قرر محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، تقييد بناية “دار أمريكا” الشهيرة في الدار البيضاء في عداد الآثار الخاضعة للقانون 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، إلى جانب بنايات أخرى بالعاصمة الاقتصادية، بناء على طلب من العامل مدير الوكالة الحضرية، وبعد استشارة مع لجنة التقييد والترتيب خلال آخر اجتماع لها.
واعتبر القرار الجديد “دار أمريكا”، المملوكة لخواص حاليا والموجودة بساحة “بلير” وسط الدار البيضاء، بناية تاريخية للقرن العشرين، يستوجب الحفاظ عليها تفعيل الإطار التشريعي المذكور، الذي ينص في الفصل السادس منه على أنه “لا يجوز تغيير طبيعة العقار أو المنقول المقيد ولا إتلافه ولا ترميمه ولا إدخال تغيير عليه، ما لم يعلم المالك أو الملاك الإدارة بذلك قبل التاريخ المقرر للشروع في الأعمال بستة أشهر على الأقل”.
وإضافة إلى البناية المذكورة، شمل قرار وزير الشباب والثقافة والتواصل 23 عمارة وفيلا في وسط الدار البيضاء تم تقييدها جميعها ضمن الآثار التاريخية للقرن العشرين، حيث بني أغلبها خلال الفترة الكولونيالية التي شهدتها المدينة، في الوقت الذي سد القرار الباب أمام “لوبي” المنعشين العقاريين، الذي ترامى خلال السنوات القليلة الماضية على عدد كبير من المباني التاريخية التي تعرضت للهدم وبناء على أنقاضها عمارات سكنية وعقارات تجارية.
بناية محمية بالقانون
اعتبر إدريس الملاحي، خبير باحث في الآثار، قرار محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، تقييد بناية “دار أمريكا” الشهيرة في الدار البيضاء في عداد الآثار التاريخية، خطوة مهمة في اتجاه حماية المباني التاريخية من الهدم وصون هوية المدينة، التي تتوفر على إرث تاريخي هندسي استثنائي يزاوج بين المعمار الفرنسي والإسباني والإيطالي، ويعكس ثقافات مختلفة من الحوض المتوسطي.
وقال الملاحي، في تصريح لهسبريس، إن الفترة الماضية كانت شاهدة على ما وصفها بـ”مجازر” في حق الآثار التاريخية، من خلال هدم مجموعة من المباني ذات التاريخ العريق بالبيضاء، لارتباطها بأسماء شخصيات وأحداث بصمت ماضي العاصمة الاقتصادية، مشددا على أن أغلب العمارات والفيلات التي شملها قرار وزير الشباب والثقافة والتواصل الجديد تعود ملكيتها إلى خواص حاليا، ما يفرض ضرورة تشديد المراقبة عليها خلال الفترة المقبلة.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن بناية وحيدة تم التثبت من عودة ملكيتها إلى سفارة جمهورية بلغاريا، تتمركز في ملتقى بين زنقتي أكادير وعمر السلاوي، ما يقوي وضعيتها القانونية ويوفر لها حماية إضافية، مؤكدا أن بناية “فيسيير” (Vaissiere) تحمل تاريخا عريقا وتتميز بتصميم هندسي فريد، رغم تعرضها للإهمال خلال السنوات الماضية.
مواجهة “لوبي” العقار
قال يونس دحان، خبير في قوانين التعمير، إن القرار الجديد لوزير الشباب والثقافة والتواصل يمثل صك حماية للترات المعماري، ودرعا قانونية في السياق ذاته لتحصين المباني التاريخية ضد مد “لوبي” العقار، الذي تخصص خلال السنوات الأخيرة في اقتناص الفيلات والعمارات التاريخية، نظرا لمساحتها وموقعها الاستراتيجي، وهدمها في سياق إعادة البناء وفق تصاميم تهيئة جديدة.
وأوضح دحان أن القانون 22.80، المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، حدد بشكل واضح هوية المكلفين بضبط المخالفات بالنسبة إلى المباني المشمولة بقرارات التقييد ضمن الآثار التاريخية، وذلك من خلال الفصل 51، الذي أضاف إلى ضباط الشرطة القضائية أعوان الإدارة المكلفين بالتراث، وكذا الأعوان المؤهلين من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير والإسكان، إلى جانب أعوان إدارتي الجمارك والملك البحري.
ولفت المتحدث إلى صرامة العقوبات والغرامات الواردة في حالة مخالفة الإطار التشريعي المذكور، التي تصل إلى الحبس سنتين وغرامة 40 ألف درهم، في حالة هدم البناء أو تغيير معالمه أو استغلاله في أنشطة مضرة به، منبها إلى أن أقسام التعمير بالجماعات مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتشديد المراقبة على المباني التاريخية لغاية صونها وحمايتها من المضاربات العقارية.
المصدر: وكالات