عن منشورات القلم المغربي بالدار البيضاء وبدعم من وزارة الثقافة، صدر حديثا كتاب جماعي موسوم بعنوان “امزاب القبيلة والمقاومة الشعبية”، يضم أبحاثا أنجزها فريق من المؤرخين والجامعيين والباحثين في تاريخ وثقافات منطقة امزاب بالشاوية، وذلك من خلال المداخلات التي تم عرضها في الملتقى الرابع عشر للذاكرة والتراث الثقافي بالشاوية الذي انعقد بالجماعة الترابية مكَارطو بدائرة ابن أحمد الشمالية بإقليم سطات.
ويقع الكتاب في 267 صفحة من القطع المتوسط، أخرجه فريق البحث بمختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، تحت إشراف وتحرير الأستاذ الجامعي، الكاتب والروائي شعيب حليفي.
وجاء في كلمة شعيب حليفي في تقديم الكتاب أن “دور المثقف والباحث المؤرخ هو بناء العقل وصنع التاريخ الذي يصون القيم الإنسانية حتى لا نتحول إلى آلات بلا قلب أو مشاعر”.
وأوضح يوسف لعيالي، رئيس الجماعة الترابية مكَارطو، أن “المعمر لما دخل منطقة امزاب ركز كل جهده وجبروته وطغيانه على مصادرة الأراضي من أصحابها الذين استماتوا في التمسك بها والدفاع عنها وعدم الاستسلام لسلطة المستعمر، مما دفع بهذه السلطة الاستعمارية إلى اعتقال أعيان القبائل وإهانتهم وإذلالهم بالجلد والضرب أمام ذويهم ونسائهم وأبنائهم وأقاربهم”.
وينقسم المؤلف إلى فصلين؛ يتضمن الأول مواضيع تتطرق لتاريخ وملاحم المقاومة الشعبية للاحتلال الفرنسي للمنطقة بداية من سنة 1908، من تأليف ثلة من الأساتذة والباحثين المهتمين بالتاريخ المحلي، أمثال صالح شكَاكَ في موضوع “الأعشاش وأولاد امحمد”، أسماء الرفاعي في موضوع “الحضور المخزني بقبائل أولاد امحمد في القرن التاسع عشر”، أحمد لعيوني في “دراسة عن مقاومة امزاب والمذاكرة بإقليم الشاوية ضد الغزو الفرنسي- 1908″، الباحث علي فقير في “مساهمة جماعة مكَارطو في التصدي للتدخل الفرنسي”، والأكاديمي شعيب حليفي الذي كتب عن “الشمس تشرق من الشاوية، من الأحمر بنمنصور إلى محمد ولد بوعبيد”.
ويتضمن الفصل الثاني ترجمة لتقرير إيتيان مييج، أنجزها الأستاذ الباحث يونس لشهب تحت عنوان: “تقييدات حول مزاب والأعشاش من قبائل الشاوية”.
تجدر الإشارة إلى أن مييج اشتغل خلال العقد الثاني من القرن العشرين مساعدا للمراقب المدني بابن أحمد، وتمكن من جمع معطيات عن منطقة امزاب، وجاء تقريره شاملا، جامعا لمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والفكرية والدينية والاقتصادية، مما جعل هذه الدراسة تدخل في إطار المونوغرافيا التوثيقية، ويمكن وضعها في خانة الأنثروبولوجيا السوسيولوجية.
واستقى إيتيان مييج، بحكم مركزه الوظيفي، معلومات تقريره من أعوان السلطة المحلية، وشيوخ وأعيان القبائل، حيث جاءت تفاصيل هذه الشهادات الشفهية لتكون فكرة شاملة عن الجغرافية الطبيعية والبشرية، مع تخصيص حيز هام للأحداث التاريخية.
كما جمعت المعلومات أرشيفا شفهيا ليصبح مرجعا أساسيا للدارسين ومحبي الاطلاع على جزء هام من إقليم الشاوية، حيث لعب هذا التقرير دورا أساسيا كدليل يعتمد عليه في تسيير شؤون المنطقة، وساهم ولا يزال في تدوين تاريخ امزاب.
وأعد نور الدين فردي “دراسة عن مزاب والأعشاش من خلال كتاب البعثة العلمية الفرنسية بالمغرب”، فيما أنجز أحمد كوال “دراسة حول قبائل امزاب: المجال والتاريخ”، وتناولت رابحة صالح موضوع “المشهد البيئي والآفاق التنموية بهضاب ابن أحمد امزاب”.
ويشكل هذا الكتاب نواة للبحث، ويقدم قيمة مضافة في محاولة إزالة الغبار عن جوانب من التاريخ المحلي لإحدى مناطق المغرب العميق، واسترجاع الذاكرة لحقبة ما قبل الاحتلال الفرنسي الذي بدأ مبكرا في هذه المنطقة نظرا لأهميتها الاقتصادية والاستراتيجية باعتبارها بوابة تسهل غزو مناطق تادلة والأطلس المتوسط.
كما تناول الإصدار دخول الاستعمار عن طريق الغزو والإبادة الجماعية لدواوير بأكملها في مواجهة المقاومة الشعبية التي خاضها أفرادها بشراسة، يحفزهم الإيمان القوي للحفاظ على أرض أجدادهم وثقافتهم وهويتهم.
المصدر: وكالات