تكتسي السنة التشريعية الثانية من الولاية الحالية أهمية بالغة، تبعا لثقل الوظيفة المشتركة للبرلمان والحكومة في إنتاج أجوبة تشريعية وتثمين مبادرات رقابية لمعالجة قضايا وأولويات مجتمعية برهان وطني يواكب التوجيه الملكي بمناسبة افتتاح دورتها الأولى الذي أكد على عدم إغفال دور المؤسسة البرلمانية في الدفع قدما بإشكاليات ذات أسبقية وبانشغالات الوطن والمواطنين والتحلي بروح المسؤولية الجسيمة التي تفرضها الظروف الوطنية والتقلبات العالمية الحالية.
وبصفة إجمالية، فإن هذه السنة تميزها خصوصية سياق استثنائي موسوم بارتفاع الأسعار واضطراب عالمي وإقليمي مع تزايد انتظارات مجتمعية لتجسيد التفاعل المنتج ومعالجة مشاكل مؤرقة، ودون إغفال كونها مستكملة للمرحلة الأولى من زمن الحكومة، بما لها من أغلبية مريحة وسند سياسي وبيروقراطي وتبيان المواقف منها، وبما يواكبها من أداء احتجاجي ومجهود للمعارضة البرلمانية بضعفها العددي، فضلا عما يثيره النقاش العمومي والالكتروني بشأن جدوى وأثر الأداء التشريعي والرقابي البرلماني على المعاش والملموس اليومي للمواطنة والمواطن وعلى منسوب الثقة العام في ” صوت وصورة” البرلمان.
وبهدف تعزيز المواكبة العلمية والإعلامية لحصيلة السنة الثانية بمناسبة تمام اختتام دورة أبريل عشية الثلاثاء 26 يوليوز 2023 ورصد عناصر القوة والقصور فيها، نبسط أهم مؤشراتها الرقمية والنوعية وفق الآتي بيانه وتفصيله.
أولا: على مستوى الأداء التشريعي
أ-بخصوص مشاريع القوانين الحكومية
-صادق البرلمان بصفة نهائية على ما مجموعه 55 مشروع قانون بما جعل حصيلة الإنتاج التشريعي غنية كميا بمضاعفة عددها مقارنة بالسنة الأولى وتنوع طبيعة نصوصها التي جاءت متفاوتة الأهمية ومطبوعة في مجملها بخصوصية تقنية عادية تجعلها مكملة لمسار تشريعي تراكمي ومواكبة نسبيا لبعض مستجدات الوضعية الاستثنائية العالمية والوطنية. ويمكن تصنيف نصوصها كما يلي:
– 4 قوانين تنظيمية: أولها مؤسس يتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون، قضت المحكمة الدستورية فيما بعد بعدم دستوريته لعدم استكمال تداول المجلس الوزاري فيه قبل إيداعه بالبرلمان، وبقيتها معدلة، وتتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، الذي عزز وضعية القضاة وتقييم أدائهم، وبالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي كرس استئثاره بشؤون القضاة ومدد عضوية أعضائه الذين يعينهم الملك الى خمس سنوات على غرار أعضائه المنتخبين، وبالتعيين في المناصب العليا، بإضافة مكتب حقوق المؤلف ومؤسسة اجتماعية لموظفي الإدارات إلى القائمة التي يعين فيها بمجلس الحكومة.
–قانوني إطار: يتعلق أولهما بميثاق الاستثمار، الذي جاء تنفيذا للتوجيه الملكي الداعي إلى “وضع ميثاق جديد ومحفز للاستثمار قصد استغلال ما يخلقه السياق الصعب من فرص “. ويروم رفع الاستثمار الخاص ليصل ثلثي الاستثمار الإجمالي وتوجيهه لقطاعات ذات أولوية ومهن المستقبل. بيد أن هذا القانون يثير استمرارية انتظارات تفعيل مقتضياته، المتعلقة أساسا بتحسين مناخ الأعمال ومعالجة الفوارق الاستثمارية بالعمالات والأقاليم ودعم استثمار المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، وتقوية الإنتاج المحلي لتعزيز السيادة الاقتصادية وتعويض الواردات. لا سيما أن نجاعة تطبيق هذا القانون رهينة بشكل كبير بمضمون وجودة ونجاعة النصوص التنظيمية والتشريعية التي تترتب عنه وبمراجعة شاملة لمنظومة قانونية وتنظيمية ماتزال معرقلة وتحول دون تحقيق الاستثمار الوطني لتنمية حقيقية، لاسيما ما يتعلق منها بالعقار والتعمير والضرائب والمساطير الإدارية.
أما قانون إطار الثاني فيتعلق بالمنظومة الصحية ، الذي سن قواعد لحكامة القطاع وتثمين أطره والانفتاح على أطر طبية أجنبية،
– 06 قوانين ذات طبيعة مالية، كقانون المالية 2023 وقانون التصفية 2021 وتعديل قانون المراقبة المالية للدولة، ليشمل تطبيق الصفقات العمومية المؤسسات العمومية وأشخاص اعتبارية عامة، وقانون المتصرفين المستقلين في الأجهزة التداولية للمقاولات العمومية، اشترط توفر الخبرة المهنية في مجال تدخلها عند تعيينهم.
-12 قانون عادي مؤسس، كقانون تنظيم جمع التبرعات، الذي فرض الترخيص لدعوة العموم لجمع التبرعات لتمويل أنشطة ومشاريع خيرية صرفة، وقانون الشركات الجهوية، الذي يحول المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والوكالات المستقلة إلى شركات مساهمة جهوية متعددة الخدمات لمواكبة تطور الطلب على خدمات الماء والتطهير السائل والكهرباء، وقانون تربية الأحياء البحرية، الرامي إلى استثمار الساحل الوطني لتغطية الطلب الداخلي وتقليص مجهود صيد ثروة مستنزفة وقانون التأمين الإجباري عن المرض للأشخاص القادرين على تحمل الاشتراك الذين لا يزاولون أي نشاط، الذي حدد قواعد النظام واستناده على السجل الوطني للسكان لإثبات قدرة أداء الاشتراك وكذا قانون اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة الذي جاء كبديل لعدم إجراء انتخابات المجلس الوطني للصحافة، وستقوم اللجنة بتدبيره العادي وبلورة اقتراح تطوير القطاع وتحضير انتخاباته.
وخلافا لمجمل القوانين التي مررت في نطاق عادي ودون جدل جوهري فإنه هذا القانون الأخير أثار خلافا بينا وعميقا بين اتجاه مساند أكد أهميته إتاحة مدة كافية لمهنيي الصحافة والنشر لتخطي ثغرات النص المرجعي للمجلس مقابل قناعة اتجاه معارض لكون اللجنة المؤقتة مبادرة غير دستورية ومخالفة للفصل 28 من الدستور الذي نص على تنظيم القطاع بكيفية مستقلة وديموقراطية. ونود تفاعلا مع هذا الموضوع الإشارة إلى أنه قد يكون من باب أولى وأهم تفعيل المبادرة الذاتية لرئيس الحكومة لإحالة القانون على المحكمة الدستورية إثراء للنقاش الدستوري والقانوني وبيانا لصواب نص استئنافي أو تصويب خطوته.
-09 قوانين عادية معدلة لقوانين قائمة: في مجالات متعددة كالتغطية الصحية، بحذف نظام المساعدة الطبية ونقل المستفيدين منه تلقائيا للتأمين الإجباري لغير القادرين على أداء الاشتراك واستفادتهم من سلة العلاجات المعمول بها، وحرية الأسعار والمنافسة، بتجويد مراقبة الممارسة المنافية للمنافسة، والمرشد السياحي، بزيادة سنتين انتقالية لتسوية وضعية فئة لها كفاءة ميدانية دون شرط التكوين.
وجدير بالملاحظة أن فعالة وأثر المصادقة على قانونين معدلين في مجال الأسعار والمنافسة بالنسبة للمواطنين محكومة بصدقية وجودة تفعيلهما الحقيقي مع ثقل كلفة المعيشة ومظاهر الاحتكار.
—قانونين يقضيان بالمصادقة على مرسومين بقانون: أولهما لحل وتصفية وكالة حساب تحدي الألفية قبل نهاية يوليوز 2023. وثانيهما مدد لمجلس الصحافة إلى 7 أبريل 2023 كحل حكومي استثنائي لعدم تجديده قبل تمام ولايته.
– 20 قانون يوفق بموجبه على اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف، تتوخى تقوية تعاون وإشعاع المغرب وتعزيز دوره الإفريقي وعلاقاته الدولية والثنائية، كاتفاقية إحداث مقر الاتحاد الإفريقي للشباب بالمغرب واتفاقية منظمة العمل الدولية لحماية العمال من المخاطر المهنية الناجمة عن تلوث الهواء، واتفاقية لاهاي لاستيفاء النفقة بالخارج لمستحقيها.
