منذ الإعلان عن إحداث نظام أساسي لقطاع التربية الوطنية، قالت عنه الوزارة بأنه سيكون محفزا ومنصفا ومشجعا، لازم الجدل هذا القانون بين نساء ورجال التعليم ممن ظلوا يحلمون بنظام أساسي موحد، وازدادت حدته حين مصادقة المجلس الحكومي عليه خلال هذا الأسبوع. وهذا ما يلاحظه المتابع للانتقادات الصادرة عن الأطر التربوية والتنسيقيات وفعاليات نقابية؛ ما يفرض طرح أسئلة عن المقاصد من وراء هذا النظام، ومدى جاذبيته؟ وهل يمكن أن يؤدي إلى هجرة الممارسات لمهنة التدريس؟ وعن المغزى من إقصائهم من منح التحفيز؟ وإلى أي حد يمكن ضمان إقبال حملة الإجازة المهنية وغيرها من الشواهد على مهنة التدريس؟
فضفاض وغير مشجع
مولود أجراوي، المفتش التربوي، قال إن “المرسوم رقم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية يبقى فضفاضا في كثير من مواده، وغير مشجع لانخراط الفئة الشابة في أسلاكه؛ وذلك للأسباب التالية: أولا، يبدو للمقبل على ولوج قطاع التربية والتكوين أن الغطاء النقابي المدافع عن حقوقه مستقبلا قد استنفد أوراقه وربما وصل إلى نهايته، وأن بناء إطار بديل يتمثل في تنسيقيات أو نقابات جديدة سيتطلب سنوات طويلة”.
وأضاف أجراوي، في تصريح صحافي للجريدة الإلكترونية هسبريس: “ثانيا، فعلى الرغم من تصريح مشروع القانون الأساسي، في ديباجته، أنه سيخضع لمقتضياته، بالإضافة إلى موظفي الوزارة السارية عليهم مقتضيات المرسوم رقم 859.02.2، الصادر في 10 أبريل 2003، بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، كما وقع تغييره وتتميمه، الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والتي تطبق عليها حاليا اثنا عشر نظاما أساسيا للأكاديميات، وتسمية الكل بالوارد البشرية، فإن غبشا يلف مصدر رواتب هذه الفئة الأخيرة، فهل من الخزينة العامة للمملكة أم من الخزينة العامة الجهوي كذلك؟”.
وتابع المفتش التربوي موضحا أن الراتب الشهري للدرجة الثانية الهزيل، حيث يرتب أطر الأكاديميات، مع لهيب الأسعار غير مشجع تماما على اختيار هذا القطاع الذي كان أمل لأجيال القرن الماضي، خاصة أن حرمان أطر التدريس من زيادة في الأجر أو تعويضات عامة سيكون طويلا؛ لأن مدة سريان مفعول القانون الأساسي الجديد يمكن أن تمتد إلى 20 سنة أخرى. وعلى الرغم من فتح أفق الترقي إلى الدرجة الممتازة، فإن المدة تتطلب عشرات السنوات من الخدمة”.
عمل بشري
من جهته، أوضح إدريس المغلشي، الفاعل النقابي، أن “من تداعيات المصادقة على النظام الأساسي الخاص بقطاع التربية الوطنية أنه خلف ردود أفعال متباينة بين القبول والرفض؛ وهو أمر طبيعي، لأنه بكل بساطة عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب ومن المستحيل أن ننتظر منه الكمال وحل جميع الإشكالات المتراكمة منذ عقدين ونصف العقد. ولعل من أبرز الضحايا لهذا المنتج أنه لم ينصف بشكل نهائي الملفات العالقة من قبيل اتفاق 26 أبريل 2011 الموقع في عهد حكومة عباس الفاسي، ولعل من أبرز معيقات تنفيذ هذا الاتفاق الغلاف المالي”.
