بعد وصول الإجهاد المائي بالمغرب إلى مراحل منذرة، عادت الفعاليات البيئية لتجدد المطالب “بضرورة اتجاه المغرب نحو “الفلاحة الذكية”، والحسم مع أنماط الفلاحة الحالية، بدعوى أن الأخيرة تستنزف حوالي 90 في المائة من الفرشة المائية بالبلاد”. وما زالت هذه “الإدانة البيئية” للقطاع الفلاحي مستمرة، بدعوى “الاستغلال غير المعقلن للموارد بالرغم من التوصيات الرسمية الكثيرة”.
وبحكم توالي سنوات الجفاف وندرة التساقطات المطرية واستمرار الزراعات المستنزفة للمياه من قبيل البطيخ الأحمر والأفوكادو، أقر الباحثون في قضايا المناخ والتنمية المستدامة بأن “الاتجاه نحو الفلاحة الذكية هو الحل الأخير المتبقي للمغرب، للزيادة من إنتاجية القطاع وكذلك للحفاظ على حق الأجيال الحالية والمستقبلية من الثورة المائية الوطنية”.
أيوب كرير، باحث في المناخ والتنمية المستدامة، أكد أن “التقلبات المناخية التي يعرفها المغرب جعلت الفلاحة الذكية من بين أهم مطالب الحركات البيئية المغربية، التي تابعت قدرة هذا النوع من الفلاحة في تجارب عديدة على الحد من الاستنزاف الفظيع الذي يحدث للفرشة المائية السطحية والباطنية”، موضحا أن “هذه الفلاحة أساسها سليم يقوم على التدبير المستدام للزراعة بدون الإضرار بالموارد الطبيعية، بما فيها الماء تحديدا”.
وشدد كرير، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، على أن “هذه الفلاحة لا تضر أيضا بالتربة وبالمنتوج الفلاحي، لكونها لا تعتمد إطلاقا على المبيدات الخطيرة التي تؤثر على البيئة والنباتات وصحة الإنسان”، منبها إلى أنها تعتمد على “بذور معدلة، ليس وراثيا، من خلال البحث العلمي والزراعي، بشكل يجعلها لا تستغل المياه، وتحاول أن تستفيد من الماء بطريقة ضئيلة جدا، مع محاولة ضمان إنتاجية ملفتة”.
وقال المتحدث بأن “هذه الفلاحة ستمكن المغرب من مجابهة التغيرات المناخية، لكونها تتكيف وتتناسب مع طبيعة الجو، خصوصا أننا نعيش تغييرا كبيرا في درجة الحرارة، ولم يعد الجو ملائما لزراعات كانت في حاجة إلى جو رطب وما إلى ذلك”، مؤكدا أن “الزراعات الذكية تشكل نسقا يتضمن مجموعة من الطرق، وتوجد دول كثيرة ذهبت في هذا الاتجاه واستغلت مجموعة من الأراضي في هذا الشكل الحديث من أنماط الفلاحة”.
وأضاف الباحث في الشأن المناخي أن “الفلاحة الذكية تقلص أيضا من المساحات، بحيث تقدم نموذجا للفلاحة بدون تربة، أي بدون أراض شاسعة؛ ومجموعة من الزراعات والخضر والفواكه صارت تزرع في فضاءات مغلقة أو في بيوت”، مسجلا أن “هذه الزراعات تحتاج اليوم إلى دراسات علمية وميدانية لتحديد كيفية استلهامها في المغرب، ويجب أيضا تشجيع العنصر البشري للإقبال عليها من خلال تمكينه من وسائلها وتقنياتها التكنولوجية”.
من جانبها، أكدت نادية حمايتي، الباحثة في المناخ والتنمية المستدامة، أنه “لم يعد هناك خيار من غير الاتجاه بسرعة نحو ورش الزراعة الذكية؛ فالعديد من البلدان الإفريقية ذهبت في هذا الاتجاه، وأثمرت نتائج مهمة ساعدت في تشييد أنظمة فلاحية صديقة للبيئة وغير مستنزفة للمياه”، مضيفة أن “الانفتاح على البدائل الجديدة، خصوصا في المجال الفلاحي، سيساعد المغرب في عصرنة فلاحته”.
وأفادت حمايتي، ضمن دردشة مع هسبريس، بأن “هذا المشروع لازال في حداثة عهده؛ لكن بلدانا كثيرة التقطته واستفادت منه في إطار محاولات التكيف مع تطرف المناخ، خصوصا في قارتنا المعروفة بأنها من بين المناطق الأكثر تأثرا في العالم بظاهرة الاحتباس الحراري”، مشيرة إلى أن “التكنولوجيا الحديثة تمكننا من زراعة مجموعة من المنتوجات بطرق مختلفة وناجعة، خصوصا أن التوازنات الإيكولوجية مهددة بسبب الزحف العمراني واستنزاف الغطاء الغابوي”.
وأبرزت المتحدثة سالفة الذكر أن “هناك شبابا مغاربة قدموا تجارب ناجحة في مزارع نموذجية، ويجب تشجيعها وتبين كيف تمكنوا من خلق فلاحة مستدامة، بموارد قليلة وباستعمال معقلن للمياه، لا سيما أن إنتاج هذه المزارع محترم يمكن استثماره للاستهلاك الذاتي بالنسبة لقرية أو ضيعة ما”، منبهة إلى “ضرورة التراجع عن الزراعات المستهلكة للمياه، لكونها تعرض البلد كلها لأزمة مائية، وهذه الفلاحات لا تمت بأية صلة إلى الفلاحة الذكية”.
المصدر: وكالات