احتضنت مدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء المغربية، وزراء سابقين وفاعلين سياسيين وأساتذة جامعيين وخبراء مدنيين، أمس الخميس، ضمن برنامج المحطة الثانية من فعاليات “العيون عاصمة المجتمع المدني”، لمناقشة موضوع “آفاق المشروع التنموي للحكم الذاتي بعد القرار الأممي وإعلان السيادة المغربية على أقاليمه الصحراوية”.
وافتتح عبد الرحيم البطيوي، عضو مكتب منظمة المجتمع المدني الدولية لقيم المواطنة والتنمية والحوار “إيكسو”، الجلسة الافتتاحية للندوة العلمية، مبرزا أن هذه المحطة الثانية من فعاليات “العيون عاصمة المجتمع المدني” تنقسم إلى ثلاث مراحل، مشيرا إلى أن المرحلة الأولى تشمل مائدة مستديرة حول موضوع الصحراء، وتكوينا تأهيليا لفائدة الجمعيات النسوية بمدينة العيون، إلى جانب إعطاء الانطلاقة الرسمية للموسوعة الحضارية والثقافية لجهة العيون الساقية الحمراء، بينما ستنظم المرحلة الثانية والثالثة مائدة مستديرة في مدينتي سلا وفاس على التوالي.
وركز البطيوي، في كلمته، على أهمية استمرار هذه المبادرات في تعزيز دور المجتمع المدني في الصحراء المغربية، مؤكدا أن “الهدف من هذه المحطة هو وضع أسس للنقاش العلمي والسياسي حول مشاريع التنمية المحلية والحكم الذاتي، والمساهمة في تثبيت السيادة المغربية وتعزيز الرقي الثقافي والاجتماعي للأقاليم الجنوبية”.
من جانبه شدد مصطفى الزباخ، رئيس منظمة “إيكسو”، في كلمته، على السياق الذي جاء فيه هذا اللقاء، لافتا إلى أن هذه الندوة تأتي استمرارا لفعالية “العيون عاصمة المجتمع المدني المغربي 2025″، التي انطلقت محطتها الأولى يوم 23 ماي 2025، مبرزا أن “هذه الفعالية تتزامن مع الاحتفاء بالقرار الأممي رقم 2797، وتؤكد على الجهود الحثيثة لجميع الفاعلين تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس”.
كما سلط الزباخ الضوء على الموروث الثقافي المتنوع والمشترك بين المغاربة، خاصة التراث الحساني في الأقاليم الجنوبية، الذي يعكس بحسبه “الرقي الثقافي للمنطقة عند دمجه مع الموروثات الأدبية الأخرى مثل الملحون”، مشيدا في الوقت نفسه بالمساهمة الجماعية لكافة مكونات المجتمع المغربي في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، ومؤكدا أن “المجتمع المدني عنصر أساسي في تعزيز هذه المكتسبات”.

أما حسن سليغوة، رئيس جمعية فاس سايس، فأثنى على الدور الريادي الذي تقوم به جمعيات المجتمع المدني في مدينة العيون، وعلى المستوى الوطني، مستحضرا أنها تشكل دعامة أساسية في تعزيز القضايا الوطنية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية.
وأكد سليغوة أن جمعية فاس سايس تقوم بمجموعة من الأنشطة والتظاهرات التي تعكس التزام المجتمع المدني بخدمة القضايا المختلفة، خاصة في الأقاليم الجنوبية، بما يعكس الدور المؤثر للمجتمع المدني في التوعية السياسية والتنموية وبلورة برامج ملموسة على أرض الواقع.
وفي مداخلته ركز عبد النبي السباعي، أستاذ علم التدبير والكاتب العام لجمعية فاس سايس، على الدور المجتمعي لجمعيات المجتمع المدني، مذكر بـ”الخطط الإستراتيجية والتحديات التنموية على ضوء عيد الوحدة”، وموردا أن “إعادة صياغة دور المجتمع المدني أصبحت ضرورة لتأهيله لخوض غمار التفكير في مشاريع ذات أثر واضح وقابل للقياس على المجتمع”.
وأضاف السباعي أن هذا المسار يعتمد على مؤشرات وأساليب علمية تمكن من رفع جاهزية المجتمع المدني لتتوافق مع أهداف دستور 2011، وهو ما يعزز قدرته على الانخراط في برامج تنموية وإستراتيجية تضمن أثرا ملموسا ومستداما على مستوى المجتمع المحلي والوطني.

