“تحفّظ كبير وامتعاض شديد” تنظر به فعاليات جمعويّة وحقوقيّة مدنيّة ورسميّة إلى “معضلة تشغيل الأطفال”، التي تقدّم “ظاهرة منبوذة” على المستوى الكوني رغم صعوبة القضاء عليها ميدانيا. والصعوبة ترجع إلى استمرار ما يعتبرها الرافضون “أسباباً جنينيّة”:
ضعف الحماية الاجتماعية والقانونية للأحداث في المغرب عمليا رغم “الجهد التشريعي والنظري”، الذي حذر من “إخراج الأطفال من المدرسة ووضعهم في ورشة للعمل”.
ورغم أن بيانات مُحيّنة للمندوبية السامية للتخطيط تقول إن “الظاهرة تواصل الانخفاض في البلد” فـ”المطلب الجديد” الذي تقدمت به منظمة نقابية هذه المرة، تزامناً مع اليوم العالمي لمكافحة تشغيل الأطفال (12 يونيو)، هو منح هذا الموضوع “حيزا كبيراً ضمن الحوار الاجتماعي الذي يجمع الحكومة المغربية والتمثيليات الاجتماعية”، معتبرة أن “تشغيل الأحداث لابد أن يأخذ نصيبا مهما على هامش النقاشات التي ستعرفها مدونة الشغل بين الأطراف”.
الحوار الاجتماعي
علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، قال إن “المغرب بذل مجهودات كبيرة للقضاء على تشغيل الأطفال، غير أن الأرقام الرّسمية التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط حول هذه المعضلة تبين أن هناك مشكلاً بنيويّا يحتاجُ أن يتدخّل البلد من خلال طُرق جديدة تبتغي القضاء نهائيّا على مختلف أشكال الهشاشة الاجتماعيّة، وعلى الهدر المدرسي، لأن المادة 143 من مدونة الشغل المغربية تنص صراحة على عدم تشغيل الأحداث، ولكن الواقع الميداني شيء آخر”.
وأضاف لطفي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “المغرب صادق على الاتفاقية الدولية لمنظمة العمل الدولية رقم 182، التي تكفل بموجبها الدول حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والقضاء عليها، وهو ما يجعل البلد مطالبا ببذل المزيد من الجهود لاستئصال هذه المشكلة من المنبع؛ فلم يعد مقبولا اليوم أن نصادف أطفالا وطفلات يشتغلون في وضعيات سيئة لا تضمن لهم شروط الكرامة وحقهم في نمو سليم داخل الأسرة والمدرسة”.
ونادى الفاعل النقابي ذاته بـ”احترام حقوق الطفل في التربية والتكوين، ووقف استغلال الطفولة في التسول وفي الكثير من المهن، وتفعيل اتفاقية الحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل (رقم 138)”، مشددا على “ضرورة أن يتم إدراج تشغيل الأطفال في الحوار الاجتماعي بين الحكومة وأرباب المقاولات والنقابات المركزية، وتسريع مراجعة مختلف التشريعات التي تترك ثغرات يمكن التحايل عليها، مع العمل على زجر المخالفين تحت طائلة الاتجار بالبشر”.
تعقيد واقعي
الحسين بكار السباعي، حقوقي ومحام، اعتبر أن “المغرب، بموجب دستور 2011، أقر بضرورة صيانة الحريات والحقوق، خصوصا للطفل وحماية سلامته وحياته، إلخ”، مسجلا أن “المشرع المغربي اتجه إلى وضع مجموعة من الضوابط القانونية من أجل ردع كل فعل من شأنه أن يعتدي على حقوق الأطفال وعلى طفولتهم، لكن من الواضح جدا أنها أصبحت غير كافية وحدها في ظل انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال”.
وأورد السباعي، ضمن حديث مع هسبريس، أن “المادة 143 من مدونة الشغل المغربية لا تكفي للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال، خاصة في المناطق التي تعرف هشاشة، وكذلك مع ارتفاع نسبة الفقر واضطرار بعض الأسر إلى الدفع بأبنائها للعمل في ظروف قاسية لا تتلاءم ونموّهم الجسماني؛ إضافة إلى تشغيل الفتيات داخل البيوت”، مؤكدا أن “هذه ظاهرة مازالت متفشية بشكل خطير داخل المجتمع المغربي”، ولافتا إلى أن “الأرقام الرسمية تكون دائما مرشحة للصعود كل سنة نتيجة الأوضاع المتردية للعديد من الأسر المغربية داخل القرى والمدن، وبطء التنزيل الفعلي لمشروع الحماية الاجتماعية”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “القاعدة القانونيّة لوحدها لا تكفي”، مشيرا إلى القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل للعاملات والعمال المنزليين، الذي نص على حماية حقوق الأطفال، وزاد: “هي لا تكفي للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال دون وجود مراقبة صارمة وطبعا إرادة حقيقية لإصلاح اجتماعي شامل يساعد الأسر المعوزة والأكثر هشاشة للحد من الدفع بأبنائها إلى العمل، وإيجاد بدائل تحد من الهدر المدرسي الذي يتعرض له العديد من الأطفال”.
