إنها توحي اليوم أيضا، من خلال أسوارها الشاهقة وبواباتها العاتية، بمنظر قلعة محصنة، لا يأتيها الغزاة لا من بين مداخلها ولا من خلف جدرانها؛ إنها جزء من ثلاث مدن كونت منذ نشأتها عام 1267 حتى سنة 1912 مدينة فاس الكبيرة.
حين يطل الواحد من علياء مرتفعات مدافن المرينيين على ذلك الامتداد من المباني الملحومة ببعضها تتراءى له فاس الجديد كمد غير منفصل عن فاس البالي بعدوتيه القرويين والأندلس، لكن حين يمخر عباب منعرجاتها ودروبها تلاقيه مدينة تنافي المدينة العتيقة، في تفردها بذاتها من حيث هندستها المعمارية، توزيعها الجغرافي أو نوعية ساكنتها؛ إنها تعطي ذلك الانطباع بماضيها العسكري والإداري، حداثة نشأتها بعد حوالي 500 سنة من المدينتين القديمتين، فهي لم تُنشأ على منوال المدن العتيقة، ليست فيها أسواق لنوع تجارة محددة، ولا مجمعات حرف معينة مثل النجارة، الحدادة، الصباغة أو الدباغة، ولا تتوفر على مركز تجاري مثل “القيسارية”.
كل النشاطات التجارية تمضي في شارعها الوحيد الذي يعبر المدينة، من باب صنهاجة (باب السمارين) غربا حتى ساحة باب المشور الجديد، شارع فاس الجديد، ويسمى “طالع وهابط”. لقد جُعل هذا الشارع ـ السوق، المكتنز بالدكاكين وبعض الفنادق يمنة ويسرة، منذ النشأة الأولى واسعا ومستقيما، وكذا الدروب والأزقة التي تقبع خلف طرفيه، التي تعرف ناحية منها باسم “ظهر الحوانت”، خلافا لشوارع ودروب المدينة العتيقة؛ فهي لا تشكل تلك المتاهة التي نلاقيها في هذه الأخيرة. كما أن للمدينة عددا من الأبراج والتحصينات التي تبين مهمتها الدفاعية، وحيازتها القصر الملكي الممتد على مساحة شاسعة من المدينة.
عاصمة على الهامش
لم تنل فاس الجديد من الاهتمام التاريخي والدراسة العمرانية والاجتماعية إلا القليل مما نالته مدينة القرويين، كما لم يشر إليها في المصادر التاريخية وفي تقارير الرحالة إلا عرضا، وبقيت منذ نشأتها كعاصمة للمغرب، التي تحمل اسم المدينة البيضاء، تمييزا لها عن المدينة القديمة، التي أخذت جدرانها ومبانيها نوعا من القدم والتبالي، وكعلامة رسمية تشير علنا إلى بداية عهد مغرب جديد مع دولة جديدة، تعيش في ظل أختها القديمة والكبيرة المدينة العلمية والروحية فاس الإدريسية.
لقد كانت وراء عدم الاهتمام هذا العديد من الأسباب، التي ساهمت في هذا الظل الذي خيم على المدينة من الناحية الثقافية والاجتماعية. فالمدينة لم يشملها ذلك الفيض الكبير من المنشآت الثقافية والعمرانية مثل المدارس العلمية والمكتبات والمساجد والقصور الضخمة، ومدافن العلماء وأضرحة الأولياء، مثلما نلاقيه في المدينتين الأخريين. ووجود جامعة القرويين وضريح مؤسس المدينتين مولاي إدريس في عدوة القرويين وجامع الأندلس في العدوة الشرقية ساهم بشكل أو بآخر في جعل فاس الجديد لا تعرف تلك الهالة التاريخية والعلمية والثقافية وذلك التوسع العمراني. ونشوء مدينة فاس الجديد، كعاصمة لدولة لم تقم على مرتكزات دينية مثل الدول التي سبقتها، وكبديل إستراتيجي للمدينة القديمة، لم يجعلها مغرية لإقامة عدد من الشخصيات العلمية والسياسية، التي كانت في خدمة البلاط المريني، بل فضلت السكن في عدوة القرويين، مثل ابن خلدون وابن الخطيب وآخرين، في فترات الدول المتعاقبة حتى في العصر العلوي.
