وضع “مأساوي وعبثيّ”، وفق توصيفات عدّة متتبعين، صارت تشهده المدرسة العمومية المغربية أمام استمرار الاحتقان حتى الآن رغم مرور كل هذه الأسابيع، التي ضاعت فيها عشرات السّاعات من زمن التعلم بسبب مواصلة “شد الحبل” بين وزارة التربية الوطنية و”التنسيق الوطني لقطاع التعليم”؛ الأمر الذي دفع إلى استثمار العطلة البينيّة الأخيرة في الدّعم، ويتمّ التّفكير حاليّا في سيناريوهات جديدة، من قبيل “التّصرف في العطل البينيّة وتمديد السنة الدّراسية”.
وضمن التصور الذي تؤمن به الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ لهذا الموضوع قال الرئيس نور الدين عكوري إن “الإعلان عن إضرابات جديدة هذا الأسبوع، ووصول التّصعيد إلى هذا المنحى، لا يجعل تمديد الموسم الدّراسي سيناريو فقط، بل حاجة أساسية أمام الزّمن الدراسي الذي تم هدره”، مؤكدا أن “الأساتذة المضربين عليهم أن يتحمّلوا مسؤوليتهم بعدما اتضح أنهم يرهنون مصير ملايين التّلاميذ في مختلف ربوع المملكة”.
وأوضح عكوري، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “الجميع كان يناصر المطالب المشروعة للأساتذة، لكن هناك تراتبية في الحقوق، والمصلحة الفضلى للتلاميذ، وحقوقهم أسمى من أي اعتبار”، بيد أنه تابع بأن “الاقتطاعات لم تعد كافية أمام هذا التسلط الذي صار يغامر بالنظام التعليمي بكامله”، وزاد: “الأساتذة يقولون إنهم يدافعون عن المدرسة العموميّة، لكن المدرسة الخصوصية الآن هي التي تنتصر أمام تراجع العرض التعليمي العمومي”.
وأردف رئيس الفيدرالية سالفة الذكر بأن “على الوزارة أن تفكر في تفعيل قانون الوظيفة في حق من تخلف عن العمل ولم يسمح باستمرار المرفق العام”، مستطردا: “النّداء كان هو العودة إلى طاولة الحوار، لكن حين عادت الوزارة صارت التنسيقيات ترفض المخرجات، وبالتالي تواصل إنهاك مسار المتعلمين”، وزاد أن “على الوزارة تحمل المسؤولية واتخاذ الإجراءات القانونيّة في حقّ من تخلفوا عن العمل منذ بداية الموسم الدراسي، من قبيل الإيقاف عن العمل وحتى العزل النّهائي”.
وأضاف المتحدث عينه: “اليوم صرنا على أعتاب سنة بيضاء، لاسيما في هذه الفترة، وبالتالي يجب جر الموسم الدراسي إلى برّ الأمان لإتمام أهم ما يوجد في المقرر، خصوصا بالنّسبة للذين لديهم امتحانات إشهاديّة، لأن هذا مصير المدرسة العمومية، وبالتالي مصير بلد بكامله”، وتابع: “هذا الوضع الذي مازال يخبرنا بالمزيد من الإضرابات على ما يبدو هو إشكال بنيوي لا بد أن نتعامل معه بسرعة، وعلى الحكومة أن تخرج بتوضيحات عاجلة لمصير التلاميذ”.
ويبدو أن تصريحات العكوري التي “لا تحصل على أي إجماع”، لن تكون على الأرجح خبرا سارا في أوساط التّنسيق الوطني الذي يتمسك بالتصعيد لتحقيق المزيد من المكاسب التي يعتبرها حقا مشروعا لكنه ومهضوم؛ ويبقى حقه في الرّد مكفولا. بيد أن فاعلين في القطاع التربوي اعتبروا أن غياب التناغم والتكامل سواء بين جمعيات الآباء والنقابات التمثيلية أو بين الأخيرة والتنسيقيات الفئوية، هو إيضاح لصعوبة إيجاد مخاطب لإنهاء هذا “الخلل العميق” الذي أضرّ بالمدرسة العمومية.
من جهته، قال لحسن مادي، الأكاديمي والخبير التربوي، إن “إضرابات الأساتذة ليست من أجل الإضراب”، مؤكدا أن “رجال ونساء التعليم يتميزون بحس وطني عال يجعلهم مؤمنين دائما بأهمية المدرسة العمومية”، وموضّحا أن “التّعويل على هذه الرّوح الوطنية ضرورة أساسية في هذه المرحلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الموسم الدراسي، الذي أصبح مخيفا بوضعه الحالي، والمخاوف المتواصلة على الزمن الدراسي”.
وعبر مادي عن تعاطفه مع رجال ونساء التعليم، مواصلا: “علينا أن نعتمد على الأساتذة من أجل تنزيل سيناريو تمديد العطلة الدّراسية بشكل يجعلنا نستثمر شهري يونيو ويوليوز، وتأجيل امتحانات الباكالوريا إلى غاية انتهاء فترة التّمديد”، مؤكداً أن “التنسيق الذي ستقُوم به وزارة التربية الوطنية مع وزارة التعليم العالي والفاعلين الآخرين بخصوص تأجيل تواريخ المباريات إلى وقت لاحق لن يكلف الكثير من الوقت، لكون جميع المؤسسات اليوم تراهن على إنقاذ الموسم الدراسي”.
إلى ذلك، سجل الخبير التربوي أن “ربح الوقت أولوية في الوقت الحالي”، مردفا: “قمنا بهذه الخطوة في فترة الجائحة، بمعنى أن هناك أرضية، والأساتذة بدورهم منخرطون في حماية المدرسة العمومية وليس العكس”، مشددا على أن “الحوار يمكنه أن يكون سببا في إنهاء هذا الاحتقان وإعادة الثقة بين الفاعلين لأجل الخروج بنتائج في صالح أبنائنا التلاميذ وبناتنا التلميذات، تساعد في استدراك الحصص الدراسية الضائعة”.
المصدر: وكالات
