تواصل الفيضانات والانهيارات الأرضية التي اجتاحت أجزاء من آسيا حصد الأرواح، حيث تجاوز عدد الضحايا في الأسابيع الأخيرة 1350 شخصًا في كل من إندونيسيا وسريلانكا وتايلاند وفيتنام، مع استمرار فقدان المئات وتشريد ملايين السكان، وفق ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
الفيضانات الموسمية ليست ظاهرة جديدة في هذه المناطق، لكنها هذا العام كانت أشدّ عنفًا، نتيجة عاصفتين مداريتين قويتين هما إعصار “ديتواه” و”سنيار”، واللتان غمرتا بلدات بأكملها وتسببتا في انهيار خدمات الطوارئ.
في سريلانكا، تسببت العاصفة “ديتواه” في شلل شبه تام، حيث أُغلقت الدوائر الحكومية وتوقفت حركة القطارات، ووصفتها السلطات بأنها الكارثة الطبيعية الأكبر في تاريخ البلاد الحديث. أما في إندونيسيا، فقد تجاوز عدد الضحايا 700 شخص، في وقت لا تزال فيه بعض المناطق معزولة تمامًا، ما اضطر فرق الإنقاذ إلى استخدام الإسقاط الجوي لإيصال المساعدات.
الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو ربط هذه الكوارث بتغير المناخ، داعيًا إلى استعدادات أكثر جدية لما وصفه بـ”واقع جديد مناخيًا”. وقال: “علينا مواجهة التغير المناخي بفعالية. الحكومات المحلية يجب أن تؤدي دورًا أكبر في حماية البيئة والتأهب للأحوال الجوية القاسية التي ستتكرر بفعل تغير المناخ”.
في ظل تفاقم الاحترار العالمي، أصبحت مواسم الأمطار الموسمية في آسيا أكثر تطرّفًا وتقلّبًا. فبينما شهدت كوريا واليابان هذا العام مواسم مطيرة أقصر من المعتاد، ضربت باكستان فيضانات مفاجئة خلفت دمارًا واسعًا. ويشير خبراء إلى أن وتيرة الهطول أصبحت أسرع وأشد، ما يقلّص هامش الاستجابة لدى السكان.
تشير تقديرات “معهد غرانثام” التابع لكلية “إمبريال كوليدج لندن” إلى أن الاحترار الناتج عن النشاط البشري زاد من الأضرار الاقتصادية التي خلفها إعصار “فونغ-وونغ” في الفلبين بنسبة 42%. كما كانت الفيضانات العام الماضي أكثر الظواهر المناخية فتكًا في إفريقيا، فيما تُقدّر الخسائر الاقتصادية السنوية الناجمة عنها بأكثر من 388 مليار دولار، بحسب الأمم المتحدة.
ورغم تزايد جهود الاستعداد، ارتفع عدد الكوارث المرتبطة بالفيضانات بنسبة 134% منذ عام 2000 مقارنة بالعقدين السابقين، ما يثير مخاوف متزايدة حول جاهزية العالم لمواجهة السيناريوهات الأسوأ.
لا تقتصر التأثيرات على الدول النامية، رغم أنها الأكثر تضررًا بسبب ضعف البنية التحتية وقلة الموارد. ففي أكتوبر الماضي، تسبّب إعصار “ميليسا” بأضرار واسعة في جامايكا، كما أغرقت بقايا إعصار “هيلين” مدينة آشفيل في ولاية كارولاينا الشمالية الأمريكية، قبل أن تشهد مدينة فالنسيا الإسبانية فيضانات مفاجئة هي الأخرى.
مدينة نيويورك لم تكن بمنأى عن الخطر، حيث شهدت أمطارًا غزيرة وفيضانات قاتلة هذا العام، ما سلط الضوء على ضعف البنية التحتية في وجه “العاصفة الكبرى” المتوقعة. وفي سيناريو كارثي محتمل، قد يُغمر نحو 25% من المدينة بمياه الفيضانات إذا تزامنت الأمطار الغزيرة مع المد العالي والرياح القوية. من بين هذه المناطق: “يانكي ستاديوم” و”ماديسون سكوير غاردن”، فيما يمكن أن تُغرق المياه طريق “كروس برونكس إكسبريسواي” بعمق قد يصل إلى 14 مترًا.
ورغم وجود خطط ضخمة لحماية المدينة من العواصف، إلا أن تنفيذها لا يزال بعيد المنال ويواجه تحديات مالية وإدارية جسيمة، حتى في واحدة من أغنى مدن العالم.
ويشير خبراء إلى أن الحل لا يكمن فقط في إعادة بناء الطرق أو ترحيل الأحياء، بل في مقاربة شاملة بحجم تعبئة الحرب العالمية الثانية، كما يقول ثاديوس باولوسكي، أستاذ التصميم الحضري بجامعة كولومبيا: “نحن في ورطة”.
هذه التهديدات المناخية تأتي في وقت تواجه فيه جهود الاستجابة انتكاسات سياسية، خاصة داخل الولايات المتحدة، حيث أعلنت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عن تراجعها في قرار إعادة 14 موظفًا في وكالة الطوارئ الفيدرالية (FEMA)، كانوا قد أوقفوا بعدما حذروا من تقليص قدرات الوكالة على الاستجابة للكوارث.
وسط هذا المشهد، تتوالى التحذيرات من باحثين وخبراء بأن الخطاب المناخي يتعرض لهجمة منظمة، خاصة من قبل جهات سياسية تميل إلى إنكار أزمة المناخ أو التقليل من شأنها، ما يعقّد من مهمة التوعية وحشد الدعم للإجراءات الضرورية.
في هذه الأثناء، بدأت بعض الشركات، مثل “زيلو” للعقارات، بالتراجع عن مبادرات الشفافية المناخية، حيث أزالت مؤخرًا مؤشرات الخطر المناخي من قوائم المنازل المعروضة للبيع، استجابة لضغوط من سماسرة وأصحاب عقارات رأوا في ذلك عائقًا أمام المبيعات.
المصدر: وكالات
