جرت مياه كثيرة تحت جسر المواجهة الساخنة بين حركة حماس وإسرائيل في قطاع غزة المحاصر ومحيطه، حيث يحشد الجيش الإسرائيلي لتنفيذ هجوم بري على القطاع الذي يواجه القصف المكثف منذ السبت الماضي، الذي سجل هجوما مباغتا لكتائب القسام على المستوطنات المحيطة بالقطاع، أسفر عن قتل المئات وأسر العشرات من الجنود والمستوطنين، ما شكل ضربة موجعة لإسرائيل وقوتها العسكرية والاستخباراتية.
ويشن طيران الحرب الإسرائيلي قصفا مكثفا على مناطق عديدة بغزة ومحيطها، أدى إلى سقوط المئات من المدنيين الفلسطينيين، من بينهم أطفال ونساء، فضلا عن تدمير العشرات من الأبراج والمباني السكنية فوق رؤوس قاطنيها.
وتفيد كل التوقعات بأن الجيش الإسرائيلي يخطط لاجتياح بري لقطاع غزة من أجل تدمير قدرات المقاومة الفلسطينية، وكسر شوكة القسام الذي يحتفظ بعشرات الأسرى الإسرائيليين الذين ألقى رجال المقاومة القبض عليهم في هجوم السبت الخاطف، في العملية التي أطلقت عليها حماس “طوفان الأقصى”.
ضربة كبيرة
في تعليقه على الموضوع، قال ماجد أبودياك، الكاتب والصحافي الفلسطيني المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي، إن عملية طوفان الأقصى نجحت في توجيه “ضربة كبيرة وغير مسبوقة للاحتلال الإسرائيلي؛ سواء على مستوى الخسائر البشرية أو على مستوى الأضرار التي لحقت بإسرائيل عسكريا وأمنيا وسياسيا”.
وأفاد أبودياك، في تصريح لهسبريس، بأن هذه المعركة تشكل “علامة فارقة ومرحلة جديدة للقضية بصرف النظر عن النتائج الميدانية التي ستنتهي إليها”، معتبرا أنها “حطمت نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على الأمن المحكم بمفاجأة الكيان بكل أجهزته الاستخبارية والأمنية، وإلحاق الهزيمة بجنوده في عمق استحكاماتهم، والإعمال فيهم قتلا وأسرا”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “حماس تمكنت من ضرب نظرية الردع لدى الجيش الإسرائيلي بإفشال كل خططه واستعداداته، فيما لم يسعفه تفوقه التقني والأمني أمام هجمات مقاومين لديهم روح التحدي والإصرار، خرجوا من عمق الحصار والتجويع ليلحقوا بالجيش الذي لا يقهر هزيمة مدوية شاهدناها على شاشات التلفاز”.
“لم يستوعب جيش الاحتلال الصدمة بعد أن تكبد هو ومستوطنوه خسائر تجاوزت 1200 قتيل وآلاف الجرحى؛ فضلا عن مئات الأسرى”، يورد الخبير الفلسطيني، مردفا بأن إسرائيل عمدت إلى شن “حملة انتقامية لقصف المدنيين الآمنين وحصارهم وقطع الماء والكهرباء عنهم في محاولة لتركيع الشعب الفلسطيني؛ ما أسفر عن مئات الشهداء الفلسطينيين، وإدخال القطاع في أزمة إنسانية بهدف إجبار المقاومة على تسليم الأسرى ووقف الحرب، وهو ما لا يتوقع أن تقوم به”.
حشد إسرائيلي
وزاد أبوياك موضحا أن “جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن أنه سينفذ اجتياحا بريا لغزة بعد حشد المئات من دباباته على حدودها، لكن من المشكوك فيه أن ينفذ اجتياحا شاملا، لأنه غير قادر على تحمل الخسائر الثقيلة التي سيتكبدها إن أقدم على ذلك”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “المقاومة تمتلك العديد من الأنفاق، فضلا عن نحو 40 ألف عسكري مسلحين بعتاد ومدربين تدريبا عاليا، ويمتلكون عقيدة قتالية متفوقة دفاعا عن الوطن والأرض”، معتبرا أن “الاحتلال إذا كان تكبد خلال يومين من الحرب نحو 1000 قتيل وأسير فمن المتوقع أن يتكبد نحو 10 آلاف بين قتيل وأسير على الأقل إن قرر اجتياح القطاع كاملا، وسيزداد هذا العدد مع استطالة وجوده هناك”.
