على بعد ساعات من عملية “نحر أضاحي العيد” بالمغرب، المحتفى به يوم الاثنين 17 يونيو الجاري، تباينت دينامية الأسواق المخصصة لبيع الأغنام في مختلف أقاليم المملكة، فيما أكد مهنيو الجمعية الوطنية لمُربي الأغنام والماعز، في إفادة لهسبريس، أن العرض “مازال وفيراً يضمن تغطية الطلب بشكل واسع وكافٍ خلال موسم العيد الكبير لهذه السنة”.
مقابل ذلك، استمرت تعليقات عدد من المواطنين المغاربة، غالبيتهم من الفئات الهشة أو المتوسطة، في التناسل على مواقع التواصل أو ضمن تصريحات إعلامية مستنكِرة ما وصفوه بـ”موجة غلاء غير مسبوق طالت هذه السنة أسعار الأضحية، خاصة من الأغنام”، ما اضطرّ عدداً منهم إلى عدم “التضحية”، والإقبال في المقابل على محلات “الجزارة” لاقتناء كميات من اللحوم الحمراء “حسب مستطاع” كل شخص، وهو ما استقته جريدة هسبريس ضمن تصريحات مصوّرة من مدينتي سلا والرباط.
وسط كل هذا، مازالت الراهنية والإلحاح يلازمان طرح عدد من المتتبعين لسؤال جوهري: لماذا فشلت وزارة الفلاحة في توفير الأضاحي بأسعار معقولة تكون في متناول المغاربة رغم إجراءات الاستيراد والاستعداد القبلي المعلن عنه في الأشهر الأخيرة؟
“قوة الشنّاقة” تتحدى “وفرة العرض”
في محاولة للإجابة عن هذا السؤال وتفسير الأمر الواقع، أكد عبد الرحمان المجدوبي، رئيس الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز العضو في “الفدرالية البيمهنية للحوم الحمراء” (FIVIAR) بالمغرب، معطى “وفرة العرض بجُل أسواق المملكة، “ما عدا أسواق طنجة وتطوان وبعض النقاط في مدينة الرباط، على الخصوص، التي عرفت نقصاً في المعروض بسبب البعد الجغرافي وكذا تكاليف نقل المواشي وعوامل أخرى”، بحسبه.
وقال معلقاً ضمن إفادات لجريدة هسبريس: “الكْسِيبة وفيرة، خاصة في مختلف أسواق جهة الشرق والأطلس ووسط وجنوب البلاد، إلا أن هذا لا يمنع من التأكيد على عدم التوازن بين الأسواق من حيث العرض والطلب، رغم أنه تعدّيْنا فعليا رقم السنة الماضية من عرض الغنم والماعز الموجهة للذبح (6 ملايين و800 ألف رأس)… ومَن يقول العكس، فهو يفكر بمنطق عدَمِي ويحاول مغالطة الناس وخلط الأوراق سامحَهُم الله، لأن الأمر يتعلق بشعيرة دينية مقدسة وتعد صدقة لله”.
وللاستدلال على كلامه، لفت المهني رئيس “ANOC” إلى أن “هناك من الناس في دول الجوار المغاربي من لم يجد حتى الأضحية نظرا لقلّة العرض”، مردفا بأن “الأمور في المغرب مرّت بسلام، عموماً، رغم مختلف الإكراهات المعروفة”، مجددا التأكيد أن “أيام الجمعة والسبت والأحد عرفت انخفاضا ملموسا في أسعار البيع، إلى درجة أن بعض الفلاحين باعوا بالخسارة، فيما لا نُنكر أن الشناقة قوة في مختلف المجالات التجارية، وليس في بيع الأضاحي فقط”.
وزاد المجدوبي بأن معطيات رسمية مكتوبة وردَتْه عن أمس السبت واليوم الأحد، “تشهد بتتبّع مسؤولي الوزارة الوصية لأسعار ودينامية العرض والطلب في 36 سوقاً من أسواق بيع الأضاحي تمثل عيّنات لجهات مختلفة، ما أفضى إلى رصد انخفاض الأسعار في الأيام الثلاثة السابقة ليوم العيد بما بين 300 و500 إلى 1000 درهم قي الرأس، بينما النعاج متوفرة بسعر متوسط 1500 درهم”.
“الحديث في مواقع التواصل وترويج فكرة غلاء السوق بشكل خيالي بين المواطنين ربما أدى إلى انخفاض الإقبال أو الطلب ببعض الأسواق”، يورد المجدوبي، مضيفا أن المعطيات المتوفرة المؤكدة من أكثر من 15 مديرا إقليميا لوزارة الفلاحة من جهات متعددة تقول إن وفرة العرض مضمونة، خاصة في مناطق جهة الأطلس وباقي الأقاليم.
