إقرار رسمي، مجددا، بـ”أثر فعلي” لموجة الغلاء وارتفاع أسعار عدد من المنتجات الاستهلاكية على جيوب المواطنين، جاء هذه المرة على لسان وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، في تفاعل مع أكثر من سؤال شفوي خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، مساء الثلاثاء.
نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، في ثاني مرور لها حول الموضوع نفسه في ظرف أقل من أسبوعين اعتبرت أن “الأسعار مازالت مرتفعة”، لكنها استدركت بأن “الأهمّ هو سيْرُ وتيرتها نحو الانخفاض”، على حد تعبيرها، مستعينة في تفسير ذلك بما أعلنته المندوبية السامية للتخطيط التي سجلت “انخفاض التضخم وتباطؤه في عدد من أسعار المواد الغذائية المستهلكة بين المغاربة”.
تحالف ظروف داخلية وخارجية
سجلت وزيرة الاقتصاد، مجيبة ومعقّبة عن سؤال للفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية والفريق الحركي بالغرفة الثانية، أن “التضخم له أسباب خارجية مثل اندلاع الحرب الأوكرانية، ومشاكل أسعار النقل العالمي”، كما أنه مُرتَـهِنٌ، وفقها، إلى “الأسباب الداخلية، مثل ندرة المياه ومعاناة المملكة لخمس سنوات مع الجفاف الحاد”.
وتابعت فتاح شارحة: “الفلاّحون يعانُون ولم يتمكنوا من زراعة أراضيهم في الوقت المناسب (لأن الخريف شهد تمدد فترات الحرّ)، إضافة إلى ارتفاع كلفة الإنتاج (ضاربة المثال بأن الهكتار الواحد من البطاطس يكلف 50 ألف درهم)”، مؤكدة أن الحكومة تواكب القطاع الفلاحي من خلال “غلاف مالي هام جدّا في العام 2023 بشكل يوازي قرارات دعم المدخَلات الفلاحية”.
وطمأنت المسؤولة الحكومية ذاتها بأن “تموين الأسواق يتم بشكل عادي وبالوفرة المطلوبة في جميع المنتجات والخضر والفواكه، كما سيتواصل بحلول شهر رمضان المقبل، مع مواصلة الحكومة العمل قصد التحكم في الأسعار”، رافضة ما أورده بعض المستشارين عن أن “الحكومة ظلت مكتوفة الأيدي”؛ بل “تمكّنت من تقليل أثر ارتفاع الأسعار على المواطنين والمواطنات”، وفق تعبيرها.
تقليل آثار التضخم في محيط مضطرب
لفتت الوزيرة إلى أن “كل الإجراءات التي جاءت بها الحكومة منذ بداية ولايتها قبل سنتين وإلى الآن هي معالجة الأزمات الاقتصادية المتتالية، سواء من خلال رفع الدعم المخصص للعديد من المواد في إطار صندوق المقاصة، أو دعم الماء والكهرباء والنقل”، وضربت في هذا الصدد المثال بأن “كل فاتورة كهرباء في الرباط سِعرُها نحو 110 دراهم فإن المكتب الوطني للكهرباء يؤدي حوالي 45 درهما منها”.
وفي هذا الصدد سجلت المسؤولة الحكومية تمكُّن المغرب وسط استمرار الضغوط التضخمية من ضمان السيادة الغذائية في المجال الفلاحي، مضيفة: “للأسف هذه ظرفية تفرض نفسها على الجميع، لكن الحكومة تمكنَت من تقليل آثار التضخم على المواطنين، في وقت علينا النظرُ إلى أرقام قياسية بالمحيط الـمُجاوِر للمملكة”.
وفي تعقيب لافت من المستشار امبارك السباعي، رئيس الفريق الحركي، تساءل مخاطباً الوزيرة: “هل يُعقَل في بلد فلاحي استثمَر الملايير في مخططات كبرى أن يشتري مواطنوه الطماطم والبطاطس بثمن 15 درهما للكيلوغرام؟”.
“تفعيل آليات اليقظة لمراقبة الأسواق تتم بشكل يومي”، ردت وزيرة المالية في نبرة طمأنة، قبل أن تُجدد التذكير بأن “سنة 2023 تنتهي بمراقبة أكثر من 312 ألف نقطة بيع وضبط 15 ألف مخالفة و3300 كانت موضوع إنذارات، إضافة إلى جميع التدابير الحكومية المتخذة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين”، حسب المعطيات التي سردتها أمام المستشارين.
“ندعم الطبقة المتوسطة ولو بشكل غير مباشر”
جددت الوزيرة التشديد على أن “وضعية المواطنين في صدارة أولويات الحكومة”، موردة أن “المواد الغذائية الأساسية المدعمة بُذل فيها مجهود مالي كبير خلال السنوات الثلاث الأخيرة”؛ وبحسبها فإنه “لأول مرة تم رصد دعم لسلسلة الإنتاج الفلاحي بفعل شح المياه بشكل يؤثر على المدخلات الفلاحية”.
عن “دعم الطبقة المتوسطة” الذي شكل موضوع مساءلة فريق الاتحاد العام للشغالين بالمغرب للوزيرة، قالت الأخيرة إن “الطبقة الوسطى تظل أهم مؤشر على تحقيق ما جاء به النموذج التنموي الجديد”، معتبرة أن “استفادة الطبقة الوسطى ربما لم تأتِ كإجراءات خاصة بها، لكن حاولنا مراعاة ذلك ضمن برامج خاصة، أبرزها الإجراء الجديد لدعم اقتناء سكن رئيسي، وهذا يٌسجَّل لهذه الحكومة”.
تحفيز استثمارات “مغاربة العالم”
في موضوع “تحفيز المغاربة المقيمين بالخارج على الاستثمار”، الذي أثاره مستشارو “الأصالة والمعاصرة”، لم يفت الوزيرة التأكيد أن “المغاربة المقيمين بالخارج برْهَنوا عن ارتباط ووفاء لبلدهم الأمّ عبر تحويلاتهم التي تستمر في تحطيم أرقام قياسية، تفُوق عائدات السياحة أو قطاعات اقتصادية معينة”؛ في إشارة منها إلى احتمال تجاوزها رسميا 100 مليار درهم.
وزادت فتاح في نبرة امتنان: “مَشكورين مغاربة الخارج على هذا الوفاء والمجهود”، قبل أن تستدرك بأن “هذه التحويلات لا تذهب بنسبة مُرضِية إلى الاستثمار”، مردفة: “بالطبع خاصْنا تحفيزات في هذا الإطار.. هناك عمل نقوم به في إطار ميثاق الاستثمار الجديد، تحفيزات مجالية لضمان عدالة مجالية ونَمشِيوْ أكثر في مسار تبسيط المساطر الاستثمارية”.
وطالبت الوزيرة بتغيير النظرة لصفة مستثمرين مغاربة مقيمين بالمهجر، قائلة: “وجَب تغيير المنطق والتصور لجعلهم مُمَوِّلين للاستثمارات، وهو ما نعمل عليه عبر الإطار القانوني الجديد للتمويل التعاوني Crowdfunding”؛ كما لفتت في معرض الجواب إلى أن “صندوق محمد السادس للاستثمار يعمل من أجل إطلاق مبادرات خاصة للمغاربة المقيمين بالخارج”.
المصدر: وكالات