في اختتام سلسلة المحاضرات السنوية المكرّمة لعالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي، أصدر المجلس العربي للعلوم الاجتماعية كتابا يضم عددا من المقالات والشهادات حول الكاتبة الراحلة، إلى جانب بيبليوغرافيا أبرز أعمالها بلغاتها الأصلية، وترجماتها العربية.
ويروم هذا الكتاب الإسهام في “استمرارية إرث فاطمة المرنيسي والبناء عليه”، آملا توفير إضافة “تثري مكتبات المنطقة العربية والعالم كما أثرتها المرنيسي بأعمالها العديدة”.
سلسلة المحاضرات حول المرنيسي التي انطلقت سنة 2019، ونظمت آخرها السنة الراهنة 2023، جزء من “سلسلة المحاضرات السنوية” التي تعد “أحد الأنشطة العامة الرئيسية التي ينظمها المجلس العربي للعلوم الاجتماعية، وهي بمنزلة فرصة للترحيب بعلماء وعالمات علوم اجتماعية بارزين من المنطقة العربية”، ويعمل من خلالها المجلس على “تقديم أعمالهم والتأمل في التقاليد الفكرية في المنطقة، فضلا عن استحضار التاريخ وإرث الماضي (…) وتعزيز النقاشات حول القضايا المعاصرة والتحديات التي تواجه منطقتنا”.
الأستاذة الجامعية أسماء بنعدادة قالت في الكتاب إن فاطمة المرنيسي “كاتبة غزيرة الإنتاج، كتبت في موضوعات متعددة ونهلت من مصادر معرفية مختلفة؛ كتبت عن المرأة، والجنس، والحريم، والإسلام، والحداثة، والديمقراطية، والسياسة، والحب في الثقافة العربية الإسلامية”، وكتبت عن النساء من مختلف الشرائح الاجتماعية، وأضافت أنها كانت “مثقفة تنويرية وباحثة ملتزمة تؤمن بقيم الحرية والديمقراطية والمساواة وتدافع عنها؛ زاوجت طيلة حياتها بين البحث الأكاديمي والنزول إلى الميدان لمعاينة الوقائع”.
ثم تابعت بنعدادة: “الحديث عن المشروع الفكري لفاطمة المرنيسي هو حديث عن أزيد من أربعين سنة من العمل والبحث والكتابة والنشر، عرفت فيه بجرأتها العالية، وذكائها المتوقد وتحررها من القيود المجتمعية، الأمر الذي مكنها من الالتزام الكلي بقضايا النساء ومساءلة قضايا شائكة، والانخراط الفعلي في العديد من المبادرات المدنية”.
أميمة أبوبكر، أستاذة الأدب الإنجليزي المقارن في جامعة القاهرة، اهتمت بفاطمة المرنيسي باعتبار أعمالها من أهم محطات تطور إنتاج المعرفة الدينية الإسلامية في العالم العربي من قِبل كاتبات وباحثات منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى بداية القرن الحادي والعشرين، وزادت: “لا يمكننا الحديث عن معرفة دينية إسلامية من منظور نسوي في منطقتنا العربية في القرن الماضي (…) من دون ذكر دور فاطمة المرنيسي التي تصدّت لتمحيص مصادر ونصوص محددة بمنهجية تخصصية، وشكلت أعمالها ريادة مهمة”، في مجال مساءلة الإرث التاريخي للتأويل والتشكيل الذكوري للمعرفة الإسلامية، والتنبيه إلى ضرورة التصحيح والتقويم.
زينة عتري، أستاذة مساعدة في الأنثروبولوجيا في جامعة إلينوي في شيكاغو، تطرقت إلى السرديات “منهجيةً للبحث والتغيير” بالاستناد إلى عمل المرنيسي وغيرها من “الباحثات الناشطات”. أما ديمة قائدبيه، مديرة منظمة “ورشة المعارف” النسوية في بيروت، فتحدثت عن نقاط تطرقت إليها “مجموعة العمل حول الممارسات النقدية” عند قراءة المرنيسي، وخاصة عمل “ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية”، قائلة: “مصطلح الهندسة الاجتماعية يعكس بشكل فعال أكثر ما تحاول المرنيسي نقله، وهي تستحضر الهندسة والتصميم في الحدود الجنسية التي تتناولها؛ فهذه هندسة اجتماعية أبوية قد تقوم على فكرة الاختلافات البيولوجية، لكنها في النهاية حدود اجتماعية. لذا فالسلطة هنا تكون في ترسيخ هذه الحدود وتثبيتها، ومقاومة هذه السلطة تكون في إعادة صياغة أو التفاوض على هذه الحدود”.
ومن بين ما يرد في الكتاب أن فاطمة المرنيسي “ليست امرأة عادية، وليس غريبا عن تلك المغربية التي أمضت أكثر من نصف عمرها تكتب وتحلل في الإسلام والمرأة، وتناضل في الميدان لإحقاق المساواة الجندريّة، أن تُختار واحدة من بين مائة امرأة لتكون الأكثر تأثيرا في العالم بحسب صحيفة ‘الغارديان’ البريطانية للعام 2011”.
المصدر: وكالات