في السنوات الأخيرة، شهدت السوق الغذائية بالمغرب تحولًا ملحوظًا في صناعة الجبنة بجميع أنواعها، حيث بدأ العديد من كبار المصنعين بالتحول نحو استخدام الزيوت النباتية كبديل للحليب الطبيعي في إنتاج الجبنة المذوبة. هذا التحول، الذي يأتي في سياق محاولات الشركات لتقليل تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح، أثار قلقًا واسعًا بين خبراء الصحة والمستهلكين على حد سواء.
تحول كبار المصنعين نحو الزيوت النباتية
كان استخدام الحليب الطبيعي في صناعة الجبنة لسنوات طويلة معيارًا للجودة والمذاق. ومع ذلك، تزايدت تكلفة المواد الأولية التقليدية، مما دفع العديد من الشركات إلى البحث عن بدائل أرخص. في هذا السياق، بدأت الشركات الكبرى بالتحول إلى استخدام الزيوت النباتية المهدرجة، التي توفر نفس الملمس والمذاق بفضل تقنيات التصنيع المتقدمة.
تقول دراسة نُشرت في صحيفة علوم الغذاء الأمريكية إن الزيوت النباتية المهدرجة، رغم قدرتها على تقديم خصائص مشابهة للألبان الطبيعية، ترتبط بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين بسبب محتواها العالي من الدهون المتحولة.
نتيجة لهذا التحول، أصبحت السوق المغربية مليئة بالمنتجات التي تعتمد على الزيوت النباتية بدلاً من الألبان الطبيعية. هذه المنتجات تجذب المستهلكين بسبب أسعارها المنخفضة، لكنها تخفي وراء ذلك مخاطر صحية جدية. فالزيوت النباتية المهدرجة تحتوي على الدهون المتحولة التي تُعرف بارتباطها المباشر بزيادة مستويات الكوليسترول الضار في الدم، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية.
ففي تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، تم التأكيد على أن الدهون المتحولة الصناعية تساهم بشكل كبير في الوفيات الناجمة عن أمراض القلب، وتشكل تهديدًا كبيرًا للصحة العامة، مما يستدعي فرض حظر عالمي على استخدامها في صناعة الأغذية.
دور الحكومة في مواجهة التحولات
في ظل هذه التحولات، يتحتم على الحكومة اتخاذ خطوات حازمة لحماية صحة المواطنين. أولاً، يجب تعزيز القوانين الرقابية لضمان التزام الشركات المصنعة بمعايير الجودة والسلامة، مع إلزامها بتقديم معلومات شفافة على ملصقات المنتجات حول مكوناتها. وفقًا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، الشفافية في عرض المكونات الغذائية تلعب دورًا حاسمًا في تمكين المستهلكين من اتخاذ قرارات مستنيرة، وهذا ذهب إليه تقرير لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، حيث أشار إلى أن تشديد الرقابة على المنتجات الغذائية وإلزام المصنعين بالإفصاح عن محتويات منتجاتهم يشكل خطوة حاسمة في حماية صحة المستهلكين وتعزيز الخيارات الغذائية الصحية.
ثانيًا، على الحكومة تنظيم حملات توعوية تستهدف تثقيف الجمهور حول مخاطر الزيوت المهدرجة والدهون المتحولة، وتوجيههم نحو خيارات غذائية أكثر صحة. تشير دراسة نُشرت في “Journal of Public Health Policy” إلى أن التوعية الجماعية والتثقيف الغذائي ضروريان لخفض استهلاك الدهون المتحولة والحد من الأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي غير الصحي.
كما يمكن للحكومة اعتماد سياسات ضريبية لتقليل استهلاك المنتجات الضارة، مثل فرض ضرائب على الأغذية الغنية بالدهون المتحولة وتقديم حوافز للمنتجات الصحية. كما جاء في تقرير منظمة الصحة العالمية، حيث اعتبر أن الضرائب على المنتجات غير الصحية يمكن أن تكون أداة فعالة في تغيير سلوك المستهلكين.
إن التحول نحو استخدام الزيوت النباتية في صناعة الجبنة المذوبة يعكس تحديات اقتصادية يواجهها المصنعون، لكنه يضع في الوقت نفسه صحة المستهلكين في خطر. يتطلب الوضع الحالي تدخلًا حكوميًا صارمًا لضمان أن السوق المغربية لا تصبح مشبعة بمنتجات ضارة تؤثر على الصحة العامة على المدى البعيد. إن حماية صحة المواطنين يجب أن تكون أولوية قصوى، وهذا يستدعي تضافر الجهود بين مختلف الأطراف لضمان أن تبقى الخيارات الصحية هي الأكثر توفرًا والأقل تكلفة.
المصدر: وكالات