وبعد اختتام الدورة بقي 30 مشروع قانون قيد الدرس بالبرلمان (17 بمجلس النواب 13 بمجلس المستشارين). وتتضمن قائمة النصوص المتبقية:
-4 مشاريع قوانين طال بقائها من الولاية التاسعة (تنظيم الإضراب والتعاضد ومكافحة الأمراض العقلية ومهن محضري المنتجات الصحية) و3 مشاريع قوانين من الولاية العاشرة (الصحافة والنشر واتفاقيتين لتبادل معلومات الحسابات المالية)؛
ب- بخصوص مقترحات القوانين البرلمانية:
بلغ عدد مقترحات السنة الثانية التي سجلت وأحيلت على الحكومة 91 مقترح قانون (73 بمجلس النواب و18 بمجلس المستشارين). وبذلك وصل عددها الإجمالي المتبقي في رصيد البرلمان ما مجموعه 281 مقترح قانون.
ويتبين باستقراء ومقارنة مقتضياتها هيمنة التكرار والهاجس العددي في إنتاج غالبيتها وتوجه أزيد من 15 مقترح لإحداث مجالس ومؤسسات عمومية يهم بعضها تأمين المواد الغدائية والصحية والطاقية وتنمية المناطق الجبلية وتثمين القصبات والقصور والنهوض بالصناعة، وذلك رغم كلفتها المالية، ودون ثبوت جدواها وأثرها القانوني في ظل مؤسسات قائمة قد تستوعب المقصد النبيل للمبادرات المذكورة.
كما أن أزيد من 240 مقترح قانون لم تتم برمجت تقديمه ومناقشته باللجان الدائمة، مع اكتفاء هذه الأخيرة بتقديم مقترحات قليلة جدا مقارنة بع العدد الإجمالي، علما أن الحكومة لا شأن لها مبدئيا في تعذر رمجنها، بغض النظر عن موقفها البين من عدم قبول مقترحات تخالف أحكام الدستور وقوانين سارية أو تنحرف عن مجال التشريع وتكلف المالية العامة أو لا تستوعب اقتران التعديل في بعضها بظروف سياسية معينة كمنظومة الانتخابات والجماعات الترابية التي تقتضي نقاشا عموميا وإجراء تقييم شامل لرصد خللها وقوتها.
ومن جهة أخرى، لم يتجاوز عدد مقترحات القوانين التي صادق عليها البرلمان في سنته الثانية مقترحي قانون، عدل أولهما قانون الماء لمنع الحفر العشوائي للآبار، وعدل ثانيهما قانون الجنسية لزيادة معرفة الأمازيغية لطلب الجنسية عوض الاقتصار على حالة معرفة العربية.
ومع الإشارة إلى موافقة النواب في دورة أكتوبر على مقترحي قانون لإحداث مؤسسة الأعمال الاجتماعية لموظفي البرلمان لتطوير خدمات كالسكن والتغطية التكميلية، ولتعديل قانون صندوق التكافل العائلي بما يخول لفئة الوالدين المعوزين مستحقات النفقة من الاستفادة منه. وتسجيل مواصلة صرف النظر البرلماني عن 8 مقترحات قوانين متعترة وافق عليها أحد مجلسي البرلمان قبل الولاية الحالية، ومن أهمها ما تعلق بإحداث قناة برلمانية وتعديل المادة 9 من مدونة الشغل.
ثانيا: على مستوى الأداء الرقابي وتقييم السياسات العمومية
أ-الجلسات الشهرية:
عقد البرلمان 10 جلسات لمساءلة رئيس الحكومة (06 بمجلس النواب و04 بمجلس المستشارين) تم خلالها توجيه 78 سؤالا في 09 محاور لمواضيع السياسة العامة التي شملت التعليم العالي وتمكين المرأة واللاتركيز الإداري والحوار الاجتماعي والسيادة الغذائية وتشجيع الاستثمار ومشروع قانون المالية ورهاناته والتغطية الصحية والسياسة المائية.
ومن زاوية إحصائية مقارنة ـ نسجل تقدما بينا في التفاعل الشهري لرئيس الحكومة مع النواب والمستشارين مقارنة مع السنة الأولى مع تفصيل بين لرفع عدد الجلسات بمجلس النواب. بالإضافة إلى استمرار ترتيبه في مستوى أدنى مقارنة مع معطيات رقمية للسنة الثانية من الولاية السابقة، حيث عرفت عقد 13 جلسة (7 بمجلس النواب و6 بمجلس المستشارين).
ب- الجلسات الأسبوعية:
– تطبيقا لأحكام الفصل 100 من الدستور أجابت الحكومة على 1355 سؤالا شفهيا خلال الجلسات الأسبوعية التي بلغ عددها 51 جلسة من بينها 759 سؤالا شـفهيا للنواب و596 سؤالا شـفهيا للمستشارين.
