حذر لوي لو فران، المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في كاليدونيا الجديدة، الأحد، من أنه “ستتم استعادة النظام الجمهوري مهما كان الثمن”، في وقت بدأت فيه باريس “عملية كبيرة” بمشاركة المئات من عناصر الدرك في الأرخبيل الواقع في المحيط الهادئ، بعد ستة ليالٍ من أعمال الشغب قُتل خلالها ستة أشخاص، واندلعت على خلفية إصلاح انتخابي مثير للجدل.
وتصاعدت المعارضة ضد إصلاح دستوري يهدف إلى توسيع عدد من يُسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات المحلية، ليشمل كل المولودين في كاليدونيا والمقيمين فيها منذ ما لا يقل عن عشر سنوات. ويرى المنادون بالاستقلال أن ذلك “سيجعل شعب كاناك الأصلي أقلية بشكل أكبر”.
وقال لوي لو فرانك، المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في الإقليم، خلال مؤتمر صحافي بثته قناة “لا بروميير”: “أريد أن أقول لمثيري الشغب: توقفوا، عودوا إلى الهدوء، وسلموا أسلحتكم”.
وأكد أن “الوضع خطير وغير مسبوق؛ ولكن مع القوات الموجودة تحت تصرفي سنكون قادرين على استعادة النظام الجمهوري في جميع أنحاء منطقة العاصمة (نوميا)، في الأيام المقبلة”.
وأعلن عن عمليات جديدة ستقوم بها قوات إنفاذ القانون، خلال الساعات المقبلة، لاستعادة السيطرة الكاملة على المنطقة.
وفي ظل تعليق الرحلات من نوميا وإليها منذ الثلاثاء، أعلنت باريس عن انطلاق عملية كبيرة تضم أكثر من 600 من رجال الدرك في كاليدونيا الجديدة تهدف إلى استعادة السيطرة الكاملة على الطريق الرئيسي البالغ طوله 60 كيلومترا بين نوميا والمطار، والتي تعد محورا استراتيجيا يسمح بإعادة تموين الجزيرة المعرضة للنقص.
وتقدر السلطات المحلية بأن نحو 3200 سائح ومسافر تقطعت بهم السبل في الأرخبيل وخارجه.
وأعلنت نيوزيلندا، الأحد، أنها طلبت من فرنسا الإذن لإرسال طائرات لإجلاء مواطنيها.
“مضايقة”
وقال لو فران إنه على الرغم من “اختراق” حوالى ستين حاجزا نصبها مؤيدون للاستقلال على الطريق من دون عنف، فإنه لا يزال من غير الممكن عبور الطريق؛ لأنه لم تتم إزالة حطام السيارات والخشب المحروق والخردة المعدنية إلا من حوالي خمسة عشر حاجزا، كما تضرر الطريق في مناطق عديدة.
وأعلن عن عمليات جديدة من قبل وحدات الشرطة الخاصة ووحدات الدرك “ابتداء من الليلة (ليل الأحد الإثنين)، حيث توجد نقاط صعبة” في نوميا ودومبيا وبايتا على وجه الخصوص.
وقال: “في الأيام المقبلة، سيصبح الأمر أكثر حدة” وفي المناطق “التي لا يزال يوجد فيها مثيرو شغب”، حذر المفوض السامي من أنه “إذا أرادوا استخدام أسلحتهم، سيتحملون كل المخاطر”.
ودعا لو فران أولئك الذين شكلوا “مجموعات حماية” لأحيائهم إلى أن “يحافظوا على الأمل… وعدم ارتكاب ما لا يمكن إصلاحه”؛ الأمر الذي من شأنه أن يشعل الأوضاع على نطاق واسع.
وشاهد صحافيون في وكالة فرانس برس، الأحد، أن محتجين من المطالبين بالاستقلال في نوميا وجوارها ما زالوا يقومون بتقييد حركة المرور على الطرق من خلال العديد من الحواجز المنصوبة باستخدام حجارة وعوائق أخرى.
وقال أحد المحتجين عند حاجز في تاموا لفرانس برس: “نحن مستعدون للذهاب إلى أقصى حد، وإلا ما النفع؟”.