وزاد المتحدث نفسه قائلا: “مشكل الغلاف المالي أضاع حقوق أفواج بذلت مجهودات حافظت على سيرورة المدرسة العمومية؛ وآخرها متقاعدو المنظومة والذين لن يستفيدوا من درجة خارج السلم نتيجة هذا الحوار الذي طال أمده الى حدود 2030 باعتبار القرار المشؤوم الذي سنّه عبد الإله بنكيران من قبل (متوسط الأجر للثمان سنوات الأخيرة)؛ وهو ما أثر على النظام الأساسي الجديد الذي حكمته مقتضيات ومراجع، أهمها القانون 51/17 والنموذج التنموي. وقد تجسد هذا المعطى في القراءة الأولية له، حيث حكمته جوانب؛ أهمها الضبط من أجل النجاعة من خلال كلمة الوزير في الندوة الصحافية (إرجاع الهيبة للمدرسة)، وهو مصطلح يمتح من مرجع وخلفية وزارة الداخلية في مؤسسة يحكمها البعد البيداغوجي والتربوي وليس الأمني”.
وأبرز الفاعل النقابي أن “هذا النظام الأساسي استند على دعم هذا المؤشر، من خلال تعويضات كرست الفوارق بين فئات الأسرة الواحدة عوض توحيدها؛ وهو أمر لا شك أنه سيساهم في تهجير ما تبقى من هيئة التدريس التي كانت تعقد آمالا كبيرة على هذا النظام، فتبين في الأخير أنها كانت تنتظر السراب، وهذا الشرخ ستؤدي ضريبته المنظومة. وحري بنا جميعا أن نجيب عن سؤال: هل سيساهم النظام الأساسي في استدراك اختلالات الإصلاح من خلال الرؤية (2023/2015)؟”، تساءل المغلشي في حديثة مع هسبريس.
واستدرك المتحدث ذاته قائلا: “لكن الأكيد أنه سيفتح الباب في وجه الحاصلين على الإجازة المهنية آفاقا جديدة طموحة ومحفزة، باعتبار مكاسب ناضل من أجلها جيل سابق ليستفيد منها المقبلون على الوظيفة ابتداء بالتوظيف بالسلم الـ10، وانتهاء بالدرجة الممتازة.. والأهم تجسير المرور من فئة إلى أخرى داخل الفئات الثلاث التي حددها النظام الأساسي، ولم يعد هناك مانع بين أن تكون أستاذا وتصبح مسؤولا بمعيار المباراة والتكوين”.
التأثير على المردودية
من جانبه، أكد محمد ابريجا، أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي بالمديرية الإقليمية للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بمدينة مراكش، أن هذا القانون لا شك سيؤثر على المردودية لاعتبارات عديدة؛ منها أن هناك انتظارات تتعلق بالزيادات في الأجور قبل طرحه وتخفيض الأحمال الضريبية التي تقتطع من المنبع، خاصة أمام ارتفاع التضخم وتكلفة المعيشة والسكن وتعليم الأبناء وفاتورة والعلاج؛ ما دفع بالشغيلة والتعليمية إلى دائرة الفقر، ومس بصورتها الاعتبارية في المجتمع”.
ومن الاعتبارات السلبية لهذا النظام، حسب هذا المدرس، “السخط العارم على منطق اللامساواة في إقرار الزيادة في بعض التعويضات لفئات من الشغيلة دون أخرى؛ ففئة التعليم الثانوي التأهيلية هي الأكثر تضررا، إذ إن ظروف الشغل قاسية؛ لأن التدريس يتم بأقسام تضم 48 تلميذا، ومع فئة عمرية تتطلب ليس فقط نقل معرفة بل مواكبة نفسية والتعامل بطرق بيداغوجية تستنزف الكثير من الجهد الذهني والنفسي للأستاذ، وساعات طويلة من التصحيح خارج القسم”، مقدما مثالا بتدريس مادة الفلسفة التي تسند فيها للأستاذ 10 أقسام كل واحد يضم 48 تلميذا، أي أن هذا المدرس مطالب بتصحيح أوراق 480 تلميذ(ة)، وهذا يتطلب جهدا يبلغ حوالي 40 ساعة لتصحيح امتحان واحد. أما الاعتبار الخامس، فـ”يتجلى في أن الأستاذ المرابط في قسمه ليؤدي رسالته بإخلاص هو حجر الزاوية في المنظومة التعليمية؛ لذا على الوزارة أن لا تحلم بأي إصلاح وكرامة الأستاذ مهدورة، ووضعها الاجتماعي في الحضيض”، ختم محمد ابريجا.
المصدر: وكالات