يبدو أن النخب السياسية الجزائرية سئمت من تعامل نظامها مع قضية الوحدة الترابية للمغرب، ومن مصادرة قصر المرادية وأصحاب البدلات العسكرية في الجزائر إرادة ومواقف الرأي العام الجزائري لصالح مواقفها المتعنتة المتسمة حيال هذا النزاع بالمزاجية والجمود، هذا الأخير الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية كسره بالضغط على الجزائر للخروج من قوقعتها الانفصالية ومناقشة الحلول الجدية والواقعية لإنهاء هذا الصراع المفتعل.
في هذا الصدد انتقد عبد الرزاق مقري، القيادي الإسلامي الجزائر والرئيس السابق لحزب “حركة مجتمع السلم”، غياب النقاش الوطني في الداخل الجزائري حول هذا النزاع المفتعل، واستمرار ما أسماه “استماع الجزائريين إلى كلام واحد مكرر في وسائل الإعلام ومن قبل المتدخلين الإعلاميين؛ (كلام) يُقولب العقول ويشكل غفلة كبيرة لدى الجزائريين عما يحاك عندنا وفي العالم، ولا يؤهل المواطنين للتعامل المسؤول مع التحولات والأزمات ويجعل الجميع تابعين لا رأي لهم”.
وفي قراءته للتحركات الأمريكية الأخيرة من أجل تصفية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية أوضح مقري، ضمن المنشور ذاته، أن “الاهتمام المتصاعد لواشنطن بحل مشكل الصحراء يدل على أن هذا البلد قد قرر الحسم في الموضوع، أو على الأقل عدم السماح بالانفلات في هذه المرحلة، وذلك لأسباب عديدة منها التوتر العسكري والأمني واستئناف القتال وإلغاء جبهة البوليساريو اتفاق وقف إطلاق النار، واحتمال مزيد من التصعيد بما يمكن أن يؤدي إلى محاولة أحد الأطراف الحسم العسكري كأمر واقع بشكل من الأشكال”.
أما الأسباب الأخرى المفسرة لهذا التحرك الأمريكي فتتعلق حسب القيادي الإسلامي ذاته بـ”خوف الولايات الأمريكية المتحدة من أن تجد نفسها مضطرة للتدخل في أزمة مسلحة جديدة، بالإضافة إلى تورطها في أوكرانيا وغزة دون نتائج تذكر إلى الآن، وإمكانية توسع الصراع إلى أطراف إقليمية ودولية، ما يعقد حساباتها ويبعدها أكثر عن أولوية مواجهة الصين؛ إضافة إلى توفر فرصة لتعميق العلاقات الأمريكية الجزائرية بعد خيبة الأمل الجزائر في الدخول إلى منظمة ‘بريكس’، وفتور علاقاتها نسبيا مع روسيا نتيجة لذلك، وعدم توصلها إلى علاقات اقتصادية إستراتيجية مع الصين”.
وشدد مقري على ضرورة الانتباه إلى “الدمج بين المحافظة على مبدأ تقرير المصير والدفاع عن المقاربة المغربية من قبل الأمريكيين، وكتابة هذه المقاربة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر في أكتوبر الماضي كخيار من الخيارات، وتداول الموضوع مع الصحراويين من قبل ديميستروا؛ إذ يدل ذلك على أن المقصود من المحافظة على مبدأ تقرير المصير في ما يقوله الدبلوماسيون الأمريكيون والأمميون إنما هو الدفع ليتجه نحو مقاربة الحكم الذاتي، وأن على البوليساريو أن تقبل ذلك، وعلى الجزائر وموريتانيا المساعدة عليه”، وزاد: “لا تدل الصرامة التي يتحدث بها الأمريكان على أن ثمة خيارا آخر جوهريا يمكن التفكير فيه غير هذا”.
ولفت صاحب المنشور إلى أن “المقاربة الأمريكية بقيت ذاتها بخصوص حل ملف الصحراء، وهي مقاربة الحكم الذاتي المغربية”؛ ما أكده جوشوا هاريس بدون أي لبس في المقابلة الصحافية التي أجراها مع وسائل إعلام جزائرية، مشيرا في هذا الصدد إلى أن “الولايات الأمريكية المتحدة تعتبر أن مقترح الحكم الذاتي المغربي مقترح جاد وواقعي وذو مصداقية، ويمثل مقاربة محتملة يمكنها أن تستجيب لتطلعات الشعب الصحراوي، وهو الكلام الواضح البيّن الذي تحدثت بعكسه بعض وسائل الإعلام الجزائرية، مُحاولة إيهام القرّاء الجزائريين بأن المسؤول الأمريكي دعم المقاربة الجزائرية الداعية إلى تطبيق قرار تقرير المصير الأممي”.
