إشكالات كثيرة تطرحها مسطرة الزواج تُفقد بعض المقتضيات التي جاءت بها مدونة الأسرة جدواها، على غرار الشهادة الطبية التي يُطلب من الخطيبين تضمينها ضمن الوثائق المطلوبة لعقد الزواج بسبب اكتفاء الأطباء بإجراء “فحص شكلي” دون إخضاع طالبها للفحوص والتحليلات.
وتنص المادة 65 من مدونة الأسرة، في الفقرة الخامسة منها، على تضمين عقد الزواج شهادة طبية لكل واحد من الخطيبين، يحدد مضمونها وطريقة إصدارها بقرار مشترك لوزيري العدل والصحة، غير أن هذه الشهادة تظل، من حيث الممارسة العملية، “إجراء شكليا غير مفعّل وبدون غاية حمائية”، حسب عبد السلام آيت سعيد، عدل باستئنافية الرباط وأستاذ جامعي.
وقال آيت سعيد، في ندوة نظمها، السبت، “منتدى الزهراء للمرأة المغربية” حول موضوع “مدونة الأسرة وآفاق تعديلها”، إن الهدف من الشهادة الطبية التي يتعين على الخطيبين إحضارها هو التأكد من خلوّهما من أي أمراض مُعدية، “لكن في الواقع هي إجراء شكلي يتم في خمس دقائق”، مضيفا “حين نمسكها نقرأ فيها: يتبين من خلال الفحص السريري أن المعني بالأمر لا تظهر عليه أمراض معدية”.
واستدل المتحدث ذاته بحالة زوجة استقبلها رفقة زوجها في مكتبه لإجراء صلح بينهما، فأخبرته الزوجة أن زوجها مصاب منذ مدة طويلة بداء نقص المناعة المكتسبة (السيدا)، طالبة فقط مستحقات الطلاق من أجل العلاج. وتابع متسائلا “ما الجدوى إذن من هذه الشهادة الطبية إذا كنا لا نفعّلها بالشكل المطلوب؟”.
واستطرد قائلا إن الشهادة الطبية المطلوب من الخطيبين الحصول عليها تطرح مشكلا، ذلك أن مطالبة المواطنين بإجراء التحاليل يثقل كاهلهم ماديا، “وهذا مشكل ينبغي أن نعالجه، إما بتحمّل الدولة تكاليف هذه الشهادة الطبية أو نلغيها نهائيا حتى لا نكذب على أنفسنا”.
واستعرض آيت سعيد ثغرات وإشكالات عملية أخرى تسم تطبيق بعض المقتضيات القانونية لمدونة الأسرة بسبب غموضها، منها مطالبة بعض أقسام قضاء الأسرة بالنسخة الكاملة، رغم أن النص (الفقرة الثانية من المادة 65 من مدونة الأسرة) يتحدث عن رسم الولادة دون أن يوضح إن كان النسخة الموجزة أو الكاملة.
وبالرغم من أن استخراج رسم الولادة أصبح متاحا عبر البوابة الإلكترونية المحدثة لهذا الغرض، فإن اشتراط أن يشير ضابط الحالة المدنية في هامش العقد إلى أن هذه الوثيقة يُدلى بها من أجل الزواج يجعل الحصول عليها رقميا غير ممكن بسبب تعذر إضافة العبارة المذكورة إليها، داعيا إلى تحديد منطوق المادة المذكورة والتنصيص على نوع رسم الولادة المطلوب.
ودعا المتحدث ذاته كذلك إلى حذف المقتضى المتعلق بضرورة إشارة ضابط الحالة المدنية إلى أن رسم الولادة سُلم من أجل الزواج “لغياب الجدوى والفائدة من هذا المقتضى”، على حد تعبيره.
إشكال آخر يطرحه تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة، يتعلق بمدة انتهاء صلاحية الوثائق الإدارية، لا سيما الشهادة الإدارية التي تحدد بيانات الخطيبين (شهادة الخطوبة)، حيث أوضح آيت سعيد أنه قد تكون هناك إكراهات تؤخر إبرام الخطيبين عقد الزواج، فتُصبح الشهادة الإدارية مرفوضة بعد مرور ثلاثة أشهر، ويتعين عليهما استخراج شهادة جديدة، رغم عدم وجود مقتضى قانوني يحدد مدة زمنية لانتهاء صلاحية هذه الشهادة، مشيرا إلى أن هذا الأمر “يخلق معاناة كبيرة للمواطنين”.
ويُعتبر التوكيل في الزواج من الإشكالات التي تطرحها مدونة الأسرة، حيث نص المشرّع على أن “يكون الوكيل راشدا” دون تحديد جنسه. وقال آيت سعيد: “هذا يطرح سؤال هل يمكن للمرأة أن تكون وكيلة في الزواج”، قبل أن يستدرك قائلا: “ما جرى به العمل القضائي والتوثيقي الآن هو أن المرأة لا يمكن أن تكون وكيلة في إبرام عقد الزواج”.
ولفت إلى أن هذا الأمر له سند في الفقه المالكي، حيث لا يصح للبنت الراشدة توكيل أختها وأمها لإبرام عقد الزواج، “لكن في الواقع العملي إذا كنت تحرم المرأة من أن تكون وكيلة في الزواج، فلماذا أعطيتَ المرأة العدل أن تكون موثقة لعقود الزواج؟ هذا تناقض. ولماذا تحرم المرأة من أن تكون شاهدة في اللفيف؟”. وأضاف “إما أن ندخل غمار الانفتاح على الحداثة غير المناقضة للثوابت والمرجعية الإسلامية، وهذا يتطلب اجتهادا، أما التسويق والإشهار بأننا غير متعارضين مع الاتفاقات الدولية ونسكت عن الأمور الأخرى فهذا لا يجوز، ولا بد من رفع هذا الحرج بنص صريح”.
المصدر: وكالات