لقد كانت مبادرة أبي سعيد عثمان بن يعقوب (1310 ـ 1331) المريني من أجل جعل عاصمة دولة أجداده فاس الجديد تتبوأ تلك المكانة الثقافية والعلمية، التي تتماشى مع الدولة الجديدة والمدينة الجديدة، أن أمر في العام نفسه (1320 م) الذي رمم فيه مدرسة الحلفويين (الصفارين)، التي يعود إنشاؤها إلى عصر المرابطين، ببناء أول مدرسة في فاس الجديد، ستحمل لاحقا اسم مدرسة فاس الجديد أو مدرسة دار المخزن؛ وهي فاتحة المدارس التي بناها السلاطين المرينيون في كل الدول التي كانت تحت سيطرتهم. وقد كان هذا الإنشاء يدخل في إطار مقومات المدينة الجديدة والسياسة العلمية والثقافية للدولة الجديدة.
ثمن العصيان والإنشاء
هناك من يرى أن إنشاء مدينة فاس الجديد، من أجل أن تكون مدينة مرينية مستقلة ثقافيا وعلميا وسياسيا وحتى تجاريا، عن غيرها من مدن فاس القديم، كانت له عدة أسباب، منها ما هو إستراتيجي ومنها ما هو سياسي. إذ لم تكن هناك موانع تحول بين المرينيين كورثة حكم الموحدين وأن يتخذوا مدينة مراكش عاصمة لهم، التي كانت عاصمة خلفاء الدولة المنقرضة الموحدية، وذلك لما أنشأ فيها هؤلاء من القصور والحدائق والمساجد والمستشفيات، يصفها بكل إعجاب مؤرخون مثل عبد الواحد المراكشي، الذي عاش في زمن دولة الموحدين. غير أن اختيار المرينيين فاس عاصمة كان، زيادة على الإعلان عن فترة جديدة في تاريخ السلطة السياسية في المغرب، ضرورة الحصول على تزكية دينية، وذلك من خلال العودة إلى عاصمة دولة آل البيت الأدارسة، التي مثلت الدولة المغربية المستقلة عن سلطة الأمويين في الأندلس والعباسيين في الشرق.
ثم لاحقا، جاءت أيضا محاولة إنشاء مركز علمي خاص بالمدينة الجديدة، مستقل عن سلطة القرويين الدينية والعلمية ومنافستها، من خلال إنشاء مدرسة فاس الجديد. غير أن هذه المحاولة العلمية لم يكتب لها ذلك التطور والمكانة التي تجعلها مركزا علميا مثل المدارس المنشأة لاحقا من طرف السلاطين المرينيين أنفسهم في كل من عدوة القرويين والأندلس أوفي غيرهما من المدن التي كانت تحت سلطة المرينيين.
كما أن هناك من يرى أن إنشاء مدينة فاس الجديد في معزل عن فاس الأم ومجاورة لها جاء نتيجة ذلك التوتر الذي كان يطبع العلاقة بين الدولة المرينية في بدايتها وسكان فاس. ففي سنة 1250م، اضطر السلطان أبو بكر ابن عبد الحق إلى الخروج من فاس غازيا، فانتفض الفاسيون أثناء غيابه ضد ولاته على المدينة انتصارا للموحدين. ولم يستسلم الفاسيون إلا بعد حصار من القوات المرينية دام تسعة أشهر. بعد الاستسلام تم تغريم الفاسيين مائة ألف قطعة ذهبية، وحين تأخروا في الدفع قطعت بأمر من أبي بكربن عبد الحق رؤوس ستة من أعيانهم وعلقت على مشارف المدينة.
عن هذا الحادث يقول ابن خلدون في تاريخه: “ورفع على الشرفات الرؤوس وأخذ الباقي بغرم المال طوعا أو كرها، فكان مما عبد رعية فاس وقادهم لأحكام بني مرين”. لقد كانت هذه الأحداث إيذانا باحتمال تجدد انتفاضة رعية فاس وتكرارها، ما دفع السلاطين المرينيين إلى اتخاذ كل التدابير، والتفكير في مدينة مرينية مستقلة عن فاس القديمة بمنشآتها العلمية والعسكرية.
