الساعة تشير إلى الحادية عشر صباحا؛ إقبال ضعيف من طرف المتبرعين عاينته هسبريس في ملحق المركز الوطني لتحاقن ومبحث الدم بالمركز الاستشفائي مولاي يوسف بالرباط في هذا اليوم 14 يونيو الذي يتزامن مع اليوم العالمي للمتبرعين بالدم، الذي اختارت له الأمم المتحدة هذه السنة شعار “تبرع بالدم، تبرع بالبلازما، شارك الحياة، شارك كثيرا”.
وفي الوقت الذي يؤكد المركز الوطني لتحاقن ومبحث الدم حاجة المملكة إلى أكثر من 1000 تبرع يوميا، يبدو أن ثقافة المغاربة بالتبرع بدمهم مازالت تقف أمامها مجموعة من العوائق الناتجة أساسا عن غياب الوعي بأهميته في إنقاذ حياة من هم في أمس الحاجة إلى هذه المادة الحيوية التي لا مصدر لها إلا الإنسان، إضافة إلى اقتران هذا الفعل الإنساني في ذهن كثير من المغاربة بفعل “تجاري مواز”، تلخصه عبارات يتداولها بعضهم من قبيل “علاش غنتبرع ونهار نحتاج أنا الدم يقولو لي خلص”.
بنوك الدم ليست تجارية
الدكتورة جميلة الكوردو، مديرة المركز الجهوي لتحاقن الدم بالرباط، شددت على أن “بنوك الدم بالمغرب ليست مؤسسات تجارية تسعى إلى جني الأرباح وفق ما يتمثل لكثيرين، وإنما هي مؤسسات هدفها إنساني محض، يتجلى في إنقاذ الأرواح وضمان استمرارية الحياة”.
وحول المبالغ التي يتم تحصيلها من المستفيدين من أكياس الدم، أوضحت الكوردو، في حديثها مع هسبريس، أن “تحصيل مقابل على تسليم الدم والبلازما وخثارات الكريات الحمراء وخثارات الصفيحات، منصوص عليه في القانون رقم 03.94 الذي ينظم عملية التبرع بالدم البشري وأخذه واستخدامه”.
وأضافت أن “المستفيد لا يؤدي مبلغا مقابل الدم في حد ذاته، وإنما لتغطية المصاريف المرتبطة بهذه العملية، على غرار التحليلات المخبرية والأكياس المعقمة ذات الاستعمال الوحيد ومصاريف التخزين والتجزئة والمطبوعات، كما أن هذه المبالغ يعفى منها بعض المستفيدون أو يستدرونها في إطار التغطية الصحية”.
وشبهت المتحدثة ذاتها الدم بالماء الصالح للشرب، قائلة: “مثلما ندفع للحصول على الماء الشروب رغم كونه موردا طبيعيا، فكذلك الأمر بالنسبة للدم. وبالتالي، فنحن لا نؤدي ثمنا من أجل المورد نفسه، وإنما كمساهمة في المصاريف المرتبطة بمعالجته”.
دماؤهم ملك للآخرين
مع متبرع تجري دماؤه في عروق أشخاص آخرين، كان لهسبريس لقاء صرّح فيه بأنه “دأب على التبرع بدمه منذ أكثر عقد من الزمن”، قالها وعبارات الفخر والاعتزاز بادية على محياه، قبل أن يضيف أن “التبرع بالدم واجب ديني ووطني، فمن يدري قد يحتاجه عسكري يحمي حدودنا أو معلم يدرس أبناءنا، فلماذا نبخل عنهم بقطرات من دمائنا؟”.
وعلى سرير من بين مجموعة أسرة مخصصة للمتبرعين بالملحق سالف الذكر، استلقى شاب يُقدر أن يكون في منتصف العشرينيات من عمره، جاء هو الآخر ليلبي “نداء الواجب الاجتماعي والإنساني الذي يجب على كل شخص أن ينخرط فيه عن طيب خاطر”.
متبرعة أخرى التقينا بها خلال جولتنا بمحيط المكان، أكدت أنها استغلت فرصة مرافقتها إحدى قريباتها إلى مستشفى مولاي يوسف، وفي انتظار دورهما، ارتأت التبرع بالدم “عسى الله أن يتقبل منا هذا العمل ويجعله في ميزان حسناتنا”.
ما هي فوائد التبرع بالدم؟
سؤال توجهت به هسبريس إلى عبد الكريم كيلاني، طبيب بالمركز الجهوي لتحاقن الدم التابع لوزارة الصحة بالرباط، الذي أجاب بأن “التبرع بالدم يساعد في الوقاية من أمراض القلب والشرايين، كما أثبتت دراسة علمية أمريكية أجريت على المتبرعين المنتظمين الذين يتبرعون بالدم مرتين على الأقل في السنة أنهم أقل عرضة للإصابة بالجلطات الدماغية”.
وعن الحالات التي تحتاج التبرع بالدم، ذكر المتحدث عينه “الأشخاص الذين يعانون من سرطان في الدم ويحتاجون معه إلى مشتقات هذه المادة، والأشخاص الذين يعانون من نزيف أو تعرضوا لحرائق فقدوا على إثرها كميات مهمة من الدم”.
أما الأمراض التي تحول دون التبرع بهذه المادة الحيوية، فهي “الأمراض التي تصيب المناعة، وتلك المتنقلة بالدم، والأمراض التعفنية، وغيرها”، يقول الدكتور كيلاني، مشيرا في هذا الصدد إلى أن “هناك أمورا أخرى قد تؤجل فقط التبرع لكنها لا تمنعه نهائيا، كالحجامة مثلا”.
أي دور للمجتمع المدني؟
قبل أن نغادر ملحق المركز الوطني لتحاقن ومبحث الدم بالمركز الاستشفائي مولاي يوسف، أكدت لنا الدكتورة جميلة الكوردو، مديرة المركز الجهوي لتحاقن الدم بالرباط، أن “التبرع بالدم مسؤولية الجميع، بما في ذلك المراكز الجهوية والمركز الوطني، ومسؤولية المجتمع المدني أيضا، الذي يستقطب متبرعين جددا ويجعلهم أوفياء لهذا العمل الإنساني النبيل”.
واتصلت هسبريس بعبد الرزاق هواش، رئيس الرابطة المغربية لجمعيات المتبرعين بالدم، الذي شدد بدوره على “الدور الوظيفي لجمعيات المجتمع المدني في الوساطة بين المتبرع والمستفيد من خلال عمليات التحسيس والتوعية”، قائلا: “بدون انخراط المجتمع المدني، يصعب توفير المخزون الآني من الدم على الصعيد الوطني، وبشهادة وزارة الصحة نفسها”.
وتابع أن “الرابطة المغربية لجمعيات المتبرعين بالدم تضم حاليا 14 جمعية على مستوى أغلب جهات المملكة، تقوم بمجهودات جبارة ودور هام في نشر ثقافة التبرع بالدم، إضافة إلى جمعيات خارج الرابطة تعمل هي الأخرى على استقطاب المتبرعين، وبالتالي ضمان استمرارية توفير أكياس الدم لكل من قد يحتاج إليها”.
المصدر: وكالات