بمناسبة تنظيم “المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والاشتراكيين–الديمقراطيين”، في نسخته الأولى المنعقدة بمراكش على مدى ثلاثة أيام، إلى حدود 31 ماي الجاري، لم يفوّت المغرب فرصة إبراز تجربته الرائدة من خلال “تعميم الحماية الاجتماعية”، باعتبارها ورشا ملكيا استدعى تضافر جهود العديد من القوى السياسية، خاصة الاشتراكية منها.
ثاني جلسات المنتدى، التي حملت عنوان “الفوارق والفقر وتدبير الموارد: نحو حماية اجتماعية أكثر إنصافا”، شهدت تقاسم تجارب وخبرات مشاركين من كولومبيا والمغرب وفنزويلا والبرتغال وغامبيا والبرازيل، سلطت الضوء على ورش الحماية الاجتماعية في المغرب، بينما حاولت الجلسة الثالثة البحث عن “توازن مازال مفقودا بين الاستدامة والتقدم”.
التجربة المغربية
“إنه مشروع مجتمعي مثَّل نقطة تحول حاسمة في مسار تحقيق التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية والمجالية المنشودة ببلادنا، وعكَس بشكل جلي الاهتمام الخاص الذي يوليه الملك محمد السادس للقضايا الاجتماعية ولتحسين الظروف المعيشية للمواطنات والمواطنين”؛ الكلام هنا للدكتورة حنان فضل الله، التي تحدثت، ضمن الجلسة، ممثلة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية بالمغرب.
وسجلت الدكتورة ذاتها أن “الحماية الاجتماعية مشروعٌ تطلَّب تعبئة جماعية متعددة الأبعاد وانخراطَ جميع الإدارات والجهات الفاعلة المعنية، بهدف تحقيق تعميم فعال وناجع للحماية الاجتماعية على جميع المغاربة، وذلك من خلال تعبئة تمويلات هامة، وإحداث إطار تشريعي مناسب وإطلاق مشروع إصلاحي شامل لهيكلة المنظومة الصحية”.
“دستورنا المغربي في مادته 31 رسّخ الحق في الصحة والحق في الحماية الاجتماعية كحَقَّيْن من الحقوق الأساسية”، تضيف المسؤولة بوزارة الصحة المغربية أمام جمع البرلمانيين الشباب الاشتراكيين، لافتة إلى “الحد والتخفيف من تفاقم التفاوتات الاجتماعية المطروحة كأولويات للنموذج التنموي الجديد من أجل تحسين قيادة البرامج الاجتماعية، وتعبئة الموارد، وبلورة وتنزيل الاستراتيجيات، ومدى نجاعة المنظومة الصحية والاجتماعية في تعزيز الروابط الوطنية”.
“يتجلى دور وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في مجال الأمن الصحي في تعزيز السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية للساكنة”، تورد فضل الله، مؤكدة أن “أزمة كوفيد زادت الدعم والاهتمام بالمنظومة الصحية، وأعطتها أولوية قصوى، تجعل منها نقطة ارتكاز لالتقائية مختلف السياسات والبرامج والمشاريع العمومية، فيما صار الأمن الصحي والسيادة الصحية الوطنية بمختلف مكوناتها القانونية والمؤسساتية والتنظيمية والبشرية والتدبيرية، يثير اهتمام جل الفاعلين والباحثين”.
المسؤولة المركزية بوزارة الصحة استحضرت “في إطار تعميم التغطية الصحية، العمل على تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض على فئات غير الأجراء، بإدماج جميع الفئات المعنية، من خلال نشر المراسيم الخاصة (26 مرسوما) بتطبيق القانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض والقانون رقم 99.15 بإحداث نظام للمعاشات الخاصين بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا”.
كما تمت المصادقة على مشروع القانون رقم 60.22 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص القادرين على تحمل واجبات الاشتراك الذين لا يزاولون أي نشاط مأجور أو غير مأجور، وذلك خلال الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 26 أبريل 2023 لمجلس النواب في انتظار نشره بالجريدة الرسمية.