وفي عام 675هـ أسس السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق مدينة فاس الجديد، بخصوصية معينة، مدينة مشرفة على المدن الأخرى. لقد تأسست مدينة فاس الجديد كقلعة مخزنية ملكية وعاصمة للمغرب بعد قيام دولة المرينيين، واستمرت هذه المدينة، بحكم احتوائها على القصر المكي (دار المخزن) عاصمة للمغرب من منذ تأسيسها ومقرا للسلطات التي تعاقبت على حكم البلاد: الدولة المرينية ثم الوطاسية والعلوية، باستثناء الدولة السعدية، (1510 ـ 1659) التي اتخذت تارودانت ثم مراكش عاصمة لها، إلى سنة 1912 حين تحولت عاصمة المغرب إلى مدينة الرباط.
من الإدارة إلى العمران
حين استولى المرينيون على فاس سكنوا أولا في إقامات ولاة الدولة الآفل نجمها، القصبة الموحدية التي تعرف اليوم بقصبة بوجلود؛ التي تعاقب عليها عمال المرابطين ثم الموحدين. لقد كان بإمكان المرينيين أن يوسعوا دائرة هذا المقر ويجعلوا من الأراضي المجاورة له سكنا لجميع هيئات سلطتهم السياسية، غير أن الحذر والريبة التي كانت تخيم على العلاقة بينهم وبين أهل فاس جعلتهم يبتعدون بإقامتهم عن المدينة الإدريسية وينشئوا مدينة جديدة محصنة بخطين من الأسوار المنيعة من جميع جوانبها، بهدف أن تكون في مأمن من كل الانتفاضات والثورات التي قد يكررها الفاسيون؛ ومن جهة أخرى لم يرغبوا في أن يبنوا مجد دولتهم الحديثة على أنقاض دول سبقتهم واضمحلت، وهذا فأل شؤم.
وعن هذه المدينة الإدارية ونشأتها الجديدة، التي شرع في بنائها أبو يوسف يعقوب، وتم تأسيسها بالدرجة الأولى لإقامة قبيلة بني مرين ومن سيخدمها لاحقا، يروي ابن الأحمر في “روضة النسرين في دولة بني مرين”: “ولما تم سورها بنى بها قصره والجامع الأعظم والسوق الذي حده من باب القنطرة التي يقال لها الآن باب الوادي (باب دار المخزن) المصاقبة إلى باب السبع (باب الدكاكين) إلى باب عيون صنهاجة (باب السمارين) والحمام الكبير. وأمر السلطان الوزراء وأشياخ بني مرين ببناء الدور بها، وكلفت همم الملوك من بنيه بها، فشيدوا القصور الضخمة الرائعة المنظر المختلفة الأسماء، وجلبوا إليها الماء العذب من العين المعروفة بعين عمير. وهذه المدينة يأتيها الوادي المسمى واد الجواهر”.
لقد عرفت مدينة فاس الجديد كغيرها من المدن تحولات وتجديدا وزيادات وتوسيعا، سواء إبان الدولة المرينية أو العلوية، فقد بنيت بها مساجد مثل مسجد الحمراء في الشارع الكبير. وتميزت فاس الجديد عن فاس البالي من الناحية العمرانية باستقامة شارعها وسعته، وكذا الممرات الفرعية والدروب وشساعة الساحات، مثل ساحة المشور أو ساحة باب المكينة لاحقا. ويقدم حسن الوزان وصفا كشاهد على عصر الوطاسيين في كتابة وصف إفريقيا فيقول: “مدينة فاس الجديدة محاطة بأسوار بديعة عالية حصينة للغاية، وقد بنيت في سهل بهيج، قرب النهر، على مسافة ميل تقريبا غرب المدينة القديمة، إلى الجنوب قليلا. ويمر بين السورين ذراع من النهر الذي يتجه نحو الشمال، والذي تقع عليه الطواحين. وينقسم الذراع الآخر لهذا النهر إلى فرعين يمر أحدهما بين المدينة القديمة والمدينة الجديدة، إلى جانب القصبة، ويتابع الآخر سيره في الوادي وسط مزارع الأشجار القريبة من المدينة القديمة حتى يدخلها من الطرف الجنوبي. ويمر الذراع الذي يخترق القصبة من مدرسة الملك أبي عنان. وقد بنى يعقوب بن عبد الحق وهو أول ملك من بني مرين هذه المدينة”.
