في ظل توسع رقعة دعم مغربية الصحراء في الساحة الإفريقية بعد عودة المغرب إلى عمقه الإفريقي ونجاحه في إقناع مجموعة من الدول بسحب اعترافها بالكيان الوهمي وافتتاح قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية للمملكة، تعود إلى الواجهة مسألة طرد هذا التنظيم الانفصالي من منظمة الاتحاد الإفريقي، الذي يعد مطلبا لدى العديد من القوى السياسية الفاعلة داخل إفريقيا.
ويبدو أن الاتحاد الإفريقي نفسه قد مهد لذلك حينما أصدر، الشهر الماضي، قرارا يقضي باستبعاد البوليساريو من المشاركة في القمم والمناسبات ذات الطابع الدولي، مع حصر المشاركة في الدول المعترف بها أمميا، فيما يؤكد مهتمون أن طرد هذا التنظيم من المنظمة القارية مسألة وقت ليس إلا، خاصة في ظل نضج الشروط السياسية لذلك، مسجلين أن توالي الاعترافات بسيادة المغرب على الصحراء والنفوذ المغربي في القارة عاملان مهمان يمكن للرباط أن تستغلهما لصالحها لمباشرة مسطرة الطرد التي تتطلب بدورها تحركا دبلوماسيا وحشدا قويا للأصوات الداعمة لهذه الخطوة.
ظروف مكتملة وتحركات دبلوماسية
في هذا الإطار، قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “مسألة طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي هي مسألة وقت إذا تم استغلال الظروف السياسية والقانونية المناسبة التي بدأت تكتمل”، مضيفا أن “هناك تحركا دبلوماسيا منظما من الدول الأعضاء التي تعتبر أن وجود البوليساريو يشكل عائقًا أمام الاستقرار والوحدة داخل الاتحاد، إذ يجب على هذه الدول تقديم طلب رسمي لمجلس السلم والأمن الإفريقي لمراجعة عضوية هذا الكيان، بناءً على خروقات الميثاق التأسيسي للاتحاد، خاصة فيما يتعلق بالسيادة الوطنية للدول الأعضاء ووحدة أراضيها”.
وأوضح معتضد أن “مسطرة الطرد تبدأ بمناقشة هذا الطلب داخل المجلس، حيث يتعين الحصول على دعم أغلبية الأعضاء، الذي يسهل الحصول عليه في السياقات الجيو-سياسية التي تعيشها إفريقيا اليوم”، مضيفا: “بعد ذلك، يمكن رفع توصية إلى الجمعية العامة للاتحاد لمناقشة الأمر في قمة رؤساء الدول والحكومات، وهنا تكمن أهمية الحشد الواسع للأصوات الذي يؤيد هذا الطرد، خاصة من قبل الدول الداعمة لإنهاء هذا التواجد غير الصحي التي عبرت مرارا عن استعدادها للمضي قدما في هذا الاتجاه، وإذا تم تأمين دعم ثلثي الدول الأعضاء، فإن قرار طرد البوليساريو يصبح ممكنًا”.
وأشار المصرح لهسبريس إلى أنه “رغم أن ميثاق الاتحاد الإفريقي لا يحتوي على نصوص واضحة بشأن طرد كيان عضو، إلا أن هذا الغموض يمكن تحويله إلى فرصة لتأمين طرد البوليساريو، ذلك أن الضغط المتزايد من قبل الدول الأعضاء المعنية بوحدة أراضيها وسلامتها يمكن أن يؤدي إلى تطوير تفسير موسع للمادة 23 من القانون التأسيسي، التي تتعلق بالعقوبات على الأعضاء غير الملتزمين بقرارات الاتحاد، وقد يتم تبني تعديل على الميثاق في القمة القادمة للاتحاد، يشمل إضافة بند يسمح بطرد كيان إذا كان وجوده يهدد الوحدة أو الأمن الإقليمي”.
وشدد معتضد على أن “هذا الغموض يتيح للدول الداعمة لطرد البوليساريو مساحة للقراءات القانونية والدبلوماسية المتجددة، بحيث يمكن لهذه الدول أن تبدأ بحملة دبلوماسية تهدف إلى تعديل الميثاق ليشمل نصوصًا واضحة بشأن الطرد، مع ضمان دعم سياسي واسع لهذه الخطوة”، موردا أن “التغيرات السياسية الأخيرة داخل القارة الأفريقية تشير إلى تحول تدريجي في مواقف العديد من الدول تجاه البوليساريو، مع تزايد الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء”.
وتابع بأن “المغرب يمكن أن يستغل دوره ونفوذه المتزايد داخل القارة للضغط من أجل إدراج مسألة طرد البوليساريو على جدول أعمال القمم المقبلة”، مشددا على أنه “في ظل تزايد عدد الدول الأفريقية التي تعيد النظر في علاقاتها مع البوليساريو وتدعم سيادة المغرب على الصحراء، من الممكن أن نشهد خلال الأشهر أو السنوات القليلة المقبلة تصاعد الضغوط داخل الاتحاد الإفريقي لإعادة النظر في عضوية هذا التنظيم، ويمكن أن يتمثل السيناريو المستقبلي في تحرك دبلوماسي تقوده دول محورية داخل القارة، بهدف تحقيق تعديل على الميثاق أو تفعيل آلية جديدة تسمح بطرد البوليساريو”.
مسؤولية جزائرية وعملية حتمية
تفاعلا مع الموضوع ذاته، أورد عباس الوردي، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “الجزائر هي المسؤولة عن إدخال واستقدام ميليشيا البوليساريو الانفصالية إلى ردهات منظمة الاتحاد الإفريقي”، مشددا على أن “طرد هذا الكيان وبالنظر إلى مجموعة من المتغيرات الإقليمية والدولية التي يشهدها النزاع المفتعل حول الصحراء، بات قريبا وحتميا”.
وأضاف الوردي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “كل الأصوات داخل الاتحاد الإفريقي تنادي بطرد هذا الكيان الدخيل عن البنية الإفريقية والدولية والمفتقر للعناصر القانونية التي تقوم عليها الدول في القانون الدولي”، مشيرا في هذا الصدد إلى استبعاد البوليساريو من المشاركة في القمم والمحافل الدولية التي تجمع منظمة الاتحاد الإفريقي بشركائها الخارجيين.
وسجل الأستاذ الجامعي ذاته أن “الإجماع الإفريقي يسير في هذا الاتجاه، وهو ما تفطنت إليه الميليشيا الانفصالية والجزائر اللتان اعترفتا بفشلهما الذريع في هذا الملف وفي المحاولات الرامية إلى اختراق بعض المعاقل الداعمة للمغرب في القارة الإفريقية”، مسجلا أن “الوحدة الإفريقية تناصر السيادة المغربية على الصحراء، خاصة وأن المملكة تساهم في النهضة القارية وتحظى بثقة مجموعة من الدول”.
المصدر: وكالات