تأريخُ أهلِ مجموعةِ مداشر سيدي بوصبار، أصولا وأنسابا ووافدين جددا، يحضر في كتاب جديد للباحث محمد المهدي علوش، نهض فيه بمهمة حفظ ذاكرة من قطنوا قريته القديمة.
صدر هذا العمل الجديد عن دار النشر “سليكي أخوين”، بعنوان “وكسان-سيدي بوصبار: خمسة قرون وثمانية أجيال”، ويتضمن تأريخا للأنساب على مدى مائتي سنة.
ولا يقتصر الكتاب على “استعراض العائلات الأصلية التي استوطنت أرض سيدي بوصبار قبل القرن العشرين”، بل يهتم أيضا بـ”جميع الأسر التي عاشت وتعيش في البلدة حتى يومنا هذا، خاصة تلك التي نزحت إلى وكسان من أجل العمل في منجم الحديد”.
وحول مقصد مؤلفه، كتب علوش: “غايتي أن يتعرف المنحدرون من هذه الجماعة المكافحة، المنتشرون في كل جهات المغرب وعبر جميع أصقاع العالم، على أجدادهم وأصولهم بعد أن أصبحت آهلة في جملتها بوافدين غرباء يجهلون كل شيء عن ماضي هذه الجماعة وسكانها الأصليين”.
ومع غياب المصادر المكتوبة حول مداشر سيدي بوصبار، إلا من مصادر إسبانية تتحدث عن “وكسان-المنجم” والمتعالمين مع الشركة المنجمية، خاض الباحث مغامرة الاعتماد أساسا على الرواية الشفوية.
ويبسط الباحث في كتابه منهجه في التحقق من الأنساب والعائلات والدرجات والأصول والفروع، مع حذر في إضفاء صفة العلمية المطلقة على كل ما استخلصه ودونه، وتمسّكٍ بـ”جدوى المشروع والخدمات التي سيسديها للأجيال الحالية والقادمة”، من أبناء جماعته.
ويجد القارئ غنى في الكتاب، خاصة فيما يتعلق بتاريخ عائلاتٍ واستمرارها، ومنعطف الهجرة من القبيلة إليها، ومسارات الهجرة مغاربيا وأوروبيا، والمهن، والمسارات الفردية التي تدخل في التأريخ للهامش والمهمَّشين.
كما يجد القارئ الأثر البين للاحتلال الأجنبي في فرض واقع جديد بالقبيلة، وتغيير تركيبتها الديمغرافية ونسيجها العمراني، وأثرها على مغاربةٍ قطنت عائلاتهم مسقط رأسهم قرونا، أو مغاربة آخرين دفعهم قدر الهجرة إلى مكان جديد صار مسقط رأس سلالتهم.
وبعد بسط لمسارات الهجرة والهجرة المضادة، استخلص الباحث محمد المهدي علوش أن هناك تيارين: “تيار وافد لتعويض الإسبان المغادرين وتيار مغادر للبحث عن مورد العيش في أمكنة أخرى.”
هذه الفئة الأخيرة، تمخضت عنها “فئة مغايرة للفئة الأصلية من السكان، فئة متعلمة إلى حد ما، يتحدث بعضهم لغة غير لغة أهل المكان، وربما كانت ذات مظهر مغاير في سلوكها وملبسها وعقليتها بصورة عامة؛ وبهذا أصبح سكان سيدي بوصبار، أو بالأحرى وكسان، مخضرمين بين أصليين تقليديين ووافدين متطلعين إلى إثبات ذاتهم داخل مجتمعهم الجديد”.
ولا يرنو هذا الكتاب إلى تجانس مضى، أو فترة تاريخية طويت، بل يسجل منذ مطلعه أن “الوضع السكاني والعمراني الحالي للقرية لا يشكل في حد ذاته أي حدث استثنائي، لأن الهجرة تعتبر ملازمة لنشاط الإنسان وحركته منذ أقدم العصور، كما أن انتقال المعالم العمرانية من حال إلى حال يعد من المتغيرات التي نعايش يوميا في كل مكان من بلادنا”، إلا أنه جواب بحثي، ومجهود علمي، على انقطاع ذكر عائلات شكّلت سيدي بوصبار، وساهمت في وضع لبنات “أول وأقدم وأكبر منجم لاستخراج معدن الحديد بالمغرب كله”.
المصدر: وكالات