ومما ميز هذه السنة التشريعية هو تراجع نسبة الأسئلة الشفهية الآنية التي برمجت حول قضايا راهنة، حيث لم تتجاوز 28%، ومقارنة مع السنة الأولى التي تجاوزت 50 % من مجموع الأسئلة المجاب عنها، مع تسجيل تفوق مجلس المستشارين في برمجته للأسئلة الآنية بنسبة 37.75% مقارنة مع مجلس النواب الذي اكتفى بتخصيص نسبة 19.49 % فقط للأسئلة الآنية ضمن مجموع الأسئلة الشفهية التي برمجها.
ومن بين المواضيع الآنية المجاب عنها على سيل المثال: الرياضة المدرسية وامتحانات المحاماة وبرنامج “أنا مقاول “ووضعية البنايات غير القانونية ومعادلة الشهادات الجامعية وتنفيذ مخرجات الحوار الاجتماعي ووضعية المالية العمومية ومشاريع تحلية مياه البحر ومستجدات السياسة المائية واستعدادات تنظيم قمة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ببلادنا.
أما بخصوص مستوى التفاعل الرقابي للوزراء مع الجلسات الأسبوعية وبرمجة حضورهم فيها، فنحيل على المعطيات المستخلصة التالية:
— بالنسبة لمجلس النواب: 7 قطاعات حكومية هي الأكثر حضورا وبرمجة (بين 6 و7 مرات) كالتجهيز والصحة والنقل والعلاقات مع البرلمان، في مقابل 7 قطاعات أقل حضور وبرمجة (ما بين 1 و3 مرات) كقطاعات الداخلية والخارجية وإعداد التراب، والاستثمار. أما بقية القطاعات الأخرى فبرمجت 5 مرات
-بالنسبة لمجلس المستشارين: وباستثناء قطاع الصناعة الذي تصدر التميز بحضوره وبرمجته 6 مرات، متبوعا بقطاعي التجهيز والانتقال الرقمي ب 5 مرات، فإن 8 قطاعات سجلت حضورها وبرمجت في 4 جلسات كقطاعات الداخلية والأوقاف والشباب والثقافة و10 قطاعات لم يتجاوز حضورها وبرمجتها ثلاث مرات على الأكثر كإعداد التراب والتضامن والسياحة.
وبغض النظر عن ملاحظة عودة الاحتجاج البرلماني العلني بشأن الحضور والغياب عن المساءلة الشفهية التي ظلت محصورة في الغالب في نطاق أربعة قطاعات وبمتوسط 32 سؤالا في جلسة النواب وثلاث قطاعات ب 23 سؤالا في المستشارين، فإننا نسجل استنساخ وتكرار ورتابة عدة مواضيع لأسئلة وأجوبة الجلسات مع تراجع التوجه نحو عقلنة برمجة الأسئلة القطاعية لمعالجة قضايا نوعية وبحمولة سياسية مثيرة ومحفزة على مواكبتها المتجددة، بما توازيه ضرورة تأمين حضور وتفاعل متوازن لجميع القطاعات المعنية، علما أن البرمجة في كل الأحوال تخضع لتدبير برلماني خالص رغم ثبوت تباين جاهزية الوزراء وترتيب الشأن الرقابي البرلماني في الزمن الحكومي والوزاري .
-وبخصوص التحدث في موضوع عام وطارئ في نهاية الجلسات، فيسجل تراجع مستوى التفاعل الحكومي معها ببرمجة عدد محدود منها (أقل من 21 طلبا) لم يتجاوز نصف عدد الطلبات التي تحققت برمجتها في السنة الماضية (42 طلبا)، مع ملاحظة تفوق عددي نسبي للمستشارين من حيث الطلبات المبرمجة. ويعزى تراجع العدد المبرمج، خاصة بمجلس النواب، بانتقاء المكتب لطلبات الفرق قبل إحالتها على الحكومة لتحديد موقف بشأنها. بغض النظر الموضوعي عن تمايز تقدير استعجاليتها وأهميتها القصوى بالنسبة للرأي العام الوطني.
ومن بين أهم المواضيع الطارئة التي تم تناول الكلمة بشأنها:
-بالنسبة لمجلس النواب: قلة أطر الصحة النفسية ومعانات المناطق الجبلية في الشتاء وانقطاعات متكررة لأدوية الغدة الدرقية وأمراض القلب والشرايين والضغط؛
وبالنسبة لمجلس المستشارين طب الولادة ووفيات عند الوضع ووضعية المتصرفين والتقنيين والتشديد على أنشطة البنوك المغربية في دول الاتحاد الأوربي وكذا الحق النقابي بمؤسسات تابعة لقطاع الشباب والرياضة.
