بعنوان “شيخ العلوم وقدوة الأجيال”، كرمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بتعاون مع دار الحديث الحسنية، العلَم الراحل محمد المختار ولد ابّاه، الخميس بالعاصمة الرباط، بحضور سفيري دولتي موريتانيا وفلسطين، ومدير منظمة الإيسيسكو، ووجوه بحثية ومسؤولة من إفريقيا والعالم العربي.
أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، قال إن هذه الجلسة الافتتاحية تتذكر “شخصية نادرة، قلما نجد لها مثيلا (…) من طينة خاصة، خصص حياته كلها لخدمة عقيدته، بالتأليف والتحليل، وخدمة وطنه، فقد خدم موريتانيا بكل ما أوتي من قوة، وتمكن من تأسيس جامعة حرة لتعليم أبنائها، مع مساعدