أعادت القرارات المتوالية للولاة والعمال عبر مختلف جهات وأقاليم المملكة القاضية بصرف حصص إضافية من منتج الضريبة على القيمة المضافة لفائدة جماعات ترابية، إلى الواجهة، سؤال الحكامة والاستدامة المالية لهذه لجماعات، خصوصا القروية منها، في سياق السعي إلى ترسيخ جهوية متقدمة، قائمة على العدالة في توزيع الموارد والتضامن بين الجهات، وتأمين نمو متوازن ومستدام، بما ينعكس إيجابا على جودة الخدمات ومستوى عيش المواطنين.
وأظهرت الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن الخزينة العامة للمملكة استقرار حصة الجماعات الترابية من منتج الضريبة على القيمة المضافة عند مليار و293 مليون درهم متم ماي الماضي، لتشكل هذه الضريبة موردا مهما لعدد من الجماعات، التي فاقت حاجياتها الإمكانيات الذاتية ومساهمات الدولة ومبالغ الافتراضات المبينة في القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات رقم 113.14. ويتعلق الأمر بميزانية إضافية، تساعد على تغطية التزامات الجماعة، خصوصا ما يتعلق بضمان التسيير العادي وتغطية التكاليف التشغيلية، الموزعة بين الأجور وفواتير الماء والكهرباء وغيرها من النفقات.
وإذا كان القانون الجبائي 07.20، المغير والمتمم للقانون 47.06، حمل مجموعة من المقتضيات الهادفة إلى الرفع من الموارد الذاتية للجماعات الترابية فإن إجراءات وآليات التحصيل الجبائية المتبعة من قبل الجماعات ظلت قاصرة عن بلوغ الأهداف المتوخاة من هذا الإطار التشريعي، خصوصا الرسم على الأراضي غير المبنية، موضوع مراسلة من قبل وزير الداخلية إلى الولاة والعمال أخيرا، إذ أظهرت عمليات التحصيل تكبد الجماعات خسائر مهمة عن نزاعات قضائية مرتبطة بهذه الفئة من الرسوم، لتظل الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات والرسم على عقود التأمين مهيمنة على أزيد من 55 في المائة من إجمالي مداخيل الجماعات الترابية.
اختلالات التحصيل
اعتبر القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات رقم 113.14، في المادة 181 منه، مجموعة من النفقات إجبارية بالنسبة إلى الجماعات الترابية، وتهم الرواتب والتعويضات الممنوحة للموارد البشرية بالجماعة وأقساط التأمين، وكذا مساهماتها في هيئات الاحتياط وصناديق التقاعد ونفقات التعاضديات، إضافة إلى المصاريف المتعلقة باستهلاك الماء والكهرباء والمواصلات، والديون المستحقة، وكذا المساهمات الواجب تحويلها لفائدة مجموعات الجماعات الترابية ومؤسسات التعاون بين الجماعات، والالتزامات المالية الناتجة عن الاتفاقيات والعقود المبرمة، ناهيك عن نفقات تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الجماعة، ومخصصات تسيير المقاطعات بالنسبة إلى تلك المرتبطة بنظام المقاطعات.
وبالنسبة إلى مصطفى حجوج، مستشار في القوانين الضريبية، فالنفقات المذكورة تفرض على الجماعات الترابية التوفر على منظومة قوية للتحصيل، لتأمين الموارد اللازمة من أجل تغطية التزاماتها المالية، موضحا أن مجموعة من الاختلالات تحول دون تحقيق ذلك، إذ تعاني جماعات من نقص في الموارد البشرية والمادية المناسبة لإجراء عملية تحصيل فعالة للرسوم، فيما يفتقر الموظفون المكلفون بالتحصيل إلى التكوين والأدوات اللازمة لأداء مهامهم بكفاءة، ومشددا على أن تنامي مستوى عدم الامتثال والتهرب الضريبي في صفوف الملزمين المحليين أدى إلى تعقيد عملية تحصيل الرسوم، ما يفرض ضرورة تعزيز آليات الرقابة والعقوبات لتشجيع الالتزام بالواجبات الضريبية.