أما بشأن طلبات التحدث التي تعذر تناول الكلمة وتقديم توضيح رسمي بشأنها في نهاية الجلسة فنذكر منها: إجراءات ضبط أثمنة الأضاحي والحق النقابي بالمندوبية السامية للمقاومين وشعب الملاعب وتأخر إخراج النظام الأساسي لرجال التعليم.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه السنة سجلت ظاهرة اللجوء المتواتر لتقنية نقط نظام خلال غالبية جلسات أسئلة النواب لإثارة عدة قضايا خلافية حول مقتضيات النظام الداخلي والسير العادي للمجلس.
ويمكن إجمال أهم النقط الإشكالية التي أثيرت في الدورتين معا، في عدم تطبيق المادة 262 لبرمجة كل قطاع حكومي مرة في الشهر على الأقل عوض برمجة مقلصة بمتوسط ثلاثة أو أربعة وزراء، والمادة 152 للتحدث في موضوع طارئ التي تنتقد المعارضة تصفية المكتب لطلباته قبل ضعف تفاعل الحكومة معها، علما أنها في كل الأحوال تكتسي قيمة دستورية وقانونية أدنى من الأسئلة الشفهية العادية والآنية، زيادة على نقط نظام لإثارة شح تفعيل برمجة مقترحات القوانين.
ج- الأسئلة الكتابية
-بلغ عدد الأسئلة الكتابية التي أجابت عنها الحكومة ما مجموعه 10558 سؤالا كتابيا من أصل 15640 سؤالا كتابيا (أي ما نسبته 67.50%)، وبقي ما مجموعه 5082 سؤالا كتابيا في انتظار الجواب (بما نسبته 32.50 %)، مع الإشارة إلى تفاوت نسب الأسئلة الكتابية المجاب عنها والمتبقية حسب القطاعات. وتثمين الجهد البين في استدامة التفاعل الإيجابي العام مع هذه الآلية مع إثار تكرار مواضيعها وعدم دقتها في حالات أخرى وتعذر تمام الأجوبة في أجلها الدستوري كقاعدة موضوعية راسخة في الممارسة البرلمانية والحكومية لعوامل متعددة.
-وتبعا لاستقصاء المعطيات الإحصائية الرقمية لوضعية الأسئلة الكتابية المجابة والمتبقية (إلى متم 23 يوليوز 2023) نسجل تميز مستوى التفاعل الرقابي الإيجابي لعشرة قطاعات حكومية تجاوزت 70% من الأسئلة المجاب عنها. ومن أبرزها قطاع الخارجية بجوابه على 260 من أصل 308 سؤال كتابي (أي ما نسبته 84.41%) وقطاع الأمانة العامة للحكومة بجوابه على 56 من أصل 63 سؤال كتابي (أي ما نسبته 88.88%) وقطاع التربية الوطنية بجوابه على 1563 من أصل 1850 سؤال كتابي (أي ما نسبته 84.48%) وقطاع الصناعة بحوابه 224 من أصل 280 سؤال كتابي (أي ما نسبته 80 %).
ومن منحى عكسي نسجل تفاعل أدنى لخمسة قطاعات اكتفت بأقل من 55% كقطاع إعداد التراب بجوابه على 245 من أصل 482 سؤال كتابي (أي ما نسبته.50.82%) وقطاع التضامن بجوابه على 194 من أصل 428 سؤال كتابي (أي ما نسبته 45.32%) وقطاع الاستثمار بجوابه على 54 من أصل 107 سؤال كتابي (أي ما نسبته 50.46%) وقطاع الانتقال الرقمي بحوابه على 188 من أصل 391 سؤال كتابي (أي ما نسبته 48.08 ). فيما تراوح مستوى جواب القطاعات الحكومية الثمانية الأخرى مابين 55 %و70%.
-أما بشأن توزيع رصيد الأسئلة المتبقية للجواب فيمكن بسطه كما يلي:
- 4 قطاعات حكومية تجاوز رصيد الأسئلة الكتابية المتبقية لكل قطاع منها 400 سؤال كتابي وهي: الداخلية (649)، التجهيز (611)، الصحة (459)، الفلاحة (487).
- 11 قطاع حكومي لديه ما بين 150 و 300 سؤال كتابي بدون جواب وهي: العدل (164)،المالية (209)، التربية (287)، إعداد التراب (237)،الشغل(289)، السياحة (178)، التعليم العالي (273)،الانتقال الطاقي(213)، الشباب(238)، التضامن (234) الانتقال الرقمي (203).
