تطورات وإنجازاتٌ وإخفاقات في “المسار الطويل في تاريخ الفوتوغرافيا المغربية” يرصدها أحدث كتب جعفر عاقيل، الفنان الفوتوغرافي وأستاذ الفوتوغرافيا بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط.
كتاب “الصورة الفوتوغرافية”، الصادر عن المركز الثقافي للكتاب، قدّمه السيميائي سعيد بنكراد الذي رأى أن “خصوصيته وتميزه” يكمنان في تفكيره في الصورة، في جانبها الفوتوغرافي بالذات؛ مدونا أنه “رحلة في ذاكرة عالم تسلل إلى الأذهان من خلال ما تلتقطه العين وتحتفي به. فالواقع، على عكس ما تعتقد الرؤية الساذجة، ليس معطى ممتدا أمام عين محايدة، إنه مودع في الآلة وفي النظرة التي تقود خطاها، وهو ليس واجهة من واجهات الفضاء الغُفل، بل هو تصرف في تفاصيله كما تحضر في الأهواء، لا كما تتحقق في الموقف الصامت”.
وأضاف منبها إلى أن العين “ليست أسيرة ما ترى، إنها تنتقي ما ترغب فيه وتشتهيه. ومن خلال ذلك تعيد تشكيل الأشياء وتتصرف في هيآتها، بل تعيد بناء العلاقات القائمة بين الكائنات والأشياء”.
وتابع السيميائي: “قد تكون الفوتوغرافيا تقنية مستوردة من عالم غربي يتحكم في كل شيء، كما هو حال الكثير من المستوردات في حياتنا، ولكنها تعد نافذة نستعيد من خلالها ما ضاع من الكلام أو مما استعصى على الكلام الإنساني؛ فالتصوير ليس استنساخا لعالم ثابت في المكان أو هارب من زمنية لا تتوقف، إنه صيغة أخرى من الصيغ التي استعان بها الإنسان من أجل إنتاج حقائق أودعها في لغته وإيماءاته واستعمالاته المضافة لأشياء محيطه وكائناته، وذاك ما يشكل الواجهات التي يحضر من خلالها المخيال البصري في الفضاء العمومي”.
لذلك، “اهتم هذا الكتاب بما أهمله الكثير من الباحثين في ميدان التعبير التصويري؛ فهو يستعيد نشاطا فنيا ظل لفترة طويلة يتحرك على هامش ما يصنف ضمن فنون البصر. لقد ارتبطت الصورة الفوتوغرافية في أذهان الناس في بداية عهدهم بالمدنية الحديثة بآليات الضبط الاجتماعي والأمني. فهي جزء من هوية بصرية تسكن أدراج السجلات المدنية وأجهزة الأمن. ولكنها كانت أيضا حلقة في سيرورة تشكل كينونة جديدة تزدوج من خلالها الأنا وتتعرف على نفسها من خلال وسيط هو ذاته نفسها. لقد تعرف الناس من خلال الصورة على نظير بصري يرصد تحولاتهم داخل الزمنية الاجتماعية”.
وسجل التقديم أن خصوصية الكتاب آتية أيضا من “كون صاحبه، جعفر عاقيل، هو فنان في المقام الأول. لقد بدأ فنانا وجاء إلى البحث بعد ذلك. إنه لا يحاور نصوصا صامتة، لقد كان يبحث في كل دراساته التي يقدمها في هذا الكتاب عن جزء من وجدانه، كما رأته عيناه وكما هربته الآلة إلى الجسد الممثل”.
من جهته، كتب جعفر عاقيل أن مؤلَّفه يسلّط الضوء على “طبيعة الأشكال الفنية وخصوصية المضامين استنادا إلى نوعية التقنيات التي أنجزها منتجو تلك الفوتوغرافيات ويعملون على إرساء دعائمها في المتخيل الفني المغربي والعربي”، فحاول “قراءة واستنطاق وتفسير وتأويل ومحاورة بعض المكونات الأيقونية والكشف عن الاختيارات التشكيلية والأساليب الفنية التي استعملها الفوتوغرافي كعدة فكرية وفنية من أجل نشر وترسيخ ثقافة هذا الشكل التعبيري”.
وأكد عاقيل أن الصورة “لم تكن في يوم ما نقلا لعالم صامت، بل هي في الأصل بوح عن منطقة في العين، والفوتوغرافي وحده قادر على الكشف عنها”.
وينشغل الكتاب بـ”مناقشة ما رسخته نظرة الفوتوغرافيين من تقاليد المشاهدة، وبالتالي التداول في أفكار وسنن وقيم وممارسات جديدة في المجتمع. سواء من خلال إسهامات نظرة الذات الـمُتَمَوْضِعَة خلف مُصَوِّبَة الكاميرا، أو تلك التي تقف جامدة أمام شبحية الفوتوغرافي، أو نظرة ذات المشاهد/القارئ للمُنْتَج الفوتوغرافي”.
الحديث عن هذه النظرة هو في واقع الأمر “حديث عن الآليات التي تشتغل بها الفوتوغرافيا، وكذلك حديث عن الأشكال التي تظهر بها هذه الأخيرة وعن التعبيرات التي تنتجها وعن الأحاسيس والانفعالات التي تولدها في وجدان المشاهد/القارئ”.
ويقترح الكتاب إنصاتا إلى خفقات النظرة، وسبرا لأغوارها، وفهما لإيحاءاتها “المرتبطة تارة بخلق المتعة البصرية، وحينا بمزاولة التأثير قصد استدراج الأفراد إلى استهلاك منتجات وخدمات وأفكار”؛ فهي “ممارسة لغواية من نوع خاص، هي تلك التي تمكن أصحاب القرار، في كل مواقع السلطة، إلى التحكم في سلوكهم. إن التفكير في جوهر النظرة التي تقوم عليها الفوتوغرافيا من شأنه أن يقربنا كذلك من إدراك أسرار هذه المرآة الساحرة، وتقودنا إلى فهم أدوارها ووظائفها وتأثيراتها وأيضا انشغالات العاملين في مجالاتها”.
وخصصت القراءة التي يتضمنها الكتاب الجديد حيزا مهما لـ”تفكيك الآليات التي تشتغل بها نظرة الفوتوغرافي في تمثيلها للأشياء المدركة”؛ لأن لهذه العدة، أي الأدوات والإجراءات التي تستخدمها نظرة الفوتوغرافي في تمثيلها للأشياء، “أثرا بليغا في الطريقة التي سيتلقى بها ومن خلالها المشاهد/القارئ مضامين وأشكال وتقنيات الصورة الفوتوغرافية”، إضافة إلى أن “إدراك ذات المشاهد/القارئ للعالم البصري/المرئي ومعرفته لا يتحقق إلا من خلال الاختيارات والتقطيعات والحدود التي تستند إليها النظرة من أجل خلق موضوعاتها”.
يذكر أن للكتاب الجديد ثلاثة محاور، من بين ما يطرح في أولها تاريخ الفوتوغرافيا المغربية وثيماتها، ومسارها وراهنها ورؤيتها لمواضيع مثل الصحراء، ثم استعمالاتها في الإشهار والتسويق الصحافي والخطاب السياسي، وآثار التوظيفات في نفسية المشاهد القارئِ وذهنه؛ فيما يتطرق ثالث المحاور لـ”التفاعلات التي صارت تنسجها وتؤسسها الفوتوغرافيا راهنا مع بعض الكتابات السردية المغربية”.
المصدر: وكالات