حدائق المرينيين الملكية:
لقد شهدت فاس الكبيرة بمدنها الثلاث في العصر المريني ازدهارا عمرانيا لم تشهد مثله من قبل ولا من بعد، حيث كثر تشييد المدارس العلمية والمكتبات، فسميت هذه الدولة “دولة العلماء”. كما تم الاهتمام بالحدائق والمنتزهات، التي مثلت رفاهية الدولة ومجالا لترفيه الساكنة، فقد عزم السلطان أبو يوسف يعقوب على إنشاء منتزه واسع ذي أجنحة وأروقة، غير أن الموت باغته قبل إتمام هذا المشروع الضخم، فأتمه خليفته ابنه يوسف عام 1287، سنة بعد وفاة أبيه.
ولأجل إتمام هذا المشروع الضخم، كلف السلطان المهندس الأندلسي ابن الحاج الإشبيلي بالإشراف على أشغاله. هذا المنتزه، الذي كان شمال فاس الجديد، والذي كانت مساحته 67 هكتارا؛ كما تم تزويده بمياه “واد فاس”، التي كانت تصل أولا إلى قناة ملحقة بباب الدكاكين، ثم من هناك إلى باب الساكمة ثم إلى ثلاثة أحواض مربعة كبيرة موزعة عبر الحدائق، وكل هذا عبر ناعورة كبيرة بلغ قطرها 26 مترا وعرضها متران، أنشئت خصيصا لهذا الغرض.
غير أنه وللأسف قد طال الخراب هذا المنتزه الكبير وفي النهاية اختفى تماما خلال مرحلة السعديين، الذين تراجع ازدهار فاس إلى حد كبير في فترة حكمهم، حين أصبحت عاصمة دولتهم مدينة مراكش. ولم يبق من المنتزه إلا المصلى المعروف اليوم بمصلى باب الساكمة. كذلك أنشأ المرينيون لأول مرة في تاريخ المغرب منطقة جديدة في الجانب الجنوبي من فاس الجديد عبارة عن مدينة مصغرة مستقلة بمداخلها وأسوارها ومنتزهها، معزولة تماما عن أحياء سكان فاس الجديد، لإقامة أكبر وأقدم الجاليات اليهودية في المغرب. هذه المنطقة التي كانت سابقا مستودعا للملح، وتسمى “الملاح”، هذا الاسم الذي سيطلق لاحقا على كل الأحياء اليهودية في كل مدن وقرى وواحات المغرب، باستثناء مدينتي صفرو والصويرة.
بعد نهاية الدولة المرينية عام 1465م وقيام دولة أبناء قبيلتهم الوطاسيين بزعامة محمد الشيخ الوطاسي، توقف النشاط العمراني في مجموع مدن فاس الثلاث، فكانت هناك أحداث جعلتهم يصرفون إمكانياتهم المادية على التسلح وتقوية الجيش من أجل خوض حروب لإخماد الثورات والانتفاضات التي صاحبت توليهم حكم المغرب، فقد بايع أعيان فاس في مرحلة نهاية المرينيين أبي عبد الله الإدريسي عام 1464م..(استيلاء البرتغاليين على أصيلة سنة 1471، ولاحقا العديد من السواحل الأطلسية.. سقوط غرناطة سنة 1492 ولجوء الأندلسيين إلى المغرب وتفرقهم فيه وعلى رأسهم أبو عبد الله الأحمر، الذي لجا إلى محمد الشيخ الوطاسي في فاس). وكان لهذه التطورات والأحداث أثر على توقف النشاط العمراني، في مرحلة الوطاسيين، وتقلص الاهتمام بالمرضى وبالميدان الطبي عامة من مستشفيات وفنادق، مع إهمال المنتزهات. فغير تجديد بناء قنطرة الرصيف الرابطة بين عدوة القرويين والأندلس على يد أبي العباس الوطاسي لم يسجل عمل عمراني أو ثقافي كبير في المرحلة الوطاسية.