- أما باقي القطاعات الأخرى فإن رصيدها أقل من الأرقام المذكورة ومن أمثلتها: الخارجية (48)، الأوقاف (75)، الصناعة (56)، النقل (129) ، العلاقات (81)، الاستثمار (53).
د- طلبات عقد اجتماعات اللجان الدائمة:
ومن جهة أخرى عرفت هذه السنة دراسة عدة مواضيع رقابية راهنة على مستوى اللجان الدائمة بحضور ومشاركة الوزراء ومدراء مؤسسات عمومية معنية، مع ملاحظة تفوق كبير جدا من حيث عدد الطلبات المقدمة والمبرمجة في مجلس النواب مقارنة مع مجلس المستشارين الذي أبان شح المبادرة الرقابية للجانه.
ومن بين أهم المؤشرات الرقمية المستخلصة والمواضيع التي تفاعلت معها الحكومة باللجان الرقابية :
- أزيد من 25 موضوع بقطاع الفلاحة، كتزويد الأسواق باللحوم الحمراء ونتائج الدعم للتخفيف من آثار الجفاف ووضعية الغابات ومعالجة آثار الحرائق، وأزيد من 22 موضوعا يهم النقل كبرامج السكك الحديدية ومشاكل النقل الدولي والبحري وتقييم أثر دعم مهنيي النقل على الأسعار؛
- 13 موضوع يهم الصناعة التقليدية والسياحة كتقييم برنامجي فرصة وإقلاع و8 مواضيع تخص الصناعة والتجارة كآفاق التصنيع وحصيلة التبادل التجاري وتطوير قطاع النسيج وكذا 7 مواضيع في مجال الطاقة كسير عمل منجم بوكراع وتدبير النفايات؛
- 9 مواضيع لقطاع الشباب والثقافة تشمل وضعية الإعلام و دعم المهرجانات والفنانين، و6 مواضيع همت التعليم العالي كالدخول الجامعي ومنح الطلبة و3 أخرى بشأن منظومة التربية وتجربة الأكاديميات ؛
- 4 مواضيع تهم العدل بشأن رد الفعل على مبارة المحاماة الأولى وموضوعين في المالية بشأن ارتفاع الأسعار وعمل الحكومة للحد منها ومسار ورش تعميم التغطية الصحية الإجبارية.
ومن جهة أخرى خصصت لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النوب عدة اجتماعات لموضوع مراقبة تسير وكالة إنعاش التشغيل في إطار دراستها لتقارير موضوعاتية للمجلس الأعلى للحسابات، حيث استكملت في نهاية الدورة بلورة توصياتها وأبدت الوزارة الوصية موقفا إيجابيا منها.
كما تدارست عرض للوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان حول “تدبير الإعانات الممنوحة للجمعيات من قبل القطاعات الوزارية”، وهو موضوع مندرج ضمن تقرير المجلس الأعلى للحسابات وخلصت إلى صياغة توصياتها العشرة التي قبلها ممثل الحكومة باستثناء توصية واحدة لعلة عدم الاختصاص، مع استكمال دراستها لتقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة وبلورة التوصيات قبل رفع التقرير لمكتب المجلس.
وارتباطا بذلك خصصت بعض اللجان لقاءات لمناقشة تقارير وأراء للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ك: “اقتصاد الرياضة: خزان للنمو وفرض الشغل ينبغي تثمينه” و ” تمتين الرابط الجيلي مع مغاربة العالم الفرص والتحديات “.
ه- الجلسة السنوية لتقييم السياسات العمومية ومناقشة تقارير مؤسسات وهيئات دستورية:
وتطبيقا لأحكام الفصل 101 من الدستور، عقد مجلس النواب جلسته السنوية لمناقشة وتقييم موضوع السياسة المائية بحضور وزير التجهيز “الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة” بحضور وزيرة الانتقال الرقمي.
أما مجلس المستشارين فخصصها لموضوع “التعليم والتكوين ورهانات الإصلاح” بحضور الوزراء المعنيين بالأوقاف والتربية والتشغيل والتعليم العالي. مع إضافة جلسة عامة أخرى صبيحة اختتام الدورة لمناقشة تقرير المجموعة الموضوعاتية حول “البرامج المندمجة الموجهة للأشخاص في وضعية إعاقة” بمساهمة الوزراء المعنيين بالتضامن والتشغيل والتعليم العالي.
