عن “دار القلم”، صدر، حديثا، للسوسيولوجي المغربي نور الدين لشكر كتابٌ يرصد برامج التنمية والتدخلات التي يقوم بها البنك الدولي داخل التراب المغربي ويطرح النقاش حول الخلفيات المتحكمة في هذه التدخلات على مستوى الدول النامية التي يعد المغرب واحدا منها.
واستندّ لشكر في تأليف هذا الكتاب على وثائق ومراجع تهم مؤسسة البنك الدولي وكل ما له صلة بعلاقتها بالمغرب لمدة تناهز 10 سنوات، عمِل على جمعها منذ اللحظة الأولى التي شارك فيها ضمن تحقيق ميداني لصالح المؤسسة ذاتها، معتمدا معطياتها وفقا لمقاربة تنتمي إلى العلوم الاجتماعية غير الاقتصادية وتمتد إلى مختلف العلوم المعرفية، سوسيولوجية وأنثروبولوجية وقانونية وسياسية وإدارية، خاصة فيما يتصل بمفهوم التدخلات التنموية وما له علاقة بالسيادة الوطنية.
الكتاب الجديد، الذي يحمل عنوان “البنك الدولي.. التنمية بين الخبرة والسيادة”، جاء بعد أن لاحظ الباحث السوسيولوجي شُحّاً في الدراسات التي تُعنى بالخلفيات الكاشفة عن الأرضية الصلبة التي تقوم عليها برامج تدخل هذه المؤسسة الدولية، في الوقت الذي تشير هذه الدراسات إلى أن تقارير المؤسسة تغلب عليها المقاربة الاقتصادية وهي قراءة ليست بالدقيقة، وفقا له.
لكن الصحيح، حسب المؤلِّف، هو أن مُتفحص هذه التقارير لا بد أن يلمس حضور العلوم الإنسانية والاجتماعية؛ بما فيها السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا التي أضحت تلك التقارير تستمد منها قوتها والتي تحتاج بدورها إلى قراءة طبيعة حضورها وتوظيفها.
يأتي هذا الكتاب كذلك في الوقت الذي يرصُد عددٌ من الباحثين في العلوم السياسية القانونية عمق التدخل السياسي والقانوني للبنك الدولي في سيادة الدول؛ دون الحديث عن التدخلات الاقتصادية التي يصعب فصلها عن الجوانب السياسية في العلاقات الدولية، على الرغم من أن البنك الدولي يُعبر عن كون المسائل السياسية تخرج عن نطاق اهتماماته.
ويَلفِت السوسيولوجي المغربي، في كتابه الواقع في 410 صفحات، إلى أن مشاريع التنمية للمؤسسات المالية العالمية تبدو أنها مجرد تدخلات تقنية تترجم العلم إلى تطبيقات علميات؛ في حين أن لهذه التدخلات خلفيات كبرى، خصوصا تلك التي تتعلق بالبنك الدولي باعتباره مؤسسة كبرى في إطار تدخلاته بالبلدان النامية بما فيها المغرب.
ونَظَرَ نور الدين لشكر ضمن مؤلفه الجديد إلى المسألة التي تتعلق بالتنمية والسيادة الوطنية والمُثارة حاليا من خلال تحليله لتدخلات البنك الدولي من حقل علم الاجتماع، محاولا رصد علاقة هذه المسألة بدراسات الخبرة وبرامج التدخل، كإجراءات وتوجهات تدفع إلى إعادة النظر في مفهوم السيادة الوطنية الذي لم يعد ضمن الكتاب حاملا لدلالة ترابية ضيقة أو سياسية وقانونية؛ بل بات يدمج السيادة المعرفية كأحد أركان السيادة الوطنية.
ومن اعتبارات صاحب الكتاب في هذا السياق أنه لا يمكن أن تصبح المؤسسات قاطرة للمجتمع نحو التنمية إلا بالسيادة على دراسات الخبرة وبرامج التدخل، باعتبارها سيادة لا تنحصر في الجانب التنظيمي والإداري على مراكز الدراسات والمؤسسات الراعية لها؛ بل تمتد إلى صناعة المفاهيم والرؤى والتحليلات.
وتبعا لذلك، دعا نور الدين لشكر من بوابة كتابه “البنك الدولي.. التنمية بين الخبرة والسيادة”، المُعالج للحالة المغربية، إلى إنتاج خبرةٍ مواطنة ومبدعة ومواكبة لمستجدات العلوم والتقنيات لا تُقلد ولا تستورد النماذج الجاهزة؛ بالنظر إلى أن من يبيع النموذج لن يربح من ورائه المال فقط، بل سيحقق من خلاله التسرب في مختلف السياسات والبرامج والتدخلات، بما في ذلك النفوذ داخل السيادة الوطنية.
المصدر: وكالات