بقيت فاس الجديد على شكلها المريني إلى قيام دولة السعديين، الذين دخلوا فاس سنة 1554م بعد فترة من التدهور والصراعات التي عرفها المغرب؛ وقد قاموا ببعض الإنجازات العمرانية مثل بناء أروقة في جامع القرويين وعدد من القصور وترميم أسوار في المدينة القديمة وبناء البرجين المهيبين المطلين على المدينتين الإدريسيتين من جهة الشمال والجنوب… أما في فاس الجديد فأضافوا ثلاثة معاقل لأسوار المدينة الهائلة فعلا على جانبها الشرقي، المعروفة ببرج الشيخ أحمد وبرج بو طويل، وبرج سيدي بو نافع، كما قاموا بتحصينات إضافية للأسوار الغربية للمدينة، بالقرب من باب أكدال، كما حدثت في فترتهم تطورات أخرى مهمة في فاس الجديد.
تجديد فاس الجديد
بعد انهيار دولة السعديين السريع (1510 ـ 1659) تولت حكم المغرب الدولة العلوية عام 1666 ومعها ظهر الاهتمام من جديد بمدينة فاس الجديد، غير فترة حكم مولاي إسماعيل، الذي نقل العاصمة إلى مكناس.
لقد ظهر هذا الاهتمام بفاس الجديد كعاصمة للدولة الجديدة جد مبكر منذ ولاية أول سلاطين الدولة العلوية مولاي رشيد، الذي أمر عام 1671 ببناء صحن واسع مستطيل الشكل في الجزء الشرقي من القصر الذي كان في السابق محاطا بالأحياء السكنية، وذلك بقطع أحد الشوارع المحلية. يعد هذا البناء واحدا من عدة توسعات القصر على حساب المناطق السكنية العامة لفاس الجديد. كما بنى مولاي رشيد قصبة الشراردة الشاسعة شمال فاس الجديد لإيواء قواته المكونة من القبائل، وقد أضاف سكن القوات هنا أيضًا مساحات جديدة إلى فاس الجديد، بما في ذلك المنطقة الشمالية الغربية التي أصبحت تعرف بحي مولاي عبد الله الجديد، من أوائل القرن الثامن عشر فصاعدًا؛ وهو المكان الذي حكم فيه السلطان مولاي عبد الله (ما بين 1729 ـ1757 م)، حيث شيد مسجدًا كبيرًا ومقبرة ملكية للسلالة العلوية…ووفقًا لبعض المصادر فإن خليفته السلطان محمد بن عبد الله هو من أنشأ المشور الجديد (شمال المشوار القديم)، غير أن آخرين يرون أن بناءه تم بعد قرن من الزمن على يد الحسن الأول. ففي القرن الثامن عشر تم بناء مئذنة مسجد مولاي عبد الله، وفي القرن التاسع عشر تم بناء معمل السلاح دار الماكينة، وكذا منتزه جنان السبيل، وبذلك تم ربط فاس الجديد وفاس القديم عبر هذه المنتزهات والقصور الصيفية التي امتدت حتى بدايات المدينة القديمة، أبرزها قصر البطحاء وعدد من الأسوار، وشق طريق يصل ساحة باب بوجلود بباب المشور الجديد.
لا يمكن في هذه العجالة رصد كل الإنجازات والتوسعات التي أجراها السلاطين العلويون في فاس الجديد. لقد عرفت وتعرف حتى اليوم فاس الجديد مزيجا من الساكنة القادمة من مناطقة مختلفة من بلاد المغرب، ما جعلها تتميز عن ساكنة المدينتين الأخريين سواء في عاداتها وتقاليدها وطقوسها في الفرح والمأتم والتصاقها من جهة بالساكنة اليهودية لقرون عديدة، ومن جهة أخرى بدار المخزن، ما جعلها تمثل الطبقة الإدارية والعسكرية التي ستساهم بشكل بين في مسار الحياة السياسية المستقبلية في المغرب.
المصدر: وكالات