وإذ نسجل ارتفاعا مهولا في عدد التوصيات المنبثة عن الجلسة السنوية تجاوز 80 توصية بشأن كل موضوع فإننا نثير ضرورة إضفاء مزيد من العقلنة واعتماد مقاربات علمية حديثة في تقييم السياسات العمومية لرسم مكمن الخلل بدقة واقتراح توجه استراتيجي واضح وناجع لمعالجتها دون إطناب وتعويم. كما نثير من جهة أخرى المسؤولية المشتركة للبرلمان والحكومة وللقوى المضادة في السهر على تفعيلها حتى لا تصنف ضمن تقارير الرفوف لا أقل ولا أكثر.
وطبقا لأحكام الفصل 148 من الدستور، عقد البرلمان بمجلسيه جلسة مشتركة خصصت لتقديم عرض السيدة الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات حول أعمال المجلس برسم سنة 2021، تمت مناقشته في كل مجلس بحضور الحكومة.
وعلاقة بتفعيل أحكام الدستور والمقتضيات القانونية التي تلزم بتقديم تقارير أعمال مؤسسات وهيئات الحكامة والتقنين مرة واحدة في السنة على الأقل، ناقش مجلس النواب في جلسة عامة تقرير لجنته المعنية حول التقرير السنوي لأنشطة الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء بحضور وزيرة الانتقال الطاقي، والذي خلص إلى بلورة 9 توصيات من أهمها توسيع مهام الهيأة لتشمل قطاع المحروقات وتشجيع الولوج الخاص لعملية إنتاج وبيع الطاقة.
وبغض النظر عن المؤسسات والهيئات التي لم تشكل بعد، فقد ضاعت فرصة سنوية نوعية أخرى لمناقشة أعمال هيئات قائمة وتقييم السياسات العمومية بناء عليها في قضايا ترتبط بتدخلاتها التي تعني التدبير الحكومي، وتقتضي أن تكون موضوع مناقشة برلمانية عمومية، وبمشاركة حكومية تبنى على تحديد موضوعاتي مسبق من المجلسين، كأعمال المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلس المنافسة والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والهيأة العليا للاتصال والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ، مع تقدم ميز مناقشة تقرير هذه الأخيرة بلجنة مراقبة المالية العامة دون استكمال مسطرة اعتماد تقريرها وعرضه بجلسة عامة قبل نهاية الدورة.
و- المهام الاستطلاعية ولجان تقصي الحقائق
ومن جهة أخرى، عرفت السنة استكمال تنفيذ مهمة استطلاعية للنواب حول مصب نهر أم الربيع بمناقشة تقريرها في جلسة عامة بحضور وزير التجهيز والماء ترتب عنها 11 توصية أبرزها إحداث وكالة عمومية، مع تسجيل تعذر إتمام مسطرة عرض ومناقشة تقارير ثلاثة مهام استطلاعية في الجلسة العامة لتنوير الرأي العام، رغم كونها منجزة ومرت سنة كاملة على تشكيلها، وتهم معابر الحدود وتنظيم عملية مرحبا والمخيمات وتسويق المنتجات الفلاحية. مع ملاحظة تقدم ملموس في أشغال مهمة استطلاعية أخرى أنجزت حول الإقامة بالأحياء الجامعية في السنة التي شكلت فيها (2023) حيث أعدت تقريرها الأولي في نهاية الدورة، فضلا عن المبادرة لإطلاق مهمتين جديدتين بشأن “مقالع الرمال والرخام” (ماي) و”الشركة الوطنية للطرق السيارة” (يوليوز). في مقابل غياب أي مبادرة منذ بداية هذه الولاية التشريعية لتشكيل لجان نيابية لتقصي الحقائق. بما يتيح معرفة حقيقية لبعض النوازل وخبايا التدبير العمومي التي تحجبها محدودية النجاعة الرقابية للمهام الاستطلاعية وباقي الأليات الرقابية التقليدية الاعتيادية. ثالثا: على مستوى الأداء الديبلوماسي
وبخصوص الديبلوماسية البرلمانية، تميزت السنة التشريعية بدينامية برلمانية مكثفة كما ونوعا ومعززة لعلاقات الانفتاح الخارجي الوطني وفق البوصلة المحددة لمسارات السياسة الخارجية التي يقودها جلالة الملك للدفاع عن السيادة والوحدة الترابية والترويج للنموذج المغربي وتقوية فرص التعاون والتنمية الاقتصادية.
