نظم مركز عناية بمراكش، برحاب رياض دار الشريفة بحي المواسين المدينة العتيقة بمراكش، ندوة ثقافية شعرية، احتفاء بإصدارين شعريين هما “نمش على مائي الثجاج” للشاعر والإعلامي مصطفى غلمان و”أتقرى أشهى ما في السراب” للشاعر رشيد منسوم.
واعتبرت الباحثة والشاعرة فاطمة الزهراء اشهيبة، التي قامت بتقديم وتسيير اللقاء، أن “الانفتاح على التجارب الشعرية المغربية جزء أساسي من ترسيخ طفرات المنجز الشعري لتجارب متراكمة، واعية بالشكل الجديد للقصيدة العربية، وقارئة مجدة للمتون الأخرى، من الضفف المتعددة”.
وفي هذا الصدد، قدم الباحث والناقد حميد منسوم دراسة نقدية حول “اشتباكات القصيدة عند الشاعر مصطفى غلمان وتأرجحها بين بذخ اللغة وفتنة التخييل”، حيث تضمنت الدراسة موجزا عن الشاعر والديوان ورأيه في الشعر، واشتباك الشعر مع أسئلة الموت والزمن والحقيقة والحب والوطن والهوية، والقصيدة والتأرجح بين بذخ اللغة وفتنة التخييل.
وأشار حميد منسوم إلى أن “الشاعر مصطفى غلمان استطاع بكدحه الشعري أن يحجز له مكانا في مملكة الخيال المغربي منذ ديوانه (خاتمة لدبيب الوشي)، واستمر في رعاية تجربته سقيا وحرثا إلى أن بلغ من الشعر عتيا خصيبا، فكان المحصول ستة دواوين شعرية هي (خاتمة لدبيب الوشي) و(ما جاء في الرؤية عند ازدحام الأثر) و(على شفا موت) و(قاعدة البطريق) و(قلق البراديم)”.
أما الحب عند الشاعر، يقول منسوم، فقد “انتقل من جواب محسوم إلى سؤال مفتوح، ومن إحساس إلى قضية، في حين أن الهوية الوطنية والقومية لا تختزل عند الشاعر في كليشيهات جاهزة ومعلبات إيديولوجية، إنها عابرة لكل التمترسات”، مضيفا أن “اللغة تسلس انقيادي لشاعرنا فتأتيه متطاوسة في أبهى حللها وبيناعة لا تتجعد، مستفيدا مما خزنته ذاكرته من ودائع الشعر طريفه وتليده، ومتصاديا مع محفوظه من القرآن الكريم والأمثال والحكمة والإشراقات الصوفية”.
وقال حميد منسوم، في خلاصته، إنه “كان أمام شاعر اشتغل كنجار يكشط السطح ليستغور العمق، واشتغل كجراح يؤلم ويبلسم؛ شاعر عاشق ولهان يلبس جبة الصوفي ويجاور الفيلسوف، ويحاكي صاحب الكاميرا بعينه اللاقطة، ويرثي زمن وطنه متأرجحا بين وطأة الألم ووثبة الأمل”.
وتحت عنوان “الشعر والفلسفة وسؤال التأويل”، أضاء الناقد البلاغي عبد العزيز لحويدق، استنادا على قراءته لديوان “نمش على مائي الثجاج” للشاعر الأكاديمي مصطفى غلمان، على “المدخل الفلسفي الناظم للمتخيل الشعري المهيمن على مجمل القصائد”.
أما الناقد رشيد طلبي، فقد تناول، من خلال قراءة لديوان “وداعا أيها الدغل مرحبا أيتها الفأس” للشاعر رشيد منسوم، تحت عنوان “التناص الفكري والشعري”، نقطتين مفصليتين، تمثلت الأولى في تحليل المرجعية التناصية، سواء الفكرية منها التي ارتبطت بالترنسنتالية الأمريكية، أو الشعرية التي أسفرت عن التناص مع الشاعر الأمريكي هنري ديفيد ثورو، أو الشكلية ذات الصلة بشعر “الهايكو”.
أما النقطة الثانية، فقد أوضح من خلالها “الرؤية الشعرية للشاعر، حيث يرفض الواقع الخام بشكل مضاعف في رفضه للكتابة الشعرية التقليدية، انتصارا للكتابة الجديدة ذات الاتجاه المفتوح، في أفق بناء عالم استشرافي، لا يعدو أن يكون هو عالم (الدغل)، الدال على الحلم والفضيلة والفرح والسعادة”.
واقتفى الناقد والشاعر عبد اللطيف السخيري “معالم الإبداع والترقي في ديوان ‘أتقرى أشهى ما في السراب’ للشاعر رشيد منسوم، حيث وصفه في بداية قراءته بـ”اللغة العاشقة التي تتمكن من إغواء قرائها بالاستزادة والترقب”، محاولا “تفكيك جوهر هذه المتاهة”، ومشتغلا على “تيمات مفتوحة، ذائبة في جسد اللغة”، ومركزا على “امتداد هذه الرؤية، وتشعبها في الفكرة التي تصير مذوبة وفارزة أصواتا أخرى”.
وقرأ الشاعران مصطفى غلمان ورشيد منسوم نخبة من قصائدهما، محتفين بالإصدارين الجديدين، مثنيين على “متابعة الأصدقاء في الجامعة والمجتمع المدني والمؤسسات الجماعية مسارهما في الكتابة الشعرية والفكرية”، متمنين أن “تعود جذوة الشعر إلى ما كانت عليه”، ومناشدين المسؤولين في الشأن الثقافي الحكومي وغير الحكومي إلى “إيلاء الثقافة العناية اللازمة والضرورية، من أجل نشر الوعي وتحقيق مبغى صونه من مخاطر العصر والتفاهات”.
المصدر: وكالات