الخميس 15 غشت 2024 – 06:00
اهتمامٌ بحثيٌّ بفيلسوف أندلسي بارز هو موسى بن ميمون، الذي درَس بجامعة القرويين بفاس، وكان يهوديّ الديانة وتأثّر بعمق بالفلسفات الإسلامية، صدرَ في كتاب جديد عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عنوانه “فلسفة موسى بن ميمون وأثر الفكر الإسلامي فيها – بحث في الأخلاق والتأويل”، لمُؤَلّفه عبد القادر ملوك.
ويعرض هذا الكتاب، وفق ورقته التقديمية، “أفكار فيلسوف يهودي بارز عاصر الدولة الإسلامية في أبهى محطاتها التاريخية، حين كان أتباع الديانات الثلاث ينعمون بقسط وافر من الحرية الدينية والاعتقادية؛ ويستعرض فلسفة ابن ميمون الأخلاقية والعقلانية، ومدى تأثرها بالأفكار والفلسفات الإسلامية”.
ويضيف المؤلّف الجديد: “أدركَ المسلمون في لحظات فارقة من القرون الوسطى حلقةً ملغزة من تاريخ الفلسفة والفكر تضاربت حولها آراء المؤرخين، إذ مثّلت أروع صور التلاقح الفكري بين الحضارات البشرية، وأثبتت أن الفكر ليس حكرًا على أمَّة أو شعب مخصوصَين، بل هو صرحٌ يتسامق بما تضيف إليه الأمم من لَبِنات، في جوّ من الحوار وقبول الآخر، ولذلك عمد المجتمع الإسلامي إلى توفير جوٍّ من التسامح كان فيه اليهود والنصارى والمسلمون يتكلمون لغةً واحدة، وينشدون الأشعار ذاتها، ويدرسون المباحث الأدبية والعلمية نفسها، ما خدَمَ العلم وسهَّل فشُوَّه بعد أن أصبح متحررًا من أيّ تمييز”.
ويورد الكتاب: “كان ابن ميمون، الفيلسوف القرطبي مولدًا الفاسي نشأةً، اليهودي العالم بالتوراة وعالم الفلك والطبيب البارز، مقتنعًا بأنَّ أخْذَ العلوم عن المِلَل الأخرى لا محذورَ فيه، فسافر كثيرًا طلبًا للعلم، الذي كان يعتبره أرفعَ شأنًا من العمل، ولم يكن يلتفت إلى عاذله في هذا، فنراه يمدح الفارابي علنًا، ويعتدل في رأيه بأي شيء، موازنًا بين العقل والدين، فخرج من مقولَتَي ‘دين بلا عقل’ و’عقل بلا دين’، إذ لا تعارضَ في نظره بينهما، فالعقلُ منحة الله للإنسان والوحيُ إلهيُّ المصدر، ومن ثمّ فأيُّ شبهةِ تعارُضٍ بينهما مردّها إلى الخيال التصويري لعقلية السُذَّج؛ وقد لجأ إلى التأويل، وهو عنده العلم والعمل وإحكام الموازنة بينهما بغير شططٍ، وما هذا إلا الحكمة بعينها كما رشحتْ بها مؤلفاته”.
ويتابع المصدر ذاته: “ساح باحثون في مناحي ابن ميمون الفكرية بعمق، إلا أن جهود معظمهم كانت تنصبّ على دراسة الرجل ضمن بوتقة التراث الفكري الإسلامي حصرًا، وإغفال بقية أنواع التراث المصاحِبة، ما جعل الإحاطة به بعيدة التحقق، إذ إن تاريخ أيّ بحث نظري في القرون الوسطى لا يكتمل إذا لم توضع في الاعتبار مساهمةُ الفلسفتين العربية – الإسلامية واللاتينية والدراسات اليهودية فيه، وبناءً عليه فإن الكتاب يتعقَّب فكرًا يهوديًّا هو إرث فلسفي أخلاقي خلَّفه أحد ممثلي العقلانية الأساسيين في أبناء جلدته، إرث نستقرئ بصعوبة بالغة تحولات معانيه في نصوص فلاسفة مسلمين متنوّرين جمعوا بين المصادر النقلية والقواعد العقلية، إمّا تقيةً وإما اقتناعًا بعقم العقل الذي يتنكر للنقل، والنقل الذي يبتعد عن مجهر العقل”.
وكتب عبد القادر ملوك أن موشِي ابن ميمون “شأنه شأن كثيرين غيره آمنوا بوقف الفلسفة على الخواص، حذِرًا؛ فلم يلجأ إلى إستراتيجية التشكيك الصريح السبينوزية والسقراطية، بل اختار طريقة التشكيك المبطّن الذي يتلقّف معانيه أصحاب البصيرة فحسب؛ نظرًا إلى ما وعاه، كأسلافه الفلاسفة، من حقيقة الاختلاف بين ‘الحكيم’ و’العامي’ لدى غالبية الناس، وأن الفلسفة امتياز لقلّة منهم ومريبة ومكروهة لأكثرهم، ولذلك فإن على الفلاسفة والعلماء إخفاء آرائهم سوى عن أمثالهم، وأن يجعلوا تعاليمهم صعبة المنال إلا على محبي الحقيقة. وكل هذا جعل الدنوَّ من منهج التأويل عند ابن ميمون في موضوع الفلسفة الأخلاقية عسيرًا من دون فهم تأثره بفلاسفة الإسلام ومنهجه في التأويل، وهو منهج يُعَدّ ‘مكوِّنًا جوهريًّا للأصل اليهودي’، وثمّة مَن عدَّه حجر الأساس في كتاباته”.
كما يوضّح ملوك أن الدافع الأول لتجديد النبش في فكر ابن ميمون هو “ألّا يطويه النسيان”، ولـ”ملء فراغٍ خلَّفه صمت الباحثين العرب عن فلسفته الأخلاقية وارتباطها بالمباحث الأخلاقية لفلاسفة الإسلام”، ثم “شرح ما استُغلق من فكره وتحليله؛ لأجل تسهيل فهمه على القارئ”، و”بيان التماثل والمغايرة بين صميم فكر ابن ميمون وإبداعه وفكر فلاسفة الإسلام الآخرين”.
المصدر: وكالات