وذكرت المتحدثة ذاتها “العمل على إدماج الفئات المعوزة المستفيدة سابقا من المساعدة الطبية (راميد) في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض”، حيث تتحمل الدولة واجبات الاشتراك في هذا النظام ويستفيد المؤَمـنون وذوي حقوقهم مـن خدمات المؤسسات الصحية العمومية، كما يستفيدون كذلك، على غرار العمال الأجراء، من التعويض عن مصاريف العلاج المنجزة في المؤسسات الصحية التابعة للقطاع الخاص، طبقا لسلة العلاجات والنِسَب المعمول بها.
الحماية الاجتماعية
أكدت بثينة فلسي، خبيرة متخصصة في مجال الحماية الاجتماعية، في مداخلة لها ضمن فعاليات الجلسة نفسها، أهمية “الطابع العَرَضاني في تنزيل السياسات العمومية في المجال الصحي، لا سيما في شقه المتعلق بالحماية الاجتماعية”.
وذهبت فلسي، في تصريح لهسبريس على هامش أشغال الجلسة، إلى أن “صفة العرضانية تُلازم ورش الحماية الاجتماعية بطبيعته”، مضيفة أن “التجربة المغربية في تدبير الجائحة، مثل دول كثيرة، سنحت بأن تكون القطاعات الحكومية التي لم تكن تدبّر مباشرة ملف الحماية الاجتماعية أكثر وعيا بالدور المهم لتعميم الأنظمة الصحية وتمكين الفئات الفقيرة والهشة من برامج الدعم الاجتماعي”.
وأبرزت الخبيرة ذاتها أن “السياسات العمومية يلعب فيها المُشرّع دورا محوريا”، خاصة بالذكر “تشبّع البرلمانيين الشباب بمبادئ هذه المنظومة، كقادة سياسيين حاليين ومستقبليين، في تحديدهم للسياسة الجبائية/تحصيل الاشتراكات”، فضلا عن “تحديد مؤشرات الاستهداف عبر السجل الاجتماعي الموحد”.
وخلص المشاركون في الجلسة الثانية إلى “أهمية توفير نظام مندمج ومتناسق للحماية الاجتماعية يروم تحقيـق الحمايـة لـكل الفئات”.
وأكدت نائبة رئيس البرلمان الكولومبي، إيريكا سانشيز بينتو، بهذا الخصوص، أن “الأولوية اليوم هي حماية الإنسان دون تمييز على أساس النوع، خاصة وأن هذه الأزمات العالمية المتتالية قد كشفت غياب المساواة وطفت على السطح أشكال مختلفة من التمييز التي تعمق الفقر وتديمه”.
الاستدامة والتقدم
تناولت الجلسة الثالثة موضوع “التقدم والاستدامة، كيف يمكن التوفيق بين الاثنيْن؟”، حيث أكد المهدي مزواري، خبير في مجال الطاقة، أن “المغرب يأتي في الرتبة 16 عالميا من حيث الجاذبية في ما يتعلق بالطاقات المتجددة، وذلك بفضل رغبة المملكة تحويل نقاط ضعفها إلى نقاط قوة، فنحن نعتمد كليا على الطاقات النفطية وعلى تغيرات السوق الخارجية من أثمنة وسياقات جيو-سياسية”.
ونوه مزواري إلى أن “الاستراتيجية الوطنية للطاقة مكنّت المغرب اليوم من إنتاج 40% من حاجتنا الحالية من الطاقة المتجددة، ونتوقع أن نصل إلى 50% بحلول عام 2030، مع رغبة في تحقيق صفر طاقة غير متجددة فيما بعد”.
وقال الخبير في مجال الطاقة، في تصريح لهسبريس، إن النقاش خلال الجلسة انصب على “كيفية الخروج بوثيقة ترافعية عالمية في مجال المناخ والتغيرات المناخية التي تهدد المنظومات البيئية، هذه الأخيرة التي تعد محط اهتمام عدد من الفعاليات الاشتراكية عالميا ومحليا”.
جدير بالذكر أن النسخة الأولى من المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين انطلقت اليوم الاثنين بمدينة مراكش وتمتد إلى بعد غد الأربعاء 31 ماي الجاري، تحت شعار “مساهمة البرلمانيين الشباب في تعزيز السياسات العمومية التقدمية والعادلة”؛ وقد عرفت الجلسة الافتتاحية للمنتدى حضور شبيبات اشتراكية وشخصيات برلمانية من مختلف ربوع العالم.
المصدر: وكالات