وفي هذا الصدد شارك البرلمان في عدة مؤتمرات وأنشطة لمنظمات برلمانية إقليمية وقارية ودولية، ومن بينها فعاليات ذات بعد إفريقي كأشغال مؤتمر الإتحاد البرلماني الإفريقي وبرلمان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيدياو) وأشرف على تنظيم ندوة لرؤساء لجان الخارجية بالبرلمانات الإفريقية حول موضوع ”التعاون البرلماني الافريقي في ظل التحديات الراهنة”، التي صدر عنها “إعلان الرباط” وشدد على التكامل الإفريقي لمجابهة تحديات السلم والأمن الغذائي والتزام البرلمانات بسيادة دولها ووحدتها الترابية.
وإضافة إلى ذلك انخرط في فعاليات ذات بعد عالمي كلقاءات مجلس حقوق الإنسان في إطار الجولة الرابعة من آلية الاستعراض الدوري الشامل والاجتماع البرلماني المنعقد في إطار نؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 27)، وكذا مبادرته بتعاون مع الاتحاد البرلماني الدولي لتنظيم مؤتمر برلماني حول الحوار بين الأديان، أنتج بلاغ مراكش لتأكيد استثمار التعاون مع المجموعات الدينية ورموزها لترسيخ العدالة والتعايش السلمي . فضلا عن مساهمته في أشغال اللجنة التنفيذية لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي صدر عنها إعلان أبيدجان مستنكرا تكرار الاعتداء على المصحف الشريف.
ودون إغفال تنويع أنشطته الديبلوماسية ذات البعد الأوربي والأسيوي والعربي والثنائي كمشاركته في أشغال الدورة السنوية للجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا والجمعية البرلمانية لمنظمة التعاون الاقتصادي لدول البحر الأسود، بتركيا واستقبال وفود برلمانية من عدة دول كالسويد وسويسرا ومصر.
وعلاقة بهذا المجال الحيوي سجلت هذه السنة خصوصية بروز رد قوي أبان عنه البرلمان في موجهته وإدانته الشديدة للاتجاه المعادي للسيادة الوطنية الذي انفضح بتصويت رموزه بالبرلمان الأوربي على قراره بمُسمّى “احترام حرية التعبير والرأي بالمغرب”، حيث عقد لأجل ذلك جلسة عمومية مشتركة متبوعة ببيان موقف وطني متناغم مع الموقف الرسمي والشعبي الذي يرفض تدخل الأجنبي في شؤون المغرب ومحاولات بئيسة للنيل من حقيقة رسوخ تعدديته وتنوع مشهده الفكري والإعلامي.
وإذ نسجل من جهة، ارتفاع وتيرة الأداء الديبلوماسي للبرلمان، رغم فتور نسبي في محور العلاقة بالاتحاد الأوربي، وتنوع مجموعات الصداقة البرلمانية التي يتجاوز عددها 140 والشعب الوطنية بالمنظمات البرلمانية، فإننا لا نحجب من زاوية أخرى لفت النظر لضرورة تقوية قدرات البناء العقلاني والعلمي للديبلوماسية البرلمانية ورسم أولويات محاورها والتحضير الجيد لمختلف أنشطتها وإعداد تقارير غير سطحية لمواكبتها وبيان فحواها ونواتجها مع تثمينها وتقييم جدواها وأثرها، لأن الديبلوماسية في كل الأحول خبرة وفن وتواصل وتأثير مما يجعلها مختبر دائم لنجاعة وكفاءات النخب البرلمانية
وصفوة القول، فإن المؤشرات الكمية والنوعية لحصيلة السنة التشريعية إلى غاية اختتام دورتها الثانية تثري تراكم الجهد الحكومي والبرلماني المبذول في مسار ترسيخ البناء المؤسساتي والتنموي لبلادنا وتثير من وجهة نظر زوايا هزال أداء نخب وتراجع حيوية وجاذبية النقاش والتفاعل بالبرلمان وغلبة رتابة سياسية برلمانية واستمرارية تفضيل مبادرات برلمانية تقليدية وفتور نجاعة وعمق المسائلة والجواب والتعقيب وكثرة التكرار والتمرير وشح تفعيل آليات ناجعة ومحرجة لمكامن ضعف واختلال في مجالات التدبير العمومي.
والحال من زاوية العمق أن واقع زوايا من قصور التجاوب الملموس مع قضايا مؤرقة وإبداع حلول ذات أثر ممانع لتوجه نكوص الثقة في مؤسسات تفرض مضاعفة وتجويد الإنتاج التشريعي والرقابي والتقييمي لاستدراك ما فات ومجابهة ما هو آت، لأن عبرة الأساس تكمن في إثبات الجدوى وتجسيد التفاعل المثمر.
المصدر: وكالات