أجمعت الفرق البرلمانية على أهمية مشروع مرسوم بقانون رقم 2.23.870 المتعلق بإحداث وكالة تنمية الأطلس الكبير، التي سيعهد إليها تدبير عملية إعادة بناء المناطق المتضررة من زلزال الحوز المدمر، الذي خلف خسائر كبيرة على المستويين البشري والاقتصادي، وشددت على أهمية تسريع الإنجاز والالتزام بالحكامة والمسؤولية في تنزيل المشاريع والبرامج التي ستشرف عليها.
وكالة غير عادية
قال محمد غياث، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، في اجتماع لجنة المالية، التي ناقشت المرسوم بقانون وصادقت عليه بالإجماع اليوم الثلاثاء، إن وكالة تنمية الأطلس الكبير “وكالة غير عادية من خلال منطوق النص التأسيسي، إن في المهمة أو في الاختصاصات ونمط التدبير”.
وأضاف غياث، في مداخلة باسم فريقه النيابي، أن الوكالة عنوانها العريض “تدبير الأزمة من جهة، وتحقيق التنمية المؤجلة في هذه المناطق من جهة أخرى”، مؤكدا أن رئيس الحكومة ألزم نفسه بحكم موقعه الدستوري، وبتعليمات من الملك محمد السادس، بـ”متابعة عمل الوكالة بوتيرة مستمرة عبر مجلس توجيه إستراتيجي على عكس باقي الوكالات والمؤسسات العمومية”.
كما اعتبر النائب ذاته الوكالة جواباً عملياً عن “مطلب تاريخي بإحداث وكالة تعمل على تنمية المناطق الجبلية، أسوة بالعديد من بلدان العالم، خصوصا في جنوب بلدان المتوسط”، مشددا على أن هذا المطلب “تأخر لعقود وأصبح اليوم حقيقة”.
اختبار للجدية
وأوضح البرلماني ذاته أن الوكالة “اختبار حقيقي لخطاب الجدية والفعالية باعتباره التأطير السياسي الذي رسمه جلالة الملك للتدبير العمومي”، لافتا إلى أن “الجدية ينبغي أن تقترن بالأثر على الأرض من خلال التدخلات والبرامج دقيقة الاستهداف”، ومردفا بأن الوكالة ينبغي أن تمثل “مناسبة للإنصات للمجتمع الجبلي عبر مفهوم التنمية التشاركية التي تستحضر كل الأبعاد في خلق البرامج والتدخلات”.
كما عد غياث العمل المنتظر من الوكالة فرصة لـ”اختبار عملي لمنطق تكامل عمل مؤسسات الدولة”، وزاد: “سنكون أمام امتحان حقيقي، خصوصا أن الوكالة مجبرة على التدخل في قطاعات متعددة”، مبرزا أن “هذا الأمر تنبه له المشروع وأعطى الوكالة الضوء الأخضر نحو الإنجاز دون الانهزام أمام العقبات البيروقراطية”.
كما دافع النائب نفسه عن الحكومة ضد الانتقادات التي وجهت لها في تدبير أزمة الزلزال، و”حضورها الضعيف”، إذ قال: “الحكومة لم تكن غائبة كما تم الترويج له بهدف تبخيس العمل السياسي”، مؤكدا أن النتائج “مقنعة وتتكلم عن نفسها، إذ تم إيواء كل المتضررين”.
تعميم التنمية
من جهته، قال نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، إن “المغرب اكتسب خبرة كبيرة في تدبير مجموعة من الأزمات انطلاقا من إمكانياته الذاتية”، مبينا أن كارثة الزلزال “تم التغلب عليها في ظرف وجيز في المرحلة بالإنقاذ والإيواء والإطعام وإعادة فتح الطرق التي دمرت إبان هذه الكارثة؛ وهذه الوضعية نحسد عليها من طرف مجموعة من الدول الأصدقاء وكذلك الأعداء”.
وأفاد مضيان بأن مشروع الوكالة “جاء لتدبير آثار الأزمة، وأكيد أنها ستتعامل مع إعادة البناء بعقلية منفتحة على الجميع، لأنه لا يمكن لأي جهة أن تضمن النجاح من دون أن تنفتح على محيطها الكامل من أجل ضمان التدبير الجيد والمحكم لبرنامج إعادة البناء وتأهيل المناطق المتضررة”.
