مع توالي القضايا والمتابعات التي يلاحق بموجبها العديد من السياسيين والمنتخبين بسبب الفساد والتطاول على المال العام، بدأ يتشكل مناخ إيجابي لدى المجتمع المغربي يرحب بهذه المتابعات التي يرى فيها خطوة إيجابية نحو تخليق الحياة العامة ومواجهة الفساد المتفشي في البلاد.
وتفيد المؤشرات الأولية بأن صورة المؤسسات شهدت بعض التحسن لدى المغاربة، إذ تعج وسائل التواصل الاجتماعي بالتعاليق المؤيدة للقضايا والمحاكمات الجارية، منوهة بالجهود التي يبذلها القضاء في هذا الباب وأدواره في تحسين صورة المؤسسات لدى المجتمع.
في تعليقه على الموضوع، قال عبد الحميد بنخطاب، أكاديمي أستاذ العلوم السياسية، إن المتابعات القضائية التي تقوم بها الكثير من الأنظمة السياسية، سواء الديمقراطية أو غير الديمقراطية، من أجل تثبيت مسألة مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة، “إجراء عادي في كل هذه الأنظمة”.
وأضاف بنخطاب، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا الإجراء من شأنه أن يعزز “مشروعية هذه الأنظمة وثقة المجتمع في كفاءة الحكومة والأنظمة في مكافحة الفساد وتطبيق القانون وتثبيت دولة القانون”.
واستدرك بأن الفساد “يصعب تحديده بدقة، ومكافحته آفة تعاني منها كل الأنظمة السياسية، التي تحاول بشكل دوري إثبات أنها تقوم باللازم من أجل الضرب على يد من يخرق القانون ويستخدم نفوذه، وهذا أمر يخدم الشرعية السياسية ومشروعية الأنظمة بصفة عامة”.
وأفاد الأكاديمي ذاته أن مشروعية الأنظمة القانونية في مجتمعات مثل المجتمع المغربي، “لا يتم تثبيتها عبر حملات دورية، بل يجب تطبيق القانون بشكل دائم ومستمر وممتد في الزمان”، مؤكدا أن دولة القانون “لا تتحمل أن تكون هناك دوائر خارج القانون وخارج تطبيقه”.
وأشار المتحدث لهسبريس إلى أن هذا الأمر “قد يساعد في لحظة ما في تعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات ودولة القانون، لكن إذا لم تستمر هذه العملية ولم تكن مسألة منهجية ومؤسساتية في الدولة، فلا أعتقد أن منسوب الثقة لدى المواطنين في المؤسسات سيرتفع”.
وشدد بنخطاب على أن هذا التوجه يبين أن هناك “إصرارا على إظهار إرادة الدولة في تطبيق القانون، وهذا إيجابي جدا بالنظر إلى أن ثقة المواطنين في المؤسسات ترتكز أساسا على مدى احترام النظام السياسي والفاعلين السياسيين للمقتضيات القانونية ومدى تطبيقها على أرض الواقع، وهذا أمر يجب أن يكون مبدئيا ودائما”.
من جهته، أفاد فؤاد بلمير، باحث في علم الاجتماع، بأن مؤسسات الدولة كلها تعمل على مواجهة الفساد، موردا أنه “كلما ظهر الفساد ونهب المال العام واستغلال المناصب السياسية، تصدى القضاء لذلك”.
وقال بلمير، في تصريح لهسبريس، إنه عندما تصل الملفات إلى القضاء فإنه “يتصدى لها بقوة القانون”، مؤكدا أن جردا بسيطا لمجموعة من القضايا التي عرضت على القضاء المغربي منذ الاستقلال إلى اليوم، يظهر بشكل جلي أن “القضاء المغربي عندما تصله قضايا من هذا النوع يتصدى لها”.
وتابع موضحا أن القضاء المغربي يواكب “كل التطورات التي تحصل في هذا المجال، ويواجهها بالأساليب العصرية للحد والتصدي للفساد المتعلق بنهب المال العام الذي تستغل فيه المناصب السياسية وغيرها”.
وأكد المتحدث أن إعادة الثقة للمواطن المغربي في المؤسسات رهان مهم، والفساد “ظاهرة مجتمعية دائما يتصدى لها القانون والقضاء، وحلوله تبقي آنية وفورية وردعية، لكن من أجل التصدي وتقليص ظاهرة الفساد ونهب المال العام نحتاج إلى التركيز على الجانب التربوي والثقافي”.
وشدد الباحث في علم الاجتماع على مركزية التربية في مكافحة الفساد، لأن التربية لها “صلة وطيدة بقيم المجتمع المغربي، وهنا ينبغي أن تلعب مؤسسات التنشئة الاجتماعية، مثل الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام، دورها الكبير”.
وختم بلمير بأن “هذه أمور ضرورية وحلول استراتيجية تعيد القيم التي كان يتمتع بها المجتمع المغربي، والتي تتطور وتتماشى مع المستجدات، ونحافظ على صلابتها لنقضي على نهب المال العام والفساد، لضمان المزيد من التطور والاستقرار للمجتمع المغربي”، وفق تعبيره.
المصدر: وكالات