أصدر عكاشة برحاب مؤلفا جديدا باللغة الفرنسية حول العلاقات المغربية الفرنسية، وهو عبارة عن مجموعة وثائقية تُنشَر لأول مرة، وفيها رصدٌ لمراحل احتلال مناطق مغربية انطلاقا من التخوم الجزائرية في الجنوب الشرقي إلى مشارف مدينة السعيدية في الشمال.
وجاء في تقديم الكتاب أن التخوم المغربية كانت مسرحا للأطماع الاستعمارية الفرنسية منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث كان جنوب غرب الجزائر المحتلة قاعدة لانطلاق رحلات استكشافية فرنسية عديدة؛ وذلك بهدف التعرف على التخوم المغربية، ووضع خطط لضمّها إلى تراب المستعمرة الجزائرية في سياق التوسع الفرنسي داخل التراب المغربي، الذي لم تكن معالم حدوده الجغرافية مضبوطة، حيث انعدمت آنذاك الخرائط الجغرافية في المغرب، والتي كان بالإمكان الاستناد إليها للدفاع عن سيادة الوطن، وهو ما استغلته فرنسا بهدف اقتطاع أجزاء من التراب المغربي وضمها إلى مستعمرتها الجزائرية.
وأضاف المصدر ذاته أن كل ذلك تأكد في اتفاق باريس سنة 1901، الذي وقَّعه وزير الخارجية المغربي آنذاك عبد الكريم بن سليمان، ثم زكّته اتفاقيات الجزائر سنة 1902، التي باشرها مَحمد الجباص رئيس الوفد المغربي في مفاوضات مدينة الجزائر بشأن الحدود وحرية التبادل التجاري.
وورد ضمن التقديم أن شهية الاستعمار الفرنسي تقوّت عقب تعيين الجنرال ليوطي حاكما للتخوم في جنوب الجزائر سنة 1903، حيث دشّن سياسته التوسعية على حساب التراب المغربي، فكان حادث مقتل طبيب فرنسي بمراكش في شهر ماي 1907 سببا مباشرا لاحتلال وجدة ومناطق حدودية أخرى، فعُهِد إلى الجنرال ليوطي مباشرة عمليات الغزو انطلاقا من مستعمرة الجزائر، وكان آنذاك يتولى إدارة ولاية وهران.
وأشار التقديم إلى أن ليوطي ادّعى، فيما بعد، أن احتلال تلك المناطق الحدودية كان لحساب السلطان، حيث كانت تسود بها الفوضى والعصيان حسب زعمه، وبعد أن حققت فرنسا مخططها الاستعماري التوسعي ارتأت تطبيق نظام الإدارة غير المباشرة في المناطق المحتلة؛ وذلك على غرار ما كان معمولا به في تونس آنذاك، وعيّنت لذلك الغرض مفوضا مدنيا فرنسيا لتدبير شؤون التخوم المغربية المحتلة، ولكن تحت الإشراق المباشر للجنرال ليوطي، الذي رُقِّيَ إلى منصب مفوض سام لمناطق الحدود منذ سنة 1908.
وعن الإصدار الجديد، أوضح التقديم أن المجموعة الوثائقية المنشورة ترصد مراحل الاحتلال ونظام التدبير المجالي لمناطق التخوم؛ من قبيل مباشرة إصلاح إداري يستجيب لأطماع المستعمِر، وكذا إنشاء فرق عسكرية مشتركة مغربية فرنسية لخدمة التوسع، وإصلاح نظام الضرائب، وتسهيل عمليات تملُّك الأرضي لفائدة المستوطنين…
وتكشف الوثائق المذكورة أيضا “الصراع بين القادة العسكريين والمدنيين الفرنسيين بشأن السياسة المتبعة في التخوم المحتلة”، كما تبرز “جهود السلطان عبد الحفيظ بغْية استرجاع السيادة المغربية على مناطق التخوم وجلاء القوات الفرنسية عنها”. وعموما، فإن هذه الوثائق “تكشف الوجه الحقيقي للاستعمار الفرنسي بمناطق التخوم، حيث صار المجال المحتل بمثابة حقل لاختبار أنماط الإصلاحات الممكنة بعد فرض نظام الحماية”.
يشار إلى أن الوثائق المنشورة عبارة عن تقارير مخابراتية ومراسلات إدارية تُبُودلت بين الجانب الفرنسي والجانب المغربي أو ممثليه بطنجة وبمدينة وجدة، أما أصولها فهي مودعة بمركز الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي بمدينة نانط التابع لوزارة الخارجية الفرنسية.
المصدر: وكالات