لم تكن الجهود التي أعلن عنها محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، الثلاثاء، بخصوص تأهيل الأمازيغية كورش يحظى بعناية خاصة من طرف الحكومة ويندرج ضمن أولويات عملها، “كافية” بالنسبة للحركة الأمازيغيّة المغربية، التي أعلنت فعاليات ناشطة تحت لوائها أن “ما تحدث عنه الوزير مرتبط بمشكلة قديمة”، تتعلق بـ”صندوق تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرّقمي واستعمال الأمازيغيّة”، وهو الصندوق الذي طالبت الفعاليات عينها بأن “يخصص نظير له خاص للأمازيغية بشكل حصري”.
ورغم أن الحكاية لا تقصد وزير الثقافة ولا تشكل ردا على تصريحاته، إلا أن الفعاليات الأمازيغية مازالت تتمسك بكون هذا الصندوق، الذي “سيساهم في تمويل مجموعة من الأوراش”، يحتاج نوعاً من إعادة النظر بشكل يقتضي أن يعلن بشكل صريح عن مخططاته لتمكين الفاعلين والمتتبعين المعنيين بهذه المسألة من إجراء عملية تقييم موضوعي لعمله، ومعرفة مدى الحرص الحاضر لتثمين حضور اللغة والثقافة الأمازيغيتين في القطاعات الرسمية وغيرها”.
“صندوق خاص”
يوسف لعرج، رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة “أزطا أمازيغ”، قال إن “من بين أبرز انتظارات الحركة الأمازيغية المغربية، توفير صندوق خاص وحصري بالأمازيغية، يفك الارتباط مع التداخل الحاصل حاليا في تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرقمي، لأن هذا التداخل خلق نوعا من الضبابية ولا يوفر القدرة على تتبع وتقييم أوجه صرف ميزانية الأمازيغية”، مؤكدا أن “تقييم السياسات العمومية في مجمل القطاعات الحكومية يجب أن يكون بناء على معطيات واضحة”.
وأورد لعرج، في تصريح لهسبريس، أن “مقاربة الحكومة في ما يخص صندوق تمويل ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية فيها ضبابية كبيرة، ومازالت تبدو لنا مفتقدة للكثير من الشفافية والتواصل وغياب إشراك الفعاليات الأمازيغية”، مسجلا أن “الأوراش اليوم لا تتجاوز تنظيم الاستقبال داخل بعض الإدارات من خلال إعطاء مُوكلات لبعض الشركات التي تقدم بعض الناطقين بالأمازيغية، وجلهم في وضعية مزرية من حيث علاقة الشغل. الإدارة تبدو لها هذه العملية بسيطة، لكن الأمر يستلزم منهجية واضحة وصارمة تتجاوز الشكل الحالي بكثير”.
وأفاد الناشط الأمازيغي بأن “الحركة الأمازيغية، ولاسيما على مستوى أزطا أمازيغ، تعتبر أن الرهان هو حول كيفية الحفاظ على حيوية اللغة الأمازيغية واستعمالها كلغة رسمية في دواليب الإدارة، سواء من حيث الاستقبال أو التواصل أو منح الوثائق الإدارية باللغة الأمازيغية”، مؤكدا أن “الميزانيات السابقة التي تم رصدها في هذا الصندوق لفائدة الأمازيغية، لا تتوفر لدينا اليوم معطيات توضح كيف تم إنفاقها على أرض الواقع، بما أن وضعية الأمازيغية مازالت على حالها”.
وتعقيبا على ما قاله وزير الشباب والثقافة والتواصل، دعا رئيس “أزطا أمازيغ ” إلى “القطع مع بعض الممارسات السائدة في قطاع الإعلام، من قبيل فرض ترجمة السيناريو الخاص بأعمال تلفزيونية أو سينمائية أمازيغية إلى العربية من طرف لجنة الدّعم قبل عرضه على هذه الأخيرة”، معتبرا ذلك “خرقا سافرا وإفراغا لهذه الأعمال من محتواها الثقافي والإبداعي”، مطالبا بـ”النهوض بوضعية الفنان الأمازيغي بالمغرب، التي سبق وأشارت إليها توصيات لجنة القضاء على جميع أشكال التّمييز العنصري”.
