ردود فعل قوية تلك التي تلت ما تلفظ به عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في حق عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، بعدما انتقد “دفاعه عن العلاقات الرضائية في الفضاء الخاص”، خصوصا بعد حوار الوزير الأخير مع جريدة هسبريس الإلكترونية، قائلا إنه “وزير فساد وليس وزير عدل، ومن غير المعقول أن يبقى في حكومة إمارة المؤمنين”، حسب تعبيره.
وأمام احتدام النقاش حول الموضوع وبروز دعوات لعبد اللطيف وهبي من أجل سلك طريق القضاء “دفاعا عن نفسه وعن منصب الوزير أمام اتهامات بنكيران”، استبعدت مصادر مقربة من وزير العدل أن يمُرّ هذا الأخير إلى مرحلة رفع دعوى قضائية ضد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية.
وهبي يرد
في رد استباقي، قال عبد اللطيف وهبي ضمن لقاء له مع القناة الثانية: “إذا كان موضوع الفنادق يثير كل هذا الاستفزاز لدى بنكيران، لماذا حين كان رئيسا للحكومة لم يضع قانونا وينتهي الموضوع، ويفرض عقد الزواج؟ ولماذا سكت عن القمار؟… كان في يده القانون ولم يفعل أي شيء”.
وأضاف وهبي: “أنا سكتت عنه كثيرا وما كنت أعتقد أنه إذا خاصم فجر، لأنها ليست من صفات المسلمين. الرجل تجاوز كل الحدود ووصل إلى إصدار بيان ردّا على تصريح؛ فذلك يعني أنهم وصلوا إلى الدرك الأسفل من الثقافة السياسية”.
وكانت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية قد أصدرت بيانا بخصوص ما أدلى به وزير العدل في حوار له مع جريدة هسبريس الإلكترونية، اتّهمته فيه بـ”الاستهزاء بحديث نبوي شريف والدفاع عن العلاقات الرضائية”، حسب تعبيرها.
أمام هذه المعطيات المتداخلة، وبناءً على فحوى خطاب عبد الإله بنكيران قبل أيام، الذي ربط فيه منصب وزير العدل بـ”الفساد”، دخلت قيادات سياسية تنتمي لأحزاب الأغلبية على الخط، مستنكرة بالإجماع “ما جاء على لسان الأمين العام لحزب العدالة والتنمية”، إذ اعتبرت ذلك “مساساً بمنصب الوزير وبالترسانة الحكومية ككل”، مؤكدة في الأخير “انتهاء زمن مثل هذه الخطابات التي تتنافى وأدبيات العمل السياسي وتحاكم الشخص لا مردوديته”.
“استراتيجية قديمة”
البداية كانت مع محمد صلوح، قيادي بحزب الأصالة والمعاصرة، الذي اعتبر أن “ما تلفظ به بنكيران في حق وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، يسيء به لنفسه أولا، إذ ما يزال متمسكا بنهجه القديم المتعلق أساسا بمهاجمة الأشخاص وحشد الرأي العام ضدهم؛ فما تفوه به الأمين العام لحزب العدالة والتنمية هو خطاب خارج الزمن ومتجاوز”.
وقال صلوح في تصريح لهسبريس: “سواء بنكيران أو وهبي، فإن الكل يعرفهما ولا يمكن لأي أحد منهما أن يتحدث عن الآخر للعموم، ففي هذا الإطار يبقى وهبي محاميا وابن مجال القانون ولا أحد يعرفه أكثر منه، وإن كانت لديه نية من أجل اللجوء إلى القضاء فأظن أنه لن يتردد في ذلك، في حين من الممكن من جهة ثانية أن يعتبر أن كلام بنكيران مجرد موجة لا غير”.
وأضاف أن “السؤال المطروح حاليا هو: هل عبد الإله بنكيران ما عاد لديه ما يمكن أن يُضيفه إلى المشهد السياسي المغربي دون متابعة الأشخاص ومهاجمتهم عبر خرجاته الإعلامية المختلفة؟”، معتبرا أن “انتقاد الأشخاص بطريقة ودية حول مشاريع قوانين أو إكراهات قطاع معين، أمر طبيعي، وهو ما يحتاج إليه العمل السياسي، غير أن مهاجمة فرد سياسي بطريقة غير مؤطرة، ليس بالسليم”، مشيرا إلى أن “بنكيران حاول منذ سنوات بناء مجده السياسي على أنقاض مهاجمة الأفراد والسياسيين، خصوصا المنتمين إلى حزب الأصالة والمعاصرة، وهذه أسطوانة انتهت وولّى زمانها”.
