إصلاحاته” بالزخم نفسه إذا ما أزيح من منصبه القيادي في الحزب. العمليتان مترابطتان. بشكل مبسط: إذا لم تمرر الحكومة مشاريع وزير العدل قبل فبراير، فإن ذلك معناه زواله من قيادة الحزب.
يغذي الشعور بالشك في المستقبل برمته ما يحدث لمشروعي العقوبات البديلة والمسطرة المدنية. يلقي ذلك بظلاله أيضا على نوايا رئيسه في الحكومة. ليست هناك مؤشرات مؤكدة على ما ينوي فعله، لكن التفسيرات المترافقة مع التأجيلات المستمرة لمصادقة الحكومة على تلك المشاريع قد تحيط موقف رئيسها بالريبة كذلك.
المصدر: وكالات