“صندوق بلا حصيلة”
أحمد عصيد، ناشط حقوقي فاعل أمازيغي، أكد بداية أن “المشكلة اليوم المتعلقة بالأمازيغية مركبة، تستدعي أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لتأهيلها وترسيمها في الفضاء العام، من خلال إعادة النظر في صندوق تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرقمي واستعمال الأمازيغية، لكونه يربط الأمازيغية بقطاعات ليست مرتبطة بها بشكل رئيسي”، موضحا أن “القطاع الرئيسي بالنسبة للأمازيغية هو التعليم، وبعده الإعلام”.
وشدد عصيد، ضمن توضيحاته لهسبريس، على أن “ميزانية 200 مليون درهم الخاصة بالأمازيغية في العام الماضي ألصقت بهذا الصندوق، لكن دون أن يظهر أي أثر لذلك على وضعية الأمازيغية التي ظلت في الهامش، والآن ترفق ميزانية 300 مليون درهم، ولكن مع ذلك لا توجد حصيلة”، مؤكدا أن “المفروض اليوم هو أن كل وزارة أو جهة رسميّة تكون لها ميزانية مخصصة للأمازيغية ضمن ميزانيتها الرئيسية، لأن ربطها بتحديث الإدارة أو الرّقمنة لا يخدم الأمازيغيّة”.
وأبرز المصرح ذاته أن “هذه التجربة الخاصة بالإعلان عن صندوق لم تعط أي شيء، فهناك تراجع حقيقي اليوم على مستوى الحقوق اللغوية والثقافية، ويجب أن يتم توفير أطر كافية لتعليم الأمازيغية ولضمان تفعيل طابعها الرّسمي وتعزيز حضورها في الفضاء العام”، منبّها إلى أن “الإعلام بدوره يحتاج إلى المزيد من البرامج والمسلسلات والشرائط السينمائية والتلفزيونية الناطقة بالأمازيغية، التي صارت تشهد تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة في القنوات العمومية المغربية”.
ودعا عصيد إلى إحداث صندوق خاص بالأمازيغية، وأن تُخلق هيئة رسمية تتكلف به، هي الهيئة التي سميت حينها “اللجنة الوزارية الدائمة”، يعهد إليها بمهام تتبع وتقييم وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، موردا أن “هذه الجهة لم تتوفر بعد، ما سمح بإدراج الأمازيغيّة إلى جانب تحديث الإدارة والانتقال الرّقمي بشكل لم يضمن الشّفافية في تتبّع ورصد وتقييم الاعتمادات المخصصة لتمازيغت، وبالتالي لم يسمح بالنهوض بوضعيتها على مستوى قطاعات حكومية كثيرة”.
وعلى الرغم من احتجاجات الديناميات الأمازيغية، شدد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، على أن هناك قناعة لدى الحكومة بأهمية الأمازيغية كرافد أساسي من روافد الهوية المغربية المتنوعة، مبرزا أنه خدمة للأمازيغية، تم تنظيم مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية والتراثية ذات الطابع الأمازيغي، واعتماد الأمازيغية في الإعلانات والأنشطة الخاصة بالمهرجانات.
كما أوضح المسؤول الحكومي أنه جرى “دعم المشاريع الثقافية والفنية الأمازيغية، والحرص على التمثيلية للمشاريع الثقافية والفنية الأمازيغية داخل منظومة الدعم، واستفادة بعض أطر الوزارة من التكوين في اللغة الأمازيغية”، مضيفا أن “هذا الأمر مهم، لأن الكل ينادي بحضور الأمازيغية في الإعلام، لكن لا بد أن يكون هناك تكوين في هذا المجال لفائدة جميع الأطر الذين يتكلمون العربية فقط”.
المصدر: وكالات