وتساءل الرئيس السابق لحزب “حركة مجتمع السلم” عن الدوافع التي تجعل بعض وسائل الإعلام الجزائرية تحرف الحقائق، منتقدا في الوقت ذاته غياب نقاش وطني في قضايا مهمة مثل هذه، ومسجلا أنه “لا بد في يوم من الأيام أن يُفتح ملف الصحراء للنقاش المجتمعي لتكون الحلول جزائرية مغاربية بلا خضوع للضغوطات أو الإغراءات الأجنبية، وبلا حسابات سلطوية أو مصالح شخصية أو فئوية، وبما يحقق مصالح الشعوب ويجسد تحقيق حلم المغرب العربي لصالح المواطنين بكل سيادة”.
صراع وتصفية حسابات
وفي قراءته لكلام مقري، قال شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، إن “خرجة القيادي الإسلامي مرتبطة أساسا بمنع الرجل من السفر إلى الخارج لحضور أنشطة مرتبطة بالقضية الفلسطينية، وبالتالي فإنه وبحكم الصراع بين النخب السياسية في البلاد يتم بين الفينة والأخرى استعمال بعض الأوراق السياسية الحساسة في الجزائر على غرار ورقة الصحراء”.
في هذا الصدد، لفت المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أن “هذه الخرجة يمكن اعتبارها محاولة للضغط على النظام بحكم معرفة مقري ووعيه بمركزية هذه القضية في عقيدة هذا النظام”، موردا في الوقت ذاته أنه “كلما أراد جناح من داخل السلطة أن يضرب جناحا آخر يتم اللجوء إلى هذه الورقة من خلال التشكيك في المواقف الرسمية تجاه مسألة الصحراء وطرحها إلى النقاش العمومي”.
واعتبر الناشط الجزائري المعارض أن “استعمال هذا الملف ليس بجديد، ذلك أنه سبق أن اغتيل رئيس جزائري بسبب مواقفه منه”، في إشارة إلى الرئيس الأسبق محمد بوضياف، مشيرا إلى أن “ملف الصحراء هو بمثابة قنبلة بالنسبة للجناح المتحكم في الدولة الجزائرية، ذلك أن طرح هذه القضية للنقاش العمومي سيفضي إلى اكتشاف الجزائريين مصير أموالهم، وسيعون بالامتيازات التي يغدق بها النظام على ميليشيات البوليساريو، وسيقفون على حقيقية العلاقة بين نظامهم وبين هذا التنظيم؛ وبذلك فإن مقري واع بهذه المسألة التي تعتبر مصدر ريع بالنسبة للنظام، ويحاول طرحها للنقاش في محاولة لتصفية حساباته معه”.
وشهد شاهد من أهلها
من جهته أورد وليد كبير، صحافي جزائري معارض، أن “ما قاله القيادي الإسلامي غير مسبوق باعتبار أن الرجل كان رئيسا لحزب سياسي، ولكونه أيضا من النخب التي كانت تدافع عن طرح النظام في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، رغم كل ما يمكن أن يُقال في سياق وتوقيت هذه الخرجة”.
وأضاف كبير أن “مقري أقر في مقاله بمجموعة من الحقائق التي طالما حجبها النظام الجزائري، وعلى رأسها اعترافه بأن جبهة البوليساريو هي التي خرقت وقف إطلاق النار وليس المغرب، ثم أكد على ثبات الموقف الأمريكي تجاه قضية الصحراء عكس التغيير الذي تدعيه وتروج له وسائل الإعلام المعتمدة في الجزائر؛ إضافة إلى تسليطه الضوء على غياب النقاش الوطني في الداخل الجزائري حول هذه المسألة وفرض توجه واحد وموقف واحد على جميع الجزائريين”.
وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “كل النخب السياسية الجزائرية مطلوب منها اليوم أن تتحمل مسؤوليتها وأن تدفع في اتجاه فتح نقاش مجتمعي حقيقي من أجل السماع لجميع الآراء، بما فيها تلك التي لا تتوافق مع رؤية وموقف المنظومة الحاكمة في البلاد، في أفق إعادة تصحيح هذا الموقف بما يتماشى مع التحولات والمتغيرات الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم”.
المصدر: وكالات