بعد تجربة “المحاكمة عن بعد”، التي خاضها المغرب لأول مرة في فترة جائحة كورونا، ووازتها ردود فعل متباينة، تتجه المملكة إلى تكريس رقمنة منظومة العدالة، حيث تم إدماج التقاضي الإلكتروني ورقمنة الإجراءات القضائية المدنية ضمن مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، الذي صادقت عليه الحكومة في اجتماعها الأسبوعي يوم الخميس الماضي.
وبموجب المقتضيات الجديدة التي جاء بها مشروع قانون المسطرة المدنية ستتخلص الإجراءات القضائية بمحاكم المملكة من “طابعها التقليدي”، إذ سيتم إدماج وسائل التواصل الإلكتروني في الإجراءات القضائية المدنية، وتوظيف التبادل الإلكتروني للمعطيات في تعامل المحاكم مع المحامين والخبراء والمفوضين القضائيين والأطراف المعنية.
علاوة على ذلك، سيتم إحداث منصة إلكترونية رسمية للتقاضي عن بعد، واعتماد الحساب الإلكتروني والعنوان الإلكتروني والتوقيع الرقمي، حسب الحالة؛ بالإضافة إلى استخدام الوسائل الإلكترونية في عمليات البيع بالمزاد العلني وإجراءات التبليغ والإشهار.
إشكال آخر من الإشكالات التي تواجه منظومة العدالة، ويتعلق بالتبليغ، جاء مشروع المسطرة المدنية الجديدة بحل له، يتمثل في اعتماد المعلومات المتوفرة بقاعدة المعطيات المتعلقة بالبطاقة الوطنية للتعريف، وذلك في إطار التنسيق مع المديرية العامة للأمن الوطني.
وهكذا، ففي حال تعذّر تبليغ المدّعى عليه بالاستدعاء الموجه إليه من طرف المحكمة عن طريق العنوان الوارد بالاستدعاء، أو إذا كان قد انتقل من عنوانه السابق، سيتم اعتماد العنوان الوارد في البطاقة الوطنية للتعريف الإلكتروني، باعتباره هو المعتمد في جميع الإجراءات القضائية. وسيكون على المدعى عليه أن يتحمل مسؤوليته في ما يخص التوصل بالاستدعاء.
وتم اعتماد تبليغ الاستدعاء بواسطة المفوض القضائي بسعي من الطرف المعني، مع إمكانية التبليغ بواسطة أحد موظفي كتابة الضبط أو بالطريقة الإدارية أو عن طريق البريد المضمون، أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ متى تعذر التبليغ بواسطة المفوض القضائي.
وفي حال حكم القاضي على المدعى عليه دون أن تكون له الحجة على أنه توصل بالاستدعاء طبقا للقانون فيمكن للطرف المتضرر من الحكم الصادر ابتدائيا ونهائيا طلب إلغائه أمام رئيس المحكمة الابتدائية المختص، داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغه بالحكم.
وحصر مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد وقت تبليغ المدّعى عليه بين الساعة السابعة صباحا والعاشرة ليلا، إلا في حالة الاستثناء، حيث نصت المادة 82 منه على أنه “لا يجوز تبليغ أي استدعاء قضائي قبل الساعة السابعة صباحا وبعد الساعة العاشرة ليلا إلا في حالات الضرورة وبناء على إذن مكتوب ومعلل من طرف رئيس المحكمة أو من ينوب عنه، أو من طرف رئيس الهيئة أو القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية، أو من طرف قاضي التنفيذ”.
ووضع المغرب قانون المسطرة المدنية منذ سنة 1913، أي بعد عام واحد على خضوع المملكة للحماية، وفي عام 1965 تم إخضاعه لأولى التغييرات، انطلقت بالتعريب والتوحيد والمغربة، قبل أن يخضع لإصلاحين في 1974 و2011، ثم تعديلات سنتي 2019 و2021، قصد ملاءمته مع مقتضيات الدستور الحالي.
ويرمي مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، كما جاء في تقديمه، إلى سدّ الفراغات التي أفرزها الواقع، ومنها الدور السلبي للقاضي المدني في الإشراف على إجراءات التقاضي، وتنظيم الاختلالات التي أبانت عنها الممارسة القضائية، من تعقيد للإجراءات، وبطء في المساطر، سواء على مستوى تبليغ أو تنفيذ الإجراءات أو المقررات القضائية، ومواكبة التطور التشريعي الدولي.
وطوّر مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد مفهوم استقلالية القضاء، فعلاوة على مبدأ “يمارس القضاة مهامهم باستقلال وتجرد ونزاهة واستقامة ضمانا لمساواة الجميع”، المنصوص عليه في المادة 35 من قانون التنظيم القضائي، أضاف المشروع المذكور أن استقلالية القضاة تكون إزاء الجميع “أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية”.
المصدر: وكالات