لا ينتهي الجدل حول وضع قطاع النقل الحضري في مدينة القنيطرة إلا ليبدأ من جديد، فبعد أن تم تجديد أسطول الحافلات التي كانت مثارَ غضب يومي للقنيطريين، بسبب رداءتها، وكانوا يصفونها بـ”الدبابات”، لكون نوافذ أغلبها تُغلق بالحديد تعويضا لزجاجها المكسور، أثار هذا القطاع جدلا جديدا، بعد الحديث عن خروقات مالية في اتفاقية النقل الحضري بعاصمة الغرب.
الحلقة الجديدة من “مسلسل فضائح النقل الحضري” في مدينة القنيطرة انطلقت بعد توجيه الهيئة الوطنية لحماية المال العام والبيئة شكاية إلى الوكيل العام للمملكة لدى محكمة الاستئناف بالرباط، طالبت فيها بفتح تحقيق معمق حول خروقات يشتبه أن تكون شابت صفقة النقل الحضري بين المجلس الجماعي القنيطرة وشركة التدبير المفوض، والمقدرة بـ13 مليارا ونصف مليار سنتيم.
وبحسب ما جاء في الشكاية التي أحيلت على قسم جرائم الأموال باستئنافية الرباط فإن صفقة إدخال الحافلات الجديدة إلى مدينة القنيطرة بلغت قيمتها 30 مليار سنتيم، منها 13 مليار سنتيم عبارة عن دعم من وزارة الداخلية وجهة الرباط-سلا-القنيطرة، ومجلس المدينة، على أساس أن توفر الشركة المفوّض لها مرفق النقل الحضري مبلغ 17 مليار سنتيم.
ويتجلى الخرق الذي بسببه رفعت الهيئة الوطنية لحماية المال العام والبيئة شكاية في الموضوع إلى الوكيل العام للملك في إقدام الشركة المفوض لها تدبير النقل الحضري بالقنيطرة على توظيف مبلغ الصفقة الممنوح لها كاملا، والمحدد في 13 مليار سنتيم، من أجل شراء أسطول الحافلات الجديدة، مع تسجيل رهن عليها لفائدة المؤسسة البنكية المُقرضة، في حين أنها كانت ملزمة بتوفير مبلغ 17 مليارا، بالإضافة إلى المبلغ الممنوح لها لشراء الأسطول دون إجراء أي رهن عليه.
وبلغ عدد الحافلات التي تم رهنها لدى البنك كضمانة للحصول على قرض لشراء حافلات أخرى 69 حافلة، تعود ملكيتها إلى الجماعة الحضرية للقنيطرة، وتم اقتناؤها بتمويل عمومي قدره 12.5 مليار سنتيم، بحسب ما جاء في سؤال كتابي وجهه النائب البرلماني مصطفى الإبراهيمي، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب، إلى وزير الداخلية.
وقال النائب البرلماني ذاته، في السؤال الذي وجهه إلى وزير الداخلية، إن قيام الشركة المفوض لها التدبير المفوض للنقل الحضري بالقنيطرة برهن الحافلات المقتناة من المال العام لدى البنك للحصول على قرض لشراء حافلات أخرى يشكل مخالفة للمادة 10 من دفتر التحملات، التي تمنع رهن أو كراء أو وضع هذه الحافلات تحت تصرف أي جهة أو مؤسسة.
واعتبرت الهيئة الوطنية لحماية المال والبيئة أن المجلس الجماعي لمدينة القنيطرة أصبح في وضعية يستحيل معها استرجاع أسطول الحافلات التي رهنتها الشركة المفوض لها تدبير النقل الحضري بالمدينة لدى البنك، في حال وقوع أي خلاف أو صعوبة في تنفيذ عقد القرض الذي يربط بين المؤسسة البنكية والشركة المذكورة، رغم أن “الحافلات المرهونة” تعود ملكيتها للمجلس.
وفي ظل هذا الوضع، اعتبرت الهيئة ذاتها في الشكاية المرفوعة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط أن أسطول الحافلات المملوكة لجماعة القنيطرة، والمقتناة من المال العام، سيكون “عرضة للحجز ضمانا لاستيفاء الديون وفوائدها للمؤسسة المُقرضة، وهو الأمر الذي يكون معه مبلغ 13 مليار سنتيم الممنوح من طرف الدولة عرضة للضياع، وبذلك تكون معه جريمة تبديد المال العام قائمة في نازلة الحال”.
وكشف حميد الصياد، المنسق الإقليمي للهيئة الوطنية لحماية المال العام، أن الهيئة توصلت إلى أن 138 بطاقة رمادية لحافلات النقل الحضري موضوع الصفقة بين الشركة المفوض لها والمجلس الجماعي هي مشطوبة (Cartes grises barrés)، أي إن الحافلات تم اقتناؤها بقرض، مضيفا: “نحن نتساءل أين ذهبت 13 مليار درهم؟ وقد حاولنا البحث أين صُرفت ولم نتوصل إلى أي جواب”.
وأفاد الصياد، في تصريح لهسبريس، بأن هناك لجنة مشتركة لتتبع مدى احترام بنود دفتر التحملات الخاص بصفقة تدبير النقل الحضري، لكنها لم تجتمع منذ سنتين، وهو المعطى الذي أكده النائب البرلماني مصطفى الإبراهيمي في السؤال الذي وجهه إلى وزير الداخلية، حيث أشار إلى “عدم عقد اللجنة المذكورة، بعد مضي الآجال، أي اجتماع لتقييم تنزيل التزامات الشركة من حيث عدد الحافلات وأصنافها والتجهيزات الضرورية”.
ولم يتسنّ استقاء رأي رئيس المجلس الجماعي للقنيطرة في الموضوع، بسبب وجود هاتفه خارج الخدمة، والأمر نفسه بالنسبة للمسؤول عن قسم الشؤون القانونية بالمجلس، في حين أكد حميد الصياد أن الوكيل العام للملك فتح بحثا في الموضوع.
المصدر: وكالات