كما شدد الصحافي المتخصص على أن “الجيش الإسرائيلي سيتعرض لحرب عصابات كبيرة، فضلا عن إمكانية نجاح المقاومين في العمل من خلف صفوفه في المستوطنات وعلى حدود غزة، ما سيضاعف خسائره ويدخله في مستنقع غزة”، متوقعا أن يؤدي ذلك في النهاية إلى “انهيار حكومة الاحتلال وانتهاء المستقبل السياسي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو”.
وزاد أبودياك مبينا أن “الجيش الإسرائيلي قد يلجأ إلى احتلال شريط على حدود قطاع غزة والتذرع بعمل منطقة عازلة لمستوطناته في غلاف غزة، والدخول في مفاوضات مع المقاومة عن طريق أطراف ثالثة لإنجاز وقف إطلاق للنار”، موضحا أن “إسرائيل ستضطر في هذه المفاوضات إلى الرضوخ لمطلب المقاومة لتبييض سجون الاحتلال بالكامل من الأسرى الفلسطينيين، المقدر عددهم بالآلاف، فضلا عن مطالب فك الحصار والانسحاب من غزة، وخطة دولية لإعادة إعمار القطاع المدمر”.
ويقر المتحدث بأنه في كل الأحوال “سيعاني قطاع غزة من ويلات الحرب، ويبدو أنها ضريبة الكرامة والعزة التي سيظل يدفعها الشعب الفلسطيني إلى أن يتخلص من الاحتلال مرة وللأبد”، حسب تعبيره.
توافق إقليمي
من جهته، يرى خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد الأول بوجدة، أن “اقتحام إسرائيل قطاع غزة بريا كان دائما خيارا أمام القوات الإسرائيلية، لكنه خيار صعب وذو طبيعة إستراتيجية”، مؤكدا أن هذا الاجتياح “لا يمكن أن يتم بطريقة أحادية”.
وأضاف الشيات، في تصريح لهسبريس، أن “الشرط الأول هو أن يكون هناك توافق مع القوة الإقليمية الأخرى التي ستتأثر بشكل كبير بهذا الاقتحام، وهي مصر”، وزاد موضحا أن هذا التوافق “يصعب الآن في هذه الظروف، لأن تبعات الحرب على المستوى الإنساني والاجتماعي كبيرة جدا، كما يصعب على مصر أن تستوعب هذا العمل العسكري من نواحي متعددة”.
واستدرك الأستاذ ذاته بأن “الخيار العسكري للجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى خطره الإستراتيجي المرتبط بالتعاون المكثف مع مصر، فغايته الأساسية تحييد حماس كقوة مقاومة عسكرية في المنطقة، وهي المقاومة الوحيدة إلى جانب الجهاد الإسلامي، وهذا قد يكون ربحا على المستوى الإستراتيجي بالنسبة لإسرائيل إذا فعلت ذلك”.
وزاد الشيات مبينا: “لكن تبقى بالأساس التكلفة على مستوى الجيش الإسرائيلي، الذي يبقى دائما رغم قوته القائمة على العدد لديه إشكالية على مستوى الديمغرافي، إذ تجند إسرائيل 18% من عموم الشعب لجبهاتها العسكرية”.
احتمالات التدخل البري
أوضح الخبير ذاته أن “هذا الرقم يقترب من عدد سكان إسرائيل، وتجب تعبئته على مستوى زمني قصير، خصوصا أن الحرب يمكن أن تستمر لمدة شهر ونصف، وإذا استمرت أكثر من هذه المدة ستكون لها تبعات اقتصادية كبيرة يمكن أن تمس الطبيعة الديمغرافية لإسرائيل”.
وتساءل الشيات عن “استطاعة إسرائيل أن تحقق الاقتحام في مدة زمنية مقبولة دون أن يكون عدد القتلى كبيرا في صفوف جنودها، وأيضا تعريض الكثير من المدنيين للقتل، وهذا لا تعيره كثير اهتمام”.
وختم الخبير ذاته: “اقتحام غزة بهذه الشروط يبقى ثابتا دون أن يتغير، وإذا رأت إسرائيل أن تكلفتها العسكرية والاجتماعية والاقتصادية قابلة للتحقق أعتقد أنها ستفعل ذلك، أو تفعله بطبيعة انتحارية ويكون مكلف جدا لها”.
المصدر: وكالات