وختم معلقا بأن “وفرة العرض نجدد التأكيد عليها، إذ تجاوزت 8 ملايين رأس في الأسواق، بينما إذا كان هناك الاستثناء فهو ليس قاعدة”، منبها إلى أن “تكلفة الخروف هذه السنة جعلت عددا من المربّين عازفين نظرا للكلفة المرتفعة للأعلاف ودورة الإنتاج قبل الوصول إلى التسويق في العيد الذي يعد فرصة للبيع بأي ثمن أحيانا، وعدم الاستمرار في تربية الخروف لأشهر إضافية ينهك الفلاحين”.
“إخفاقات ونجاحات”
رياض أوحتيتا، خبير مهني متتبع لشؤون الفلاحة المغربية وتربية المواشي، أكد أن “الأغنام المستوردة لم تأتِ لموازنة الأسعار، إذ إن إجمالي 600 ألف رأس مستوردة لا يمكنها موازنة الأسعار في ظل أزيد من 6 مليون رأس مُرقّمة”، حسب تعبيره، متابعا: “بل جاءت لتخفيف الضغط على الأغنام المحلية بهدف توفير اللحوم الحمراء بالنسبة لارتفاع الطلب على الاستهلاك بعد فترة العيد (العطل الصيفية وزيادة الاستهلاك السنوي المعتاد…)”
“لدينا قطيع عام بالمغرب يتضمن حوالي 20 مليون رأس، بما فيه 13 مليون نعجة مُنتِجة، وهنا مكمن الخطر الكبير لأنه في ظل عدم القدرة على شراء الخروف أصبح الاتجاه أكثر نحو النعاج التي تضمن استدامة السلالات واستمرارية القطيع، ثم الكسّاب بدوره الذي وجد نفسه مضطراً لبيع النعجة وعدم التضحية بتوازناته المالية المهددة في حال استمرار الجفاف وتكاليف كسْب الماشية”.
وبحسب أوحتيتا، مصرحا لهسبريس، فإن “القطيع المرقَّم المعلن عنه (أكثر من 6 ملايين رأس) يتضمن أرقاما غير حقيقية، لأن عددا من الفلاحين والكسّابة لم يصرّحوا بحقيقة الرؤوس التي ربّوْها أو الموجهة للذبح في عيد الأضحى لهذه السنة مخافة تسجيلهم في أنظمة الضرائب أو التغطية الصحية…”.
وقال: “يمكن الحُكم بفشل الإجراءات الرسمية الحكومية لوزارة الفلاحة إذا استمر غلاء الأسعار في اللحوم الحمراء طيلة هذه السنة، حينها النتيجة ستكون مؤكدة”.
وأجمل الخبير الفلاحي بأن “الوزارة نجحت في عملية تسريع استيراد الأغنام وخفض الضغط عليها عبر منح تراخيص وإقرار تدابير وقف رسوم الاستيراد، والسهر على عملية الترقيم”، مقابل تسجيل “إخفاقها على مستوى تدابير العرض والتسويق، إذ إن المواطن والحكومة ساهَما في ظهور الوسطاء (الشناقة) عبر عدم تقييد عمليات الشراء والبيع في كتيّبات تمنحها السلطات المختصة في أونسا لكل كساب”.
الأولوية لتقنين المنتج وليس التاجر
كما أثار أوحتيتا إشكالية “اضطرار الفلاح بحكم الأزمة إلى البيع لوسطاء/شناقة قبل شهرين من العيد، وهي مسألة وعي بين فلّاحِينا”، محذرا من أن “الوزارة تريد التمييز عبر إعطاء الوسطاء صفة تجار لضبط عددهم والتحكم في تحركاتهم”، داعيا إلى “تمييز المنتِج الفلاح عن المتاجر الشناق عبر بطاقة مهنية للفلاح”.
وأكد المتحدث “استمرار لهيب الأسعار بمختلف أسواق الأضاحي”، مبرزا أن الفترة التي سبقت العيد ساهمت فيها بقوة مواقع التواصل الاجتماعي عبر نشر فيديوهات تعبر عن مستوى مرتفع للأسعار وتثبّط مزاج البائع والمشتري، ما جعل الكساب يصير شناقا في مرحلة الأسبوعين الأخيرين قبل يوم النحر”.
واعتبر المتحدث لهسبريس أن “وزارة الفلاحة كانت ملزمة بأخذ دروس وعِبَر من موسم عيد أضحى السنة الماضية كي لا يتكرر الأمر”، منوها إلى محدودية “منح ملايين الدراهم لفائدة الشعير المدّعم ودعم استيراد الرؤوس من الخارج، ما كان ممكنا معه تدعيم وحدات استنبات الشعير بدلا من ذلك”.
كما نبه أوحتيتا ضمن الأسباب إلى أن “الاستيراد خلقَ فئة أخرى من الوسطاء خارج الحدود تاجرَت في الطلب المتزايد خلال هذه الفترة على اللحوم الحمراء لتتطور آليات التسويق ما بين كبار الفلاحين والمستوردين، بدل أن يكون استيراد سلالات معروفة بجودتها في صالح تنافسية خفض الأسعار لفائدة المواطن”.
المصدر: وكالات