تمثل القمة العربية الصينية الأولى التي استضافتها السعودية، الجمعة، محطة بارزة في مسيرة الشراكة الإستراتيجية بين الدول العربية والصين، وتمثل بداية مرحلة مصيرية في تاريخ الصين الحديث.
وشارك في قمة الرياض العربية-الصينية للتعاون والتنمية قادة دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، فيما ترأس الرئيس الصيني شي جين بينغ وفد بلاده لها، وهو ما يعطي هذا الحدث دلالات عميقة تجاه إستراتيجية علاقة الجانبين، في ظل الاضطرابات العالمية وأزمة إنتاج النفط وإشكاليات نقص الطاقة.
وتتطرق القمة لجميع الملفات المهمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وتسعى إلى تعزيز التعاون الثنائي الأمني والدفاعي، وتفتح الطريق للتعاون في مجالات الفضاء والتكنولوجيا والصناعات الجديدة في الطاقة وتعزيز المبادلات التجارية.
الدكتور ناصر بوشيبة، رئيس جمعية التعاون الإفريقي-الصيني للتنمية (ACCAD) والمحاضر في جامعات الصين، قال إن “هذه القمة تأتي في ظرفية صعبة عالمياً بعد الخروج من جائحة كورونا ومواجهة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية”.
وأضاف بوشيبة، في تصريح لهسبريس، أن هذه القمة تؤشر على بداية مرحلة مصيرية في تاريخ الصين الحديث والدول العربية، وخصوصاً البترولية، التي اختارت التوجه شرقاً خلال السنوات الماضية؛ وذلك ما تجلى في ارتفاع حجم التبادل التجاري بشكل كبير.
ويرى المتحدث أن “دول الخليج وجدت ضالتها في الصين التي تعتمد مبدأ احترام خصوصيات الآخر وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بخلاف الشركاء التقليديين، مثل دول أوروبا وأميركا، التي تستحضر دائماً ملفات حقوق الإنسان والدمقرطة في شراكاتها”.
ويرصد الباحث المغربي امتيازاً آخر في علاقات الصين الخارجية، يتمثل في بحثها عن أوجه التكامل بين الاقتصاديات والعمل على توجيه التجارة والاستثمار في هذا المجال لتحقيق منفعة متبادلة اقتصادية بامتياز، وهو الأمر الذي سيمكن الدول العربية من متنفس، لأن السوق الصينية ضخمة، سواء للمحروقات أو المنتجات الغذائية والمصنعة.
وبالإضافة إلى ما سبق، تعمل الصين، وفق إفادات بوشيبة، على نقل التكنولوجيات إلى شركائها، سواء في المجالين المدني أو العسكري، ناهيك عن قدراتها الاستثمارية باعتبارها المستثمر الأجنبي الأول في العالم، وتركيزها بالأساس على البنية التحتية، وهو ما تجلى في استثماراتها في مصر والسعودية والإمارات وقطر.
موقع المغرب
يحضر المغرب في هذا القمة بوفد يترأسه عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، وهو ما من شأنه أن يضع المغرب وسط هذا الزخم الذي تشهده العلاقات الصينية العربية ليكون الجسر الصيني نحو إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، لما يتوفر عليه بنية تحتية وموارد بشرية مؤهلة، إضافة إلى علاقاته الدبلوماسية والتجارية القوية مع بلدان القارة.
وأفاد بوشيبة بأن العلاقات المغربية الصينية عرفت حركية مهمة بعد الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى بكين عام 2016، إذ سجلت صادرات المغرب خلال العام الماضي أعلى مستوى بحوالي 825 مليون دولار، تشمل منتجات مصنعة عوض ما كان في السابق من هيمنة المواد الخام.
وعن الاستثمارات الصينية في المغرب، أورد المتحدث أنها تشمل قطاعات عدة، منها السيارات والطاقة الكهربائية، وشدد في هذا الصدد على أن جميع الظروف مواتية لتستفيد المملكة من الشراكة الصينية العربية، لتشمل مجالات أخرى، على اعتبار أن الفاعلين السياسيين الصينيين مقتنعون بأنها تعتبر الوجهة المثالية من أجل تفعيل الشراكة مع إفريقيا.
قمة استثنائية
تعتبر هذه القمة استثنائية لما تسعى إلى تحقيقه من تعاون وتبادل في مجالات وأنماط أكثر تطورا، على غرار الاقتصاد الرقمي ومجالات الاتصالات وتقنيات الجيل الخامس والبيانات الكبرى، وغيرها من المجالات ذات الطابع التكنولوجي.
وشهدت العلاقات الاقتصادية والاستثمارية تطورا ملموسا في السنوات الأخيرة عكسته بيانات المبادلات التجارية بين الصين والدول العربية، التي بلغت 319,3 مليارات دولار هذا العام، أي بارتفاع بحوالي 35,28 في المائة مقارنة بسنة 2021، وذلك وفقا لتقرير صدر في بكين.
وأوضح تقرير التعاون الصيني العربي، الصادر بمناسبة منتدى التعاون الصيني العربي المنعقد الأسبوع الماضي حول سبل تعزيز علاقات التعاون بين الطرفين، أن الاستثمار المباشر بين الصين والدول العربية بلغ 27 مليار دولار سنة 2021.
وأفاد تقرير التعاون الصيني العربي في العصر الجديد، الذي أصدرته وزارة الخارجية الصينية مؤخراً، عزم الصين على تعميق الثقة الإستراتيجية المتبادلة والحفاظ على المصالح المشتركة مع الدول العربية، على أساس المبادئ الخمسة المتمثلة في الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
كما تعتمد الصين المنفعة المتبادلة والمساواة والتعايش السلمي، واحترام خيارات الشعوب العربية، ودعم حق الدول العربية في استكشاف الطرق التنموية التي تتماشى مع ظروفها الوطنية، وتبادل الدعم الثابت في ما يتعلق بالمصالح الحيوية والهموم الكبرى للجانب الآخر.
المصدر: وكالات