وأضاف حجوج، في تصريح لهسبريس، أن مشكل التنسيق والتواصل بين الإدارة الجماعية والملزمين يظل من أبرز العقبات أمام نجاعة التحصيل، مشيرا إلى ضرورة تعزيز قدرات الجماعات في مجال تحصيل الرسوم، من خلال التكوين المستمر للموظفين واستخدام التكنولوجيا الحديثة لرقمنة عمليات التحصيل، بالإضافة إلى تبسيط الإجراءات الإدارية وتقليل البيروقراطية، بما يمكن من تسريع تحصيل الرسوم وتقليص التكاليف الإدارية، ومنبها في السياق ذاته إلى أهمية وضع عقوبات أكثر صرامة للمخالفين، وتقديم حوافز للملزمين الذين يؤدون رسومهم في الوقت المحدد، إذ يمكن أن تحسن هذه الإجراءات من معدل التحصيل وتقلل من مستوى المنازعات القضائية.
التدبير الجبائي
مازالت مجموعة من الجماعات الترابية، باختلاف قدراتها ومواردها وحجم الأنشطة الاقتصادية الحاضنة لها، قاصرة على مستوى التدبير الجبائي، أي تحصيل الموارد الضريبية بمنهجية معقلنة، تتجاوز مبدأ “كثرة الضرائب تقتل الضرائب”، مع مراعاة العدالة الضريبية والحرص على توسيع الوعاء الجبائي؛ ذلك أن مستوى مديونية الجماعات في تزايد خلال السنوات الأخيرة، خصوصا لفائدة صندوق التجهيز الجماعي “بنك الجماعات”، ما يفرض ضرورة إيجاد حلول عملية لضمان الاستدامة المالية للإدارات الجماعية في التسيير والتدبير الذاتي، وتقليص نسبة اعتمادها على المداخيل “الثابتة”، الواردة عن مساهمات الدولة والقروض.
وأوضح أبو بكر مصلوحي، أستاذ باحث وخبير في المالية العمومية، في تصريح لهسبريس، أن تحصيل الضرائب المحلية غالبا ما يكون غير فعال بسبب القدرة التدبيرية والتقنية المحدودة للجماعات الترابية، مؤكدا أن قواعد البيانات الجبائية دائما ما تكون غير مرقمنة أو محينة، ما يصعب عملية تحديد دافعي الضرائب وجبايتهم، ومنبها إلى وجود نقص في الشفافية عند تدبير الموارد الجبائية المحلية، ما يؤدي إلى تعزيز عدم الثقة لدى المواطنين والاتهامات بالفساد؛ كما شدد على وجوب تقوية الجماعات الترابية آليات المساءلة والتدقيق لضمان إدارة سليمة وشفافة للأموال العامة، ومشيرا في السياق ذاته إلى أهمية استغلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين أداء التدبير الجبائي في الجماعات.
واعتبر مصلوحي أن إشراك المواطنين في العملية الميزانية والتدبير الجبائي يمكن أن يعزز الشفافية والامتثال عند أداء الضرائب المحلية، موضحا أن الميزانيات التشاركية يمكن أن تساعد في توجيه النفقات العامة نحو أولويات سكان الجماعات، وتحسين نظرة المواطنين حول استخدام الأموال العامة، ومؤكدا في السياق ذاته أن نشر ميزانيات الجماعات والكشف عن المداخيل والنفقات بشكل دوري ومفصل، واستخدام منصات الإنترنت لنشر هذه المعلومات وتعزيز الشفافية، من شأنه تحسين مسار إدارة الموارد الضريبية، مع الحرص على تعزيز آليات الحكامة، من خلال إحداث لجان مستقلة لمراقبة وتدقيق العمليات الجبائية، وتتبع المردودية المالية لكل رسم وضريبة على حدة.
المصدر: وكالات