رغم الدور الطلائعي للنساء القرويات، و”مكانتهنّ الاعتبارية” في “العقل العمومي المغربي” كنساء مقاومات لصعوبة العيش، ومنخرطات، بأمانة وإخلاص، في الأدوار التي وجدن أنفسهنّ أمام إعادة تدويرها، فإن عيد المرأة العالمي مازال منذ سنوات عديدة يشكل، وفق التنظيمات الحقوقيّة، فرصة لفتح هذا الملف، لـ”فك العزلة ورفع الحصار، مجاليا وتنمويا، عن هؤلاء النسوة، اللائي اتخذن من الهامش مسكنا نهائيّا”.
المجتمع المدني الفاعل في الشأن الحقوقي لقي انتقادات كثيرة نظرا لـ”احتشام” المبادرات المتّخذة في “سياقات تأهيل نساء القرى”، لاسيما الجمعيات التي تحضر بكثافة في المدن الكبرى، وفي شمال المغرب ووسطه؛ فيما تدفع جهات أخرى بأن “معاناة النساء القرويات لا يمكن أن نعتبرها بطولة أو امتيازاً، بقدر ما يتعين أن تصاحب الوعي الجمعيّ صحوةٌ تؤكد على ضرورة أن تصل كل الخدمات إلى هامش الهامش، حيث يتمركز حضورهنّ”.
“وضعية معاناة”
الحسن الإدريسي، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، قال إن “الثامن من مارس هو سياق حقيقي لنستحضر الواقع الذي مازالت تعيشه المرأة القروية، التي تعتبر أكثر تضرراً من التغيرات المناخية، ومازالت العديد من حقوقها الأساسيّة في حاجة إلى تأهيل أمام معاناتها من ظلم المجال”، مشيرا إلى أن “سياق مجالها يعد مظلمة في حد ذاته، وحقوقها منتهكة، في وقت تشكل عمودا فقريا لسوق الشغل، خصوصا في المجال الفلاحي”.
وأوضح الإدريسي، في تصريح لهسبريس، أن “الوضعية السوسيو-ثقافية والاقتصادية للمرأة القروية مازالت تشكو من خصاص كبير في المغرب”، مبرزا “ضرورة وضع سياسة مندمجة وعرضانية تتوخى التّشجيع على تمدرس الطّفلات في القرى ومحاربة زواجهنّ المبكر، لكون هذا الوضع يعيد تدوير الفقر وتأنيثه وحصره، ولا يسمح بمساهمة المرأة القروية في خلق الثروة الوطنية، وهو ما يضيع نسبا مهمة من العائدات على الناتج الداخلي الإجمالي”.
وانتقد المتحدث عينه التصور الذي “مازال سائدا لدى العديد من الفاعلين العموميين بأن النساء اللائي يقمن بالبادية أميات وعاطلات، في وقت هن مساهمات في صناعات محلية وفي تعاونيات بدأت الدولة دعمها عمليا، لكن الدعم مازال يحتاج إلى تعزيز وتقوية”، لافتا إلى “التقاط اليوم العالمي للمرأة كفرصة لكي نحسم في مغرب 2024 مع كافة أشكال التمييز ضد المرأة، خصوصاً القروية”.
المساواة في الحقوق
فتيحة شتاتو، عضو فيدرالية رابطة حقوق النساء، قالت إن “اليوم العالمي للمرأة هو احتفاء، لكنه فرصة للوقوف وتقييم ما تحقق في ظل دستور 2011 الذي نص على حظر جميع أنواع التمييز، وفي ظل مصادقة المغرب على العديد من الاتفاقيات الدولية”، مشيرة إلى “تحقق مكتسبات، لكن النساء في القرى يعملن في الوقت الحالي في قطاعات غير مهيكلة، ويشاركن الزوج في الرعي وغيره، ولكن الثروة لاحقا لا تقتسم بالتساوي”.
واعتبرت شتاتو، في تصريح لهسبريس، أن “عدم تطابق الفصل 49 من مدونة الأسرة الحالية مع روح فتوى الكد والسعاية، الذي كان معمولا به بسوس، أضر بالحقوق الاقتصادية للنساء القرويات في ملفات كثيرة، سواء بعد وفاة الزوج أو عقب الطلاق، ووجدن أنفسهن عرضة للفقر”، ذاكرة مشكلة “عدم قدرة المرأة التي تعيش خارج المجال الحضري على الوصول إلى مراكز القرار، وهذا يشكّل حيفاً كبيراً، لكونه يصعب طرح الإشكالات الحقيقية للتجمعات البعيدة عن المركز”.
وأوردت المتحدثة عينها أن “النسبة الضئيلة لتوثيق الزيجات، وتفشي زواج الفاتحة في هذه الأوساط، ينهك حقوق هاته الفئات الحيوية داخل مجتمعات الأرياف، خصوصاً في ظل تدني نسبة التعليم في صفوفهنّ، وصعوبة الوصول إلى المرفق الصحي بحكم البعد المجالي والجغرافي”، مطالبة بـ”ضرورة اعتماد الخبرة الجينيّة للتحقق من نسب الأطفال، لكون الإنصات إلى الفقهاء في هذا النقاش كان مجحفا بإطلاق”.
المصدر: وكالات