ليلة “أكثر هدوءا”
أكد المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في كاليدونيا الجديدة، في بيان صباح الأحد، أن الليلة الماضية كانت “أكثر هدوءا”، وأن الدولة تتحرك لضبط الوضع الأمني.
وأضاف لوي لو فران: “تم توقيف ما مجموعه 230 مثيرا للشغب” في زهاء أسبوع.
ويتوقع أن تكون إعادة فرض الهدوء بالقوة مهمة شاقة لقوات إنفاذ القانون، إذ إن أعمال الشغب في بعض الأحياء خلال الليل تظهر تصميم المحتجتين على التعبير عن غضبهم.
وقال فيليب بليز، نائب رئيس المحافظة الجنوبية في كاليدونيا الجديدة، لقناة “بي اف ام تي في” الفرنسية السبت، “الواقع هو أن ثمة مناطق يغيب فيها القانون… تسيطر عليها عصابات مسلحة، عصابات استقلالية”، مضيفا “في هذه الأماكن، يقومون بتدمير كل شيء”.
ووجه بليز أصابع الاتهام إلى “خلية تنسيق العمل الميداني”، وهي المجموعة الأكثر تطرفا في “جبهة تحرير شعب الكاناك الاشتراكية”. ووضع عدد من قادة الخلية قيد الإقامة الجبرية بعد اندلاع أعمال العنف.
وفي مثال جديد على الاضطرابات ليل السبت الأحد، أفادت قناة “لا بروميير” عن إضرام النيران في مكتبة متعددة الوسائط بحي ريفيير ساليه في نوميا.
وأكدت بلدية نوميا لفرانس برس أنها غير قادرة على التحقق من هذه الأنباء؛ “لأن دخول هذا الحي غير ممكن”.
وكانت سونيا لاغارد، رئيسة بلدية نوميا، قالت، لقناة “بي اف ام تي في” السبت، إن “الوضع لا يتحسن، بل على العكس تماما، رغم كل الدعوات إلى التهدئة”.
وتابعت: “هل يمكننا أن نقول إننا في مدينة محاصرة؟ نعم، أعتقد أننا نستطيع أن نقول ذلك”.
وفرضت السلطات حال الطوارئ؛ بما يشمل حظر التجول بين السادسة مساء والسادسة صباحا، ومنع التجمعات، وحمل الأسلحة، وبيع المشروبات الكحولية، إضافة إلى حظر تطبيق “تيك توك”.
وفي مؤشر إلى الخشية من أن يطول أمد الاضطرابات، ألغت باريس مرور الشعلة الأولمبية عبر كاليدونيا الجديدة والذي كان مقررا في 11 يونيو.
في غضون ذلك، تصبح يوميات سكان كاليدونيا الجديدة أصعب يوما بعد يوم، لجهة التنقل وشراء المواد الغذائية وتلقي الرعاية الطبية، مع انخفاض عدد المتاجر القادرة على فتح أبوابها، وتزايد العوائق أمام حركة المرور خصوصا في الأحياء الفقيرة أو التي تشهد أعمال شغب أكثر من غيرها.
وصباح الأحد، أعلنت سلطات المحافظة الجنوبية، التي يقيم فيها قرابة ثلثي عدد سكان الأرخبيل، أن كل المدارس ستبقى مقفلة طوال الأسبوع المقبل.
وتأمل السلطات الفرنسية بأن تؤدي حال الطوارئ السارية منذ الخميس إلى الحد من أعمال العنف التي بدأت الاثنين.
ومن دون ذكر صلة مباشرة بأعمال العنف، اتهم وزير الداخلية الفرنسي، الخميس، أذربيجان بالتدخل في الأرخبيل؛ وهو ما نفته باكو بشدة.
ومن جهته، رأى السيناتور الفرنسي كلود مالوريه أنه “إذا كانت هناك تدخلات غير مرئية بشكل أكبر ويجب الخوف منها، فهي تدخلات الصين”.
وكاليدونيا الجديدة هي مستعمرة فرنسية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
ويدور الجدل السياسي في الأرخبيل حول ما إذا كان ينبغي أن يكون جزءا من فرنسا أو يتمتع بحكم ذاتي أو استقلال، مع انقسام الآراء على أساس عرقي.
المصدر: وكالات