أصبحت وقائع اغتصاب الأطفال في المغرب تحظى بنقاش عمومي واسع، لا سيما بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، لكن سرعان ما يُترك الضحايا لمصيرهم في ظل غياب أي مواكبة نفسية لهم.
تكشف المعطيات التي يقدمها الأخصائيون في علم النفس أن عدم مواكبة الأطفال ضحايا الاغتصاب بالعلاج النفسي يشكل خطرا عليهم مستقبلا، ذلك أن نسبة عالية منهم تعيد ارتكاب اعتداءات جنسية عندما تكبر كنوع من الانتقام مما تعرّضت له في الصغر.
وأعادت واقعة الاعتداء الجنسي الذي تعرض له أطفال على يد رئيس جمعية خلال رحلة في مدينة الجديدة، موضوع الدعم النفسي للأطفال ضحايا الاغتصاب إلى الواجهة، حيث طالبت عائلات الضحايا بتوفير الدعم النفسي لأبنائها من أجل مساعدتهم على تجاوز آثار ما تعرضوا له.
“أناشد الجمعيات المهتمة بحقوق الطفل أن تُوفد فريقا من الأطباء النفسانيين وأطباء الأطفال لمعالجة أبنائنا”، يقول المتحدث باسم عائلات الضحايا في تصريح لهسبريس، مضيفا أن الأمهات يوجدن في حالة يرثى لها ويحْتجن بدورهن للدعم النفسي.
تداعيات خطيرة
بشرى المرابطي، أخصائية نفسية باحثة في علم النفس الاجتماعي، أوضحت أن الدراسات العلمية أكدت أن الأطفال ضحايا التحرش الجنسي أو الاغتصاب يكونون في بنْية نفسية هشة معرّضة لكل أنواع الاضطرابات التي تنجم عنها تكلفة نفسية عالية، مثل الاكتئاب، والقلق، والتبول اللا إرادي، والكوابيس.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن أكثر من 60 في المئة من الأطفال ضحايا الاغتصاب يمارسون الاستغلال الجنسي على أطفال آخرين عندما يكبرون.
تعليقا على ذلك، قالت المرابطي، في تصريح لهسبريس، إن هذا المعطى تؤكده وقائع موثقة، مثل حالة “سفاح تارودانت”، الذي كان في صغره ضحية لجريمة اغتصاب على يد ثلاثة عشر شخصا، وعندما كبُر أعاد اقتراف الجريمة نفسها، مدفوعا بالأحداث الذي ظلت مخزنة في لا وعيه، حيث كان يغتصب أطفالا ثم يقتلهم وينام على قبورهم.
وأوضحت الأخصائية النفسية أن جريمة التحرش الجنسي أو الاغتصاب في مرحلة الصغر تُلقي بظلالها على نفسية الضحية عندما يكبر، مشدّدة على ضرورة تمكين الضحايا من العلاج النفسي.
وبالرغم من أن الأطفال ضحايا الاغتصاب يحتاجون إلى العلاج النفسي، إلا أن نسبة ضئيلة جدا تستفيد منه، بينما تُترك البقية لتتعايش مع “عُقدها النفسية”، ما يجعل فئة منهم “مشاريع مغتصِبين” في المستقبل.
عمر أربيب، رئيس فرع المنارة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي واكبَ ملفات عدد من الأطفال القاصرين في المحاكم، اعتبر أن الأغلبية المطلقة للأطفال ضحايا الاغتصاب في المغرب لا يستفيدون من أي دعم أو علاج نفسي، ولا حتى من الدعم الاجتماعي.
وقال أربيب، في تصريح لهسبريس، إن المختصين يؤكدون أن الأطفال ضحايا الاغتصاب يجب أن يخضعوا للمواكبة والعلاج النفسي لمدة سنتين على الأقل، لافتا إلى أن حتى النسبة القليلة من الأسر التي لديها الإمكانيات المادية لعرض أطفالها على الأطباء النفسانيين، تفعل ذلك بشكل محدود، نظرا للتكاليف الباهظة التي يكلفها العلاج.
خلايا دون نفسانيين
بالرغم من أن المغرب أنشأ خلايا الاستماع إلى النساء والأطفال ضحايا العنف، توجد في مقرات الشرطة والمحاكم والمستشفيات، إلا أن هذه الخلايا يبقى دورها محدودا، نظرا لافتقارها إلى أطباء نفسانيين.
ويعاني المغرب من خصاص كبير جدا على مستوى الأطباء النفسانيين، إذ لا يتعدى عددهم 343، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.
في ظل هذا الوضع، “يتحمل الضحايا وأسرهم تبعات جرائم الاغتصاب”، يردف عمر أربيب، مشيرا إلى أن المعاناة النفسية للأطفال ضحايا الاغتصاب يتمّ تعميقها خلال مرحلة التحقيق لدى الشرطة والمحاكم، حيث يتمّ أحيانا عرضهم في جلسات عامة، كما تتم مواجهتهم مع مغتصبيهم.
ومقارنة مع تجارب أخرى، مثل فرنسا، يورد أربيب، فإن الطفل ضحية الاغتصاب يتم الاستماع إلى أقواله مرة واحدة من طرف الشرطة، ثم يُحال مباشرة على الطب النفسي، من أجل إبعاده، ما أمكن، عن كل ما من شأنه أن يُذكّره بما تعرض له.
وشددت بشرى المرابط على ضرورة إخضاع الأطفال ضحايا الاغتصاب للعلاج والدعم النفسي، منبهة إلى أن عدم استفادتهم من العلاج لا يرفع فقط احتمال أن يعيدوا اقتراف ما تعرّضوا له في صغرهم، بل من شأنه أن يفجّر لديهم انحرافا في الهوية الجنسية، أي الميول الجنسي المعاكس.
ودعت المتحدثة ذاتها القضاة الذين تُحال عليهم قضايا جرائم اغتصاب الأطفال إلى إعطاء الأوامر للتكفل بالضحايا وإحاطتهم بالرعاية النفسية من طرف الخلايا التي أنشئت لهذا الغرض.
كما دعت وزارةَ التربية الوطنية إلى إنشاء خلايا داخل المؤسسات التعليمية، من أجل متابعة الأطفال بشكل يومي، حتى يتسنى اكتشاف الحالات المشتبه في تعرضها للتحرش الجنسي أو الاغتصاب بشكل مبكر يسهّل مأمورية علاجها.
المصدر: وكالات