وذكر القيادي “البامي”، ضمن حديثه لهسبريس، أن “خطاب كل فاعل سياسي في نهاية المطاف يبين تراتبية الأولويات لديه، بحيث إن خطاب بنكيران يبين ما يدور في خُلده كأمين عام لحزبٍ سيّر شؤون المغاربة لعشر سنوات متتالية، في وقت نحن اليوم أمام دخول سياسي واجتماعي يتطلب منا التركيز على الأولويات”.
“خطابٌ مُدان”
علاقة بالموضوع ذاته، قال محيي الدين حجاج، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرا: “وجبت بداية الإشارة إلى أن ما تلفظ به السيد بنكيران لا يمكن إلا أن يكون محط إدانة من قبل كل من يرى أن التنافس السياسي لا يعني بالضرورة التجرد من الوازع الأخلاقي والديني وتوزيع الشتائم يمينا ويسارا بلا حسيب ولا رقيب، وما يؤسفنا أكثر أن يصدر هذا النوع من الخطاب من طرف نفس الفاعل السياسي وبطريقة متواترة دون أدنى اعتبار لصفة رئيس حكومة سابق للمملكة المغربية”.
ولفت حجاج، في تصريح لهسبريس، إلى أن “بنكيران من المفترض أن يكون أشد الناس حرصا على انتقاء معجم سياسي يليق به وبصفته السابقة والحالية أيضا، كونه أمينا عاما لحزب سياسي يُفترض فيه تأطير المواطنين وإعطاؤهم القدوة الحسنة، وليس تسيُّد خطاب شعبوي موغل في الضحالة الفكرية، ظنا منه أن ذلك هو بوابة فوز انتخابي ما، خصوصا أنه جرب هذا الخطاب مؤخرا في محطات عديدة ولم يجن منه غير الخسائر تلو الأخرى”، حسب تعبيره.
كما استبعد المتحدث ذاته “تفسير لجوء عبد الإله بنكيران لهكذا خطاب من زاوية التحليل السياسي، بل من زاوية علم النفس”، حسب تعبيره، قبل أن يعيد التأكيد أنه “من هذه الزاوية يمكن فهم انفعالات الأستاذ بنكيران وهجومه بطريقة لا أخلاقية على كل خصومه، بل وأحيانا لم يسلم من هذا الخطاب حتى بعض أعضاء حزبه ممن يختلفون معه في التقديرات”.
على الأغلبية التحرك
على النحو ذاته سار تدخُّل أحد قياديي حزب الاستقلال، الذي أوضح أن “ما تفوه به عبد الإله بنكيران في حق شخص وزير العدل يندرج في إطار تسخينات انتخابية سابقة لأوانها من خلال الضغط على بروفايلات الحكومة، وخاصة الوزير وهبي الذي كان فقط قد أثار بعض الإشكالات التي يعرفها القطاع الذي يسيره”.
وأورد القيادي الاستقلالي الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لاعتبارات تنظيمية أن “الأغلبية يجب عليها الانتباه إلى مثل هذه الأمور، لأنها من بين المقومات الأساسية التي ترتبط أساسا بإعادة الاعتبار لمنصب الوزير، إذ إن تجريح الوزير هو بمثابة تجريح للأغلبية الحكومية”، معتبرا أن “أحزاب المعارضة ككل عليها استبدال هذه الاستراتيجيات بأُخرى ذات قيمة مضافة لا تتحدث عن مسؤول حكومي بعينه بل عن مردوديته”.
وزاد: “نحن اليوم على مقربة من اجتماع الأغلبية بما يستوجب إثارة النقاش حول ضرورة التضامن الحكومي حول المساس بمسؤول حكومي بعينه، لأن ذلك يعني بشكل مباشر مساساً بالجسم الحكومي برُمّته”، قبل أن يؤكد أن “المعارضة يجب عليها أن تدرك وجود عدد من الأولويات التي تفرض نفسها خلال هذا الدخول السياسي الجديد، والتي يجب أن تنال الاهتمام الكامل عوضا عن استهداف مسؤولين حكوميين”.
وقال القيادي الاستقلالي إن “ما أقدم عليه عبد الإله بنكيران يبين أننا أمام مظهرٍ من مظاهر اندحار الفاعل السياسي واختياره مجابهة شخص المسؤول عوضا عن إبراز مردوديته ومناقشته بخصوصها بكل لباقة، في وقت سبق أن أكد العاهل المغربي عدم فاعلية السجال السياسي وضرورة تجاوزه”.
المصدر: وكالات