وذكر المتحدث ذاته بأن حزبه سبق أن تقدم بـ”مقترح قانون قبل 10 سنوات حول تنمية المناطق الجبلية والحدودية، تفاديا لما يمكن أن يحدث ومن أجل إقرار تكافؤ الفرص والمساواة بين المناطق الترابية للمملكة”، وزاد: “يجب أن يكون لدينا قانون خاص لتنمية المناطق الجبلية والمناطق الحدودية، ونحن ندرك جيدا كما أدركنا في جبال الحوز أن هناك بعض المناطق شبه منسية، ربما لأن سكانها لا يطالبون ولا يحتجون، وربما هناك تطبيع مع ذلك الوضع، ولكن علينا إزالة هذا اللبس، والتنمية يجب أن تصل إلى جميع المناطق أينما كانت”.
ومضى البرلماني ذاته منتقدا: “لا يجب انتظار أن تقع الكارثة حتى نتذكرهم، يجب أن نسرع وتيرة العمل من أجل إيصال التنمية إلى هذه المناطق التي ظلت خارج التنمية لعقود من الزمن”، معتبرا أن الحاجة ماسة إلى السرعة في العمل والإنجاز.
التفاعل مع المعارضة
على مستوى فرق المعارضة تساءل إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، عن سبب إطلاق اسم الأطلس الكبير على الوكالة، معتبرا أن المغرب يتوفر على أربع سلاسل جبلية.
وقال السنتيسي: “الوكالة جاءت في وقتها، ليس في ذلك نقاش، لكن لماذا الأطلس الكبير؟ لدينا سلاسل جبلية أخرى، لماذا نعطي هذه التسمية لهذه الوكالة؟”، مؤكدا أن الحركة الشعبية “سبق أن تقدمت بمقترح قانون الجبل، وخلال هذه الولاية أيضا”، وزاد متسائلا: “كيف يتقدم فريق بمقترح قانون فترد الحكومة بأنه غير مقبول قبل أن تسمعه أو تعرفه؟ إذن هي تقرأ النوايا”، وذلك في انتقاد واضح منه لرفض المقترح الذي تقدم به حزبه.
وأكد النائب ذاته أن الدستور أعطى حقوقا واسعة للمعارضة، مردفا: “نتمنى أن تغير الحكومة تعاملها مع المبادرات التشريعية، لأن عددا من المقترحات جاءت في تعديلات لم تقبلها الحكومة، وبعد أشهر جاءت في مرسوم قانون”.
وتابع رئيس “فريق السنبلة”: “لا يمكن إلا أن نكون مع كل ما يخفف من أضرار الزلزال، وبالتالي ندعم هذا المشروع ونؤيده”، مطالبا بضرورة الإسراع في التنفيذ والتعامل بالجدية المطلوبة.
دورة استثنائية
أما عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، فأكد بدوره أن “المغرب ليس دولة عادية”، موردا: “نحن دولة ذات سيادة ونجحنا في تدبير كارثة الزلزال باحترافية عالية”.
وأضاف بوانو، في مداخلة أثناء مناقشة مشروع المرسوم بقانون، مخاطبا الحكومة: “في الكوارث لا نريد أن نسمع بملاحظات في ما يتعلق بالحكامة، إن على مستوى قضية الإحصاء، أو بشأن أماكن الدراسة أو الصحة أو السكن”، وزاد: “نحن أقوياء في التجربة، نريد أن نكون أقوياء في الحكامة وتدبير الأزمة”.
واعتبر المتحدث ذاته أن المبلغ المخصص لمخطط إعادة البناء والتأهيل يبلغ 120 مليار درهم، “وهو رقم ليس سهلا”، مردفا: “هذه أموال كبيرة ينبغي الحرص عليها”.
كما اعتبر النائب ذاته بدوره أن قانون الجبل “مقترح استحضرنا فيه هذه الجوانب، وتجربة الحسيمة وما يقع”، وزاد: “الوكالة عمرها 5 سنوات، وتنسجم مع إصلاح الأضرار، لكن نريد تأهيل الجبال كلها لأنها تعيش الوضع نفسه”، متسائلا: “هل سننتظر أن يقع فيها الزلزال حتى ننظر إليها؟ لا يمكن”.
وأكد بوانو أن “الاستعجال في إخراج مشروع مرسوم إحداث الوكالة يستحق دورة استثنائية، لأنه موضوع كبير وله رمزيته”، خاتما: “نعتقد أن الحكومة لم تكن موفقة في خيارها، لأن المرسوم سينتظر القانون التنظيمي حتى افتتاح الدورة التشريعية لأكتوبر”.
كما طالب النواب الحكومة بضرورة تقديم تقرير سنوي للبرلمان عن حصيلة أداء الوكالة وتقدم المشاريع التي تشرف عليها طيلة السنوات الخمس من عمرها، وهو الأمر الذي عبرت الحكومة على لسان وزيرها المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، عن قبوله، متعهدا بتوفير هذا التقرير انطلاقا من السنة المقبلة.
المصدر: وكالات