واستعرض فؤاد أعلوان، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، التحولات البنيوية في الموقف الأوروبي من مبادرة الحكم الذاتي، مشيرا إلى أن أوروبا شهدت تحولا تدريجيا نحو الواقعية السياسية بعد عقود من التردد بين الحياد والانخراط الحذر.
وتابع أعلوان: “إن هذا التغيير لم يكن حدثا معزولا، بل نتج عن تفاعل معقد بين الدبلوماسية المغربية والمجتمع المدني، حيث لعبت هذه الدينامية دورا محوريا في تعزيز الموقف المغربي دوليا، خصوصا خلال الفترة الممتدة من 2020 إلى 2025، التي شهدت تغييرات ملموسة في السياسة الأوروبية تجاه مبادرة الحكم الذاتي المغربية”.
من جانبه تركزت مداخلة حمادة لبيهي، رئيس رابطة الصحراء للديمقراطية وحقوق الإنسان، على الأبعاد الاجتماعية والسياسية لإطار الحكم الذاتي بعد اعتماد مجلس الأمن القرار رقم 2797 في 31 أكتوبر 2025، الذي وصفه بـ “محطة فارقة في نزاع الصحراء المغربية”.
وكشف لبيهي أن القرار نص صراحة على أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الصيغة الأكثر قابلية للتطبيق، مع إعادة تعريف مبدأ تقرير المصير من الاستقلال إلى الحكم الذاتي الداخلي، مضيفا أن القرار يعالج مختلف الأبعاد الاجتماعية والسياسية للصحراويين، ويضع الجزائر أمام خيار الانخراط في إطار يقبل بالسيادة المغربية أو البقاء في عزلة عن العملية الأممية.

من جهته سلط عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا وتش”، الضوء على سياق اعتماد القرار رقم 2797 ومسار تنفيذ مقترح الحكم الذاتي المغربي لعام 2007، مسجلا أن هذه اللحظة شكلت نقطة تحول تاريخية في النزاع الممتد لما يقرب من خمسين عاما، بعد أن وضعت الأمم المتحدة مقترح المغرب كأساس للمفاوضات، مع التأكيد على أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق.
كما تطرق الكاين لمسار المفاوضات الوطنية والجهوية التي أطلقها المغرب بعد القرار، مذكرا بأن هذه المشاورات تهدف إلى وضع آليات تنفيذية محددة، وضمان مشاركة السكان المعنيين، وإعادة إدماج سكان مخيمات تندوف ضمن النسيج الوطني، وإقرار مصالحة شاملة لتحقيق استقرار اجتماعي وسياسي مستدام في المنطقة.
وتعليقا على الحدث قال رشيد البقالي، مدير الشؤون الثقافية بمنظمة المجتمع المدني الدولية لقيم المواطنة والتنمية والحوار – إيكسو، إن تنظيم هذه المائدة المستديرة يأتي في إطار دينامية وطنية متجددة تهدف إلى تعزيز حضور المجتمع المدني في الدفاع عن القضايا الكبرى للوطن، وفي مقدمتها ترسيخ مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

وأضاف البقالي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن القرار الأممي الأخير أعاد التأكيد على وجاهة المقاربة المغربية، وهو ما فتح آفاقا واسعة أمام نموذج تنموي جديد بالأقاليم الجنوبية يرتكز على الحكامة، والمشاركة المحلية، واستثمار الثروات بما يضمن كرامة الإنسان ويدعم إشعاع المغرب في محيطه الإقليمي والدولي.
ونبه المتحدث ذاته إلى أن المجتمع المدني أصبح اليوم شريكا أساسيا في صياغة الرؤى المستقبلية، من خلال تعزيز قيم الحوار والانفتاح، وتحصين مكتسبات الوحدة الترابية بروح المسؤولية واليقظة المواطنة.
كما أكد حميد بودار، مدير المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية بالمنظمة، أن أهمية هذه المائدة المستديرة تكمن في مواكبتها التحولات الإيجابية التي يعرفها ملف الصحراء المغربية بعد القرار الأممي الأخير، الذي عزز وجاهة مقترح الحكم الذاتي.

وأوضح بودار، في حديث لهسبريس، أن المرحلة الراهنة تتطلب رؤية إستراتيجية تُشرك الفاعلين المدنيين والباحثين في دعم النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية، بشكل يرسخ الاستقرار ويعزز مكانة المغرب في محيطه الإقليمي.
وخلص المصرح إلى أن مثل هذه المبادرات العلمية والحوارية تمثل منصة مهمة لإعادة ترسيخ السياسات التنموية، والتأكيد على دور المجتمع المدني في إنجاح المشاريع الكبرى التي تخدم مصالح الوطن والمواطنين.
المصدر: وكالات
