شهدت المائدة المستديرة التي نظمها المجلس الأعلى للحسابات اليوم السبت، بمراكش، حول مساهمة الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة في تحقيق أهداف خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، مداخلة مثيرة لفوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، تساءل فيها عن الفائدة من تسطير أهداف نعلم مسبقا أننا لن نحقق إلا جزءا قليلا منها.
وقال لقجع في مداخلة بالفعالية التي نظمت في إطار الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الملتئمة بالمدينة الحمراء، إن “المشكل الذي يجمعنا دائما، البارحة واليوم وغدا، هو مشكل التنمية والتنمية المستدامة”.
وأضاف الوزير متسائلا: “هل من الممكن اليوم أن نسطر أهدافا للتنمية خلال 10 أو 20 سنة؟ وما الفائدة من تسطير هذه الأهداف إذا كنا متيقنين أننا لن نبلغ إلا جزءا قليلا منها”، وذلك في لمز واضح منه لمنظمة الأمم المتحدة ومخططها.
واعتبر الوزير المغربي أن “تسطير الأهداف يعكس طموحا جماعيا، ويخضع لمقاربات وقراءات متعددة، لكن الواقع العالمي اليوم، الاقتصادي والجيوسياسي، يجعلنا ندبر الأمد القصير بصعوبة بالغة وكبيرة”.
وتابع لقجع موضحا وجهة نظره: “كل الخبراء الذين يشرفون على تدبير السياسات التنموية من مختلف زواياها أعتقد أنهم مجمعون على أن الضبابية اليوم لا تسمح بالتحكم في الأفق قصير المدى، وهذا إشكال يجعلنا نتساءل عن الطرق المثلى لبلورة برامج تنموية مستدامة والتحكم في آليات تكييفها مع مختلف الظروف”.
وسجل المتحدث ذاته أن “الإشكال الجوهري الذي يجعل من منطلق التنمية مقاربة ومعادلة معقدة هو أننا نعيش تناقضا واضحا في بنية المؤسسات الدولية المخصصة للتنمية الاقتصادية بشكل عام، والتحكم في الإطار الماكرو-اقتصادي وفي مستوى المديونية، ومن جهة أخرى تحديد البرامج التنموية التي تتطلب تمويلات كبيرة تفوق طاقات الدول في معظمها، خاصة دول الجنوب”.
ومضى لقجع مبينا: “هذه المقاربة الاقتصادية الراسخة في الأذهان آن الأوان أن تطرح للنقاش من جديد، وأن نناقش ما مدى التوفيق بين توجهين متناقضين نابعين من المرجعية نفسها ومن المؤسسة نفسها، لا أريد أن أسميها بمسمياتها”، وزاد موضحا: “اليوم على أرض الواقع تتطلب البرامج التنموية تمويلات، وكل المؤسسات لها مقاربة مشتركة، أن تحافظ على الإطار الماكرو-اقتصادي وخطوط حمراء للمديونية، وبالتالي التمويل يزداد ويقل يسرا كلما كانت هذه المتطلبات غير متوفرة”، معتبرا أن “هذا التناقض في المقاربة يرافقه تناقض آخر، هو أنه كلما كانت الدول فقيرة كلما كانت ظروف تمويلها عسيرة، وهي التي لم تشارك في زعزعة استدامة التنمية بشكل أو بآخر”.
وأشار المسؤول الحكومي ذاته إلى أن “الاختيارات القطرية أو المحلية اليوم تختلف وتتطور بشكل سريع جدا، حتى إن البرامج السياسية التي كانت مرتبطة بولاية أصبحت مطالبة بمراجعة نفسها بشكل سريع ومتسارع”، وزاد مفسرا: “هذا معناه أن ما كان أولوية قبل انتخابات 2021 قد يكون جزء منه أصبح متجاوزا وقد ظهرت أولويات أخرى، وهذه الأمور راجعة أساسا إلى التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع من جهة، بإدخال التكنولوجيا والرقمنة والمعلومة، فيما هناك أمور أخرى يفرضها الواقع الاقتصادي”.
وأبرز المتحدث ذاته أن التضخم المستورد “ليس خيارا وليس رقما يمكن توقعه في المعادلة الأصلية للبرنامج أو لتحديد الأولويات، بل إنه يفرض إجراءات مكلفة لكل البلدان لم يكن أحد يتوقعها”، لافتا إلى أن “الحفاظ على ثمن الحبوب في المغرب خلال سنة تطلب منا أكثر من نقطة من الناتج الداخلي الخام، لسبب بسيط، هو أن ثمن هذه المواد تضاعف ثلاث مرات في السوق الدولية”.
وأفاد لقجع بأن ثمن المحروقات يتغير كل يوم، “فكلما كان هناك توتر جيوسياسي في منطقة معنية بالإنتاج كلما تضاعفت الأثمان”، مؤكدا أن هذه التحولات مرتبطة بـ”إشكال يفرض اليوم وجوده، وهو أن التصور السياسي لتدبير مرحلة معينة أصبح مطالبا ومحتما عليه أن يواكب هذه التطورات ويتأقلم مع الظروف ويغير أولوياته في الصيرورة الزمنية”.
“لما يكون المسار التنموي معقدا فإن السياسات العمومية التي تتم بلورتها تصبح أكثر تعقيدا”، يردف لقجع، الذي بين أن “أدوار مؤسسات التدبير والأجهزة العليا للرقابة الأساسية لا يمكن فصلها، لأنه كلما كان هناك عمل إنساني كلما فكر الإنسان نفسه في طرق للتأكد من أن ما يقوم به يذهب في الاتجاه الصحيح والمخطط له سلفا”.
وأفاد المسؤول ذاته بأن الرقابة في الأدوار التي وصفها بـ”المعقدة” مطالبة بـ”أن تغير من منظور عملها وأن تمكن خبراتها من العلم الصحيح الذي يمكنها أن تلعب هذا الدور الطلائعي”، لافتا إلى أن “النقاش حول أجهزة الرقابة في المغرب مفتوح لنجعل من هذه الرقابة جزءا أساسيا ومهما من عملنا التنموي، ونبتعد أكثر عن نظرة سادت بشأن الفصل بينهما”، ومشددا على ضرورة التمتع بالاستقلالية الكاملة من أجل ممارسة الرقابة.
وختم لقجع قائلا: “علينا أن نتخلص من دور الأجهزة الرقابية التي ينظر إليها وكأنها معزولة عن المسار التنموي، لإدماجها في هذا المنظور؛ وذلك بالنظر إلى الخبرة التي تتمتع بها، ولتراكم التجارب حتى نجعل من المسلسل التنموي الذي أجمعنا على أنه معقد للغاية، ويتعقد أكثر مع مرور الوقت، (نجعله) أقرب إلى الشعوب، خاصة في دول الجنوب التي تعاني أكثر، رغم كل المجهودات التي تقوم بها”.
المصدر: وكالات