حين تحس بأنك عاجز عن مصارعة خصمك، لانعدام التوازن في القوة البدنية، وتوقن أنك هالك لا محالة أو ممرغ الأنف في الأرض، فإنك تفاجئ عدوك بضربة مصيرية تجمع فيها كل خوفك ورهابك وتحتسب حياتك بعدها؛ إما أن تلقى حتفك، أو تفلت إلى حين من الضربة القاضية..
المهم، لا مهرب لك من المواجهة؛ لكن ضربة الخواف يحذر الناس منها، لأن من تحتقره قد يفجعك بما لا تنتظر. وقد سبق لي أن هزمت شابا أقوى مني طولا وعرضا في صغري، حين سددت إليه ضربة قاضية في “تفاحة آدم” اختنق بعدها ومضى “يتركّل” حتى أنقذه شباب آخرون.
“طوفان الأقصى” ضربة خواف بكل المقاييس، حركة المقاومة الإسلامية “حماس” تعرف أنها لن تنتصر على إسرائيل، فتضرب بقوة غير مُنتظَرَة، تركت عدوها يترنح أسبوعا كاملا، قبل أن يسترد وعيه ويقلب موازين القتال. ماذا وقع لـ”حماس” والفلسطينيين، بعد ضربة الخواف؟ لا يزال الموقف غير واضح، إلى حدود كتابة هذه السطور.
أما ضربة الخواف موضوع كلامنا المقصود اليوم، فأعني بها الجزائر، التي تعرف أنها عاجزة عن مواجهة المغرب عسكريا، لاعتبارات عديدة؛ من ذلك الترهُّل الذي أصاب الجيش الجزائري، من الجندي إلى ضابط الصف إلى الضابط إلى الضابط السامي (ما يسميه المغاربة الكابرانات).
عتاد وسلاح الجزائر كثير ومتنوع نظريا؛ لأنها من كبار المستثمرين فيه، وهو سلاح روسي أو صيني في الغالب، فيه المعترف بكفاءته دوليا وفيه الخردة التي لا تصلح لشيء (الغواصات مثلا). السلاح الجيد نفسه يشتريه الضباط الكبار مقابل إتاوة، ولا يُقتنى جديدا إلا نادرا، سلاح مستعمل رخيص يؤديه الشعبُ غاليَ الثمن، والفرق في الجيوب كما يعلم الجميع (عبارة عبد القادر امساهل، وزير الخارجية الجزائرية الأسبق).
في المقابل، تعتبر القوات المسلحة الملكية المغربية من أقوى الجيوش تدريبا والتصاقا بالميدان منذ 1976، جيش لا تصنعه المناورات الذاتية أو بتعاون مع الجيوش الأجنبية وإنما يصنعه عراك يومي في رمال الصحراء منذ زمن بعيد. كما أن الجيش المغربي لا يهتم بالكم في شراء الأسلحة وإنما بالنوع، في جميع أنواع السلاح، وتستطيعون مقارنة الـ إف 16 بسوخوي 35 لتعرفوا الفرق. وفي الأخير، يظهر التفوق المغربي في التضاريس المحتملة للمواجهات الممكنة بين البلدين.
ماذا يتبقى للجزائر؟ ضربة الخواف. نعم، لا يستطيعون مواجهة المغرب؛ لكن يستطيعون الغدر بضربة قوية توجع زمنا معينا، على الرغم من أنها تتبعها هزيمة مذلة لجيشهم الوطني سيكتبها التاريخ لا قدر الله، وتضاف إلى “طريحة” حرب الرمال، أو ما يمكن تسميته “حرب الرمال” الثانية (أمغالا كانت مواجهة معركة وليست حربا).. كل هذا لأنهم يبحثون عن وسيلة لإلهاء الشعب واستنفاد خيرات البلاد، بتضخيم الخطر المغربي. وقضية الصحراء استنفدها الجنرالات وبدا ضوؤها ينطفئ، لا الأمم المتحدة ولا الاتحاد الإفريقي ولا أية جهة عاقلة تؤمن باستقلال الكيان الوهمي، فبماذا تلهي الجزائر شعبها؟ بما أنها عاجزة عن مواجهة صريحة مع الجيش المغربي الأقوى والأكثر تنظيما وسلامة بين مكوناته، جيش لا يعرف الفساد ولا التدخل في الشأن المدني؟، لم يتبقّ لها سوى “الاستغفال الاستراتيجي”، كما فعلت “حماس” وقبلها الجيش الياباني في الهجوم على بيرل هاربور. (اعترف ياماموتو للإمبراطور بأنه سينتصر على الأمريكيين ستة أشهر فقط).
عرفنا، الآن، ضربة الخواف؛ لكن علينا أن نعرف كيف نتوقعها، حتى لا تتعبنا زمنا لا نعلم مداه.
المصدر: وكالات