مع حلول الصيف، يعوّل المهنيون في المجال السينمائي على العُطلة لخلق رواج في صالات العرض؛ بيد أن هذا المبتغى ليس محسوما، بالنظر إلى أن العديد من القاعات السينمائية في بعض مدن المغرب فارغة، بينما استحوذت علاماتٌ بعينها على استقطاب أعداد دالة من المغاربة؛ رغم أن الإقبال عموما يظل ضعيفا، لأن الفن السابع لا يزال يُنظر إليه بنوع من الريبة ومن الحذر في مجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
القري: مشكل عميق
الناقد السينمائي المغربي إدريس القري اعتبر أنه “من ناحية الملاحظة، فيبدو أن تنوع العرض والزخم في الأنشطة خلال الفصل الصيفي يساهم في تراجع الإقبال المسجل على صالات العرض السينمائية”، مضيفا أن “العديد من المغاربة الآن يختار السفر والذهاب للشواطئ والمسابح وقضاء الوقت في المسابح ومع العائلة، بحيثُ هناك تبادل للزيارات ودخول الجالية المغربية لأرض الوطن، إلخ”.
وشدد صاحب كتاب “سينما المملكة ومملكة السينما” على أن هذا الأمر يعيدنا إلى عمق الإشكال الذي تواجهه السينما عندنا في المغرب، وهو العدد المخجل في القاعات، بحيث لدينا ما يقل عن 40 قاعة و70 شاشة، لزهاء 40 مليون نسمة من السكان بالمغرب”، موضحا أن “ذهاب الجمهور إلى السينما هو أمرٌ نسبي داخل مشكل أعمق، يتعلق بشبكة القاعات الهزيلة، التي لا يمكن أن نقول إنها غير كافية، لكونها في الأصل شبه منعدمة”.
وسجل المتحدث ذاته أن “وعي العديد من المغاربة بالسينما لا يزال فيه خلطٌ فظيعٌ، بحيث نلاحظ أن منا من لا يفرق بين الفيلم السينمائي والفيلم التلفزيوني، ومؤخرا صار حتى الفيديو يقدم باعتباره عملا سينمائيا”، وأشار قائلا: “هناك اتجاه نحو الفيديو مؤخرا، وهذا لن ينفر المغاربة من السينما فحسب، بل سيضحي بالقطاع السينمائي بأكمله؛ ومن ثم أتصور أنه علينا أن ندرك أن الإنتاجَ الذاتي محنة حقيقية، لكون إنتاج فيلم بالمعايير الجيدة يحتاج نحو 3 أو 4 ملايين درهم”.
وأجمل القري بأنه “إذا أردنا أن نتحدث عن سينما مغربية متطورة وعن صالات للعرض مكتظة، ربما، على آخرها، فذلك يستدعي أن يخصص الدعم العمومي للنخبة المبدعة وللشباب الموهوب بمعايير عالية الدقة والصرامة”، موضحا أن “شبكة قاعات وحدها هي ما سيفتح الفيلم السينمائي المغربي على دورة تمويل متكاملة ينحسر فيها دور الدولة على حماية ودعم الراقي من السينما؛ بينما يتكفل سوق التوزيع وشباك التذاكر بالباقي المألوف والخاضع لمنطق السوق”.
العسري: ضعف التربية السينمائية
من جانبه، قال المخرج المغربي هشام العسري إن هذا “الضعف النسبي في الإقبال على صالات العرض في النهاية ليس سوى ثمنا لغياب التربية السينمائية”، مضيفا أن “الدار البيضاء تسجل، بالمقابل، إقبالا على السينما لكون العديد من الساكنة تربوا منذ الصغر على الذهاب للسينما كطقس روتيني، وهو ما يحرصُون على نقله إلى أبنائهم، فيصبحُ هذا الأمر متوارثا، ويغدو في النهاية فعلا ثقافيا خالصا”.
وأضاف العسري بأن “المغاربة ألفوا مشاهدة الأفلام في منازلهم، في التلفزيون أو في الهاتف، نظرا لأن الإقبال كان ملحوظا قبل جائحة كورونا؛ لكن تدابير العزل المنزلي والحجر الصحي جعلت المغاربة يقبلون على استهلاك الأفلام دون الحاجة إلى الذهاب إلى صالات العرض”، مشددا على أن “حتى إقبال المغاربة على الأفلام يبقى انتقائيا، بحيث يأتون لمشاهدة فيلم واحد مثلا؛ في حين أن الثقافة الفنية تستدعي مشاهدة أفلام وشرائط عديدة من ثقافات مختلفة لتحفز على الانفتاح والتفكير”.
وبالنسبة لمخرج فيلم “هم الكلاب”، فإن “ثقافة الاستهلاك هي التي خربت السينما في أفقنا كمغاربة؛ لأن العديد منا لا يفكر في الذهاب إلا إذا كان هناك فيلم للاستهلاك العابر، أي أحدث نقاشا أو جدلا”، معتبرا أن “الذهاب إلى السينما يكون وفق برامج تتضمن أوقات الأفلام المهمة، وتواريخ عرضها، وهذا يخرج ذهابنا إلى السينما من السطحيات والعموميات ويجعله ورشة لإعادة النظر في الكثير من مسلماتنا؛ العديد منا لا يعير لهذه الأمور قيمة كبيرة، وبالتالي تفرغ قاعات العرض وتبقى حكرا على حفنة معينة من المغاربة”.
سيجلماسي: مشكلة قديمة
ينطلق أحمد سيجلماسي، الباحث في الشأن السينمائي والناقد الفني، من التاريخ، ليخلص بأن مشكلة ضعف الإقبال على السينما في الصيف قديمة نسبيا؛ لأن الصالات حينها لم تكن تتوفر على مكيفات، وبالتالي ساد الاعتقاد بأن قاعات العرض غير مُناسبة في ظل الارتفاع في درجة الحرارة التي نعيشُها، على الرغم من أن العديد من الصالات في الوقت الحالي التي تملكها علامات سينمائية ضخمة تتوفر على تجهيزات من طراز ممتاز وتخول أريحية أثناء مشاهدة الأفلام”.
وشدد سيجلماسي على أن بعض القاعات فطنت لهذا التحول الذي يعرفه الإقبال على السينما في الصيف، فباتوا يقدمون برنامجا موسميا خاصا بهذه الفترة، تبعا للتحولات في المزاج وفي الذوق التي يمكن أن تحدث خلال هذا الفصل”، موضحا أن “المشرفين على القاعات مطالبون ببذل جهود أكبر في اختيار التواريخ والأوقات لعرض أفلام دون غيرها؛ لأن العطلة هي الفرصة لكي نستقطب المغاربة نحو السينما، وأن نكرس رغبتهم في تخصيب الخيال عبر الأفلام الروائية”.
وأضاف الناقد السينمائي بأن “تعميم الثقافة الفنية ليس دورا حصريا للصالات السينمائية، بل أيضا للقطاع التربية والتعليم، أي أن ينمو الطفل منذ صغره، وبتدرج، على أهمية السينما”، خاتما بأن “لدينا شبابا في عمره أكثر من 20 سنة، ولم يدخل قط إلى السينما وليس متدربا على الفرجة الجماعية في القاعات؛ بما أن هذه الفرجة كان التشجيع عليها مرتفعا في زمن ازدهار الأندية السينمائية في المغرب خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.. ولهذا، نحتاج إلى حركية جديدة تعيد الذهاب للسينما إلى عاداتنا اليومية”.
المصدر: وكالات