مع حلول كل عيد أضحى، يتذكّر عدد من المغاربة ما حدث لهم سنة 1975، بعد أن أقدم النظام الجزائري، بقيادة هواري بومدين وقتها، على طردهم وتجريدهم من ممتلكاتهم وتشتيت أسرهم، وعددهم تقريبا 45 ألف مغربي، كانوا يقطنون حينها بالجمهورية بشكل قانوني.
امتدت عملية طرد المغاربة وترحيلهم صوب المملكة لأسابيع ما بين نهاية سنة 1975 وبداية سنة 1976، غير أنها تركزت أساسا خلال عيد الأضحى؛ فالمطرودون يسجلون أن “الجزائر لم تحترم الدلالات الدينية والاجتماعية والإنسانية لهذه المناسبة السنوية بقرارها ترحيلهم في حافلات وتشديد الإجراءات تجاههم صوب معبر زوج بغال الحدودي”.
وفي الوقت الذي يشكل فيه عيد الأضحى مناسبة للفرحة لعموم الشعب المغربي، يواصل المطرودون وأهاليهم استرجاع الذكريات والتأمل بحسرة فيما حدث لهم خلال هذه المناسبة، حيث تحل هذا العام الذكرى التاسعة والأربعون لهذه الواقعة التي تُنعت شعبيا بـ”المسيرة الكْحْلَا”، في إشارة إلى محاولة هواري بومدين وقتها الرد على تنظيم المغرب المسيرة الخضراء التي شارك فيها ما يصل إلى 350 ألف مغربي.
وما يزال المطرودون، الأحياء منهم، يترافعون وطنيا ودوليا من أجل الوصول إلى اعتراف رسمي بحقوقهم واسترجاع ممتلكاتهم، بما ينهي عذابا نفسيا واجتماعيا يقترب من إكمال خمسين سنة، في وقت ترفض السلطات الجزائرية فتح هذا الملف والاعتراف بما فعلته بمغاربة عُزل ومسالمين حينما كان العالم الإسلامي يحتفل بأحد أهم الشعائر الدينية.
عيد بطعم الطرد
ميلود الشاوش، مطرود سابقا رئيس “جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر”، حكى لهسبريس أن “الواقعة استمرت لأسابيع، لكنها عرفت أوجها يوم عيد الأضحى، حيث تم سلبنا ممتلكاتنا واقتيادنا إلى مخافر الشرطة ومن بيننا نساء حوامل لم يُراعى وضعهن أبدا، وتم اقتيادنا في حافلات كما يحدث مع المساجين أو الإرهابيين؛ فالفرق بين وضعنا ووضع الفلسطينيين اليوم هو غياب السلاح فقط، أمام التعسف والإكراه واللاإنسانية فنشترك فيها”.
وقال الشاوش: “لم يتم الأخذ بعين الاعتبار الأهمية الدينية لتلك المناسبة، وكنت وقتها طفلا في الثامنة من العمر. وعلى الرغم من مرور 49 سنة على الحادث، إلا أنني ما زلت أتذكر ما حدث يومها؛ لأن ما حدث يصعب نسيانه، إذ نحاول دائما كمطرودين أن ننسى ذلك لكن وقعه الاجتماعي والنفسي يحول دون رغبتنا”، مردفا: “هناك كذلك مغاربة كانوا يعيشون بمدن جزائرية لم نسمع عنهم أي شيء إلى يومنا هذا، فقد اختفوا فجأة وتعرضت أسرهم للشّتات”.
وأكد المتحدث أن “ما جرى يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية، بالنظر إلى مصادرة الأموال والعقارات والممتلكات التي تمت في حق مواطنين مغاربة عزل يشتغلون بالأراضي الجزائرية ولم يكونوا إرهابيين أو ما شابه”، لافتا إلى “ضرورة محاكمة النظام الجزائري على هذه الواقعة التي يصعب نسيانها ولم يذكر التاريخ مثيلا لها في العصر الحديث؛ فهي جريمة ضد الإنسانية، إذ إننا ما نزال نعيش تداعيات نفسية رهيبة، وهناك من مات منا وهو يحاول نسيان الواقعة”.
وتابع بأن “مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، وتتنافى والقانون الدولي والإنسانية، في وقت صدرت توصيات في سنتي 2010 و2018 بضرورة استرجاع الممتلكات من الجزائر أو التعويض عنها ماديا ولم شمل العائلات المشتتة بين البلديْن، بينما ترفض الدولة الشرقية استضافة المقرر الأممي الخاص بالاختفاء القسري، مما يؤكد مجددا أنها لا تحترم المقررات الأممية على الرغم من تبجحها بانتمائها لهذه المنظومة الدولية”.
واقعة لا تسقط بالتقادم
جمال العثماني، أحد المغاربة المطرودين من الجزائر، كشف أن “السلطات الجزائرية لم تحترم المواثيق الدولية ولم تحترم حتى الأهمية الدينية لعيد الأضحى، إذ عملت على تهجير ما يصل إلى 45 ألف مغربي كانوا يستقرون قانونيا بالجزائر رفعة أبنائهم وذويهم، والهدف من ذلك كان هو التأثير سلبا على الدينامية التي كانت تعرفها عملية استعادة المناطق الجنوبية للمغرب”.
وحكى العثماني لهسبريس أن “ما وقع وقتها يرقى إلى جناية في حق آلاف المغاربة، إذ كان من بيننا شيوخ ونساء حوامل وأطفال صغار لم يكونوا يعرفون أن الجزائر ستغدر بهم في أحد أهم المناسبات الإسلامية، وكان من بيننا كذلك أئمة كانوا يشتغلون هناك، في وقت كان الجزائريون مبتهجين لما وقع لنا ولم يُخفوا سعادتهم به”، متابعا: “كنت طفلا في سن الثالثة عشرة وإلى يومنا هذا لم أتمكن من نسيان ما حدث في ذلك اليوم، فالذاكرة ضد النسيان”.
وزاد صاحب كتابيْ “قرارة الخيط” و”تخاريف حناية”: “كانت تتم معاملتنا كإرهابيين، وليس كمواطنين مسالمين جاؤوا في فترة السلطة الفرنسية، فالجزائر لم تكن قد أُسست بعد وقتها، وجاء أجدادنا للعمل، غير أنه فيما بعد اتضح أننا سنكون ورقة رابحة في أيدي نظام هواري بومدين وقتها، وما تزال الحقيبة التي حملت فيها أغراضي شاهدة على ذلك إلى اليوم”، مبرزا أن “الواقعة كانت ذات تبعات نفسية واجتماعية على المطرودين”.
وبحسب المغربي الذي كان قاطنا بمدينة حمام بوحجر الجزائرية، “لم يكن أمرا عاديا أن يتم طرد آلاف المغاربة صوب بلدهم بطريقة غير إنسانية وفي مناسبة دينية بامتياز، تاركين وراءهم ممتلكاتهم وأغراضهم؛ لقد تضامن معنا وقتها أبناء بلدنا الذين أسفوا لغدر نظام دولة جارة”، مشددا على أن “لهذه الواقعة أثر سلبي علينا كمطرودين، لم ننس ما حدث، هي نازلة ما تزال مفتوحة، ونثق في بلدنا من أجل الدفاع عنا واسترجاع حقوقنا التي نناضل من أجلها منذ سنوات”.
المصدر: وكالات