ودعا المصرح إلى “التقليل من الفراغ المؤسساتي بالنسبة للمؤسسات المعنية بالطفل وحمايته، ففي التشريع القانوني المؤسساتي قد نجدها قائمة، لكنها في الواقع قد تبقى محدودة أو عقيمة ماديا ولوجيستيكيا، خصوصا مراكز الرعاية والتأهيل”، مشددا على “الحاجة إلى تطوير آليات العمل القضائي ومدى ملاءمتها مع احتياجات الطفل، وهذا ما يعمل عليه المشرع المغربي من خلال تنزيل قوانين تتلاءم مع المعايير الدولية وتوفير مختلف آليات التنفيذ والمراقبة لأجرأتها وتفعيلها”.
وأجمل الحقوقي والمحامي بالإشارة إلى “الدور الفاعل الذي يلعبه قضاة المحاكم المغربية من خلال ملاءمة كافة النصوص القانونية مع الواقع العملي المعقد والمتغير، خصوصا في القضايا المتعلقة بالطفل وحمايته من كل أشكال الاعتداء المادي والنفسي”.
أرقام رسمية محيّنة
كشفت المندوبية السامية للتخطيط، بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة تشغيل الأطفال، أنه سنة 2023 من بين 7.775.000 طفل الذين تتراوح أعمارهم ما بين 7 و17 سنة بلغ عدد الأطفال النشيطين المشتغلين بالمغرب 110.000 طفل، وهو ما يمثل 1,4 في المائة من مجموع الأطفال الذين ينتمون إلى هذه الفئة العمرية. وتبلغ هذه النسبة 2,8 في المائة بالوسط القروي (88.000 طفل) مقابل 0,5 في المائة بالوسط الحضري (22.000 طفل).
وأوردت المندوبية، في مذكرة توصلت بها هسبريس، أن “ظاهرة الأطفال المشتغلين تنتشر بين الذكور أكثر من الإناث، وغالبا ما ترتبط بالانقطاع عن الدراسة”، وزادت: “85,6 في المائة من الأطفال المشتغلين هم من الذكور، و91,5 في المائة منهم ينتمون إلى الفئة العمرية 15 و17 سنة، ويعيش 79,9 في المائة في المناطق القروية. وبالإضافة إلى ذلك 8,6 في المائة من الأطفال يشتغلون بالموازاة مع تمدرسهم، و89,1 في المائة غادروا المدرسة بينما لم يسبق لـ2,3 في المائة منهم أن تمدرسوا”.
وشددت المؤسسة الرسمية على أن عدد الأطفال المشتغلين يستمر “في الانخفاض، فمقارنة بسنة 2022 تراجع عدد الأطفال النشيطين المشتغلين بـ13,4 في المائة؛ كما تقلص هذا العدد بأكثر من النصف (55,5 في المائة) مقارنة بسنة 2017″، وسجلت أن قرابة ستة أطفال مشتغلين من أصل عشرة (63,3 في المائة) يقومون بأشغال خطيرة (69.000 طفل)، وهو ما يمثل 0,9 في المائة من مجموع أطفال هذه الفئة العمرية؛ وأوردت أنه “من بين الأطفال الذين يزاولون هذا النوع من الأشغال نجد أن 74 في المائة يقطنون بالوسط القروي، 91,2 في المائة ذكور و87,9 في المائة تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة”.
ويبقى، حسب “مندوبية الحليمي”، الأطفال المشتغلون بقطاع “البناء والأشغال العمومية” الأكثر تعرضاً للخطر بنسبة 80,8 في المائة. وتبلغ هذه النسبة 79,3 في المائة بقطاع “الصناعة”، 77,7 في المائة بقطاع “الخدمات” و53 في المائة بقطاع “الفلاحة والغابة والصيد”.
المصدر: وكالات