نبّه عدد من الأساتذة والمُكونين في مجال الرياضيات إلى وجود تراجع ملحوظ في عدد المنتسبين إلى شعبة العلوم الرياضية على مستوى الجامعات، وحتى على المدارس العليا للأساتذة، وهو ما اعتبروه أمرا يستدعي النقاش لكونه يرتبط أساسا بالصعوبات التي صارت تطبع عملية توفير الأساتذة المتخصصين في تدريس العلوم الرياضية.
وكشف بعض هؤلاء، ممن تقاسموا إفاداتهم مع هسبريس، أن “هذه المشاكل صارت تبدأ من السنة الثانية بكالوريا بإقدام بعض الدارسين للعلوم الرياضية على تغيير مسلكهم إلى العلوم التجريبية، إما بحثا عن آفاق أوسع أو سعيا إلى اختيار مدارس ومعاهد لا تعطي اختيار التدريس مستقبلا لوحده”، معتبرين أن “تدريس الرياضيات لم يعد لدى كثيرين من الطلبة والتلاميذ المختصين في العلوم الرياضية هدفا”.
وتأتي هذه التأكيدات المتفرقة في وقت يسجل قطاع التربية خصاصا في المترشحين لمباريات توظيف الأساتذة التي تعلن عنها الوزارة دائما، إذ عادة ما يتم فتح مباريات جزئية مرة ثانية أو حتى ثالثة من أجل سد الخصاص بتوظيف عدد من أساتذة الرياضيات الذين تظهر الحاجة الملحة إليهم.
متحدثا حول حيثيات الموضوع أفاد المصطفى أورهاي، أستاذ باحث بالمدرسة العليا للأساتذة بمراكش، بأن “هناك مشكلا جوهريا في الإقبال على اختيار شعب الرياضيات بالمستوى الجامعي، سواء على مستوى الكليات أو حتى على مستوى المدارس العليا للأساتذة، فالعدد يبدو محتشما بالفعل وفق الإحصائيات المتفرقة التي تخص عدد المسجلين، وكذا المجتازين لمباريات الولوج”.
وسجل أورهاي، في تصريح لهسبريس، وجود “عزوف في أعداد المختارين لشعب متخصصة في العلوم الرياضية، فيما تبدأ الإشكالية منذ السنة الثانية بكالوريا بعدما يلجأ عدد من الطلبة إلى تغيير مسلكهم من علوم رياضية إلى علوم تجريبية، ويختارون وقتها إما علوم الحياة والأرض أو العلوم الفيزيائية”، موردا أن “حتى الذين يختارون العلوم الرياضية في ما بعد البكالوريا يلتحقون بالمدارس العليا ذات الاستقطاب المحدود، بعيدا عن الكليات وحتى المدارس العليا للأساتذة”.
وكشف أستاذ ديداكيتك الرياضيات أن “عددا من التلاميذ يؤْمنون بضرورة تغيير مسلكهم في السنة الثانية بكالوريا من أجل تعزيز حظوظهم خلال السلك الجامعي، إذ يرون أن الإبقاء على المسلك نفسه يعني تضييق الآفاق والاقتصار على الفرص التي يوفرها مجال التعليم لا غير”، مشيرا إلى أن “الجانب المهني للتعليم لم يعد محفزا بما فيه الكفاية للرفع من منسوب الوافدين على اختيار العلوم الرياضية”.
كما ذكر المتحدث أن “المتوفرين على بكالوريا في العلوم الرياضية صاروا يختارون شعبا موسعة الآفاق نوعا ما، وليست محصورة فقط في التعليم، مع العلم أنه ليس هناك فرق مثلا بين الحاصل على بكالوريا علوم تجريبية وبكالوريا علوم رياضية في عتبات الولوج إلى المدارس، وحتى اجتياز بعض المباريات”.
المصرح ذاته أورد أن “المدارس العليا لم تعد تغطي الخصاص المسجل في أساتذة العلوم الرياضية، ما يعني أنه حتى العدد الذي كانت توفره الجامعات من المكونين في هذا التخصص تقلص فعليا”، مبرزا أنه “للمفارقة نجد في بعض الأحيان أن هناك من الحاصلين على بكالوريا علوم فزيائية من يختارون شعبة الرياضيات في المدارس العليا للأساتذة”.
على النحو ذاته سار تدخل ربيع المرزاق، رئيس الجمعية المغربية لأساتذة الرياضيات، الذي بيّن في البداية أن “هناك عزوفا خطيرا عن اختيار الشعب والمسالك المتخصصة في الرياضيات، وهو ما يرتبط أساسا بمجموعة من التصورات بأن هناك آفاقا محدودة وعملا شاقا في انتظار المقبولين في مهنة التعليم على سبيل المثال”.
وأضاف المرزاق، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الموضوع ليس بالهيّن، لكونه يرتبط بشكل مباشر بتوفير وتكوين الأساتذة المتخصصين في تدريس مادة الرياضيات”، وزاد: “إن استمررنا في هذا المنحى فإننا بشكل او بآخر سنلجأ مستقبلا إلى توفير أساتذة لهذه المادة بأي طريقة”، مشيرا إلى أنه “من المؤسف أن يكون هذا المشكل يمس مادة كالرياضيات، وهي التي تعتبر ذات أبعاد كبيرة ولها ارتباطات بتدريس المواد الأخرى وحتى بالصناعات التكنولوجية”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “الأمور تكون طبيعية وعادية على مستوى السلك الثانوي، لكن التراجع في أعداد المنتسبين إلى شعبة الرياضيات يبدأ من السنة الثانية بكالوريا، قبل أن يزداد في التعليم الجامعي بقوة، ما جعلنا اليوم نواجه مشاكل في توفير الأساتذة المتخصصين من أجل سد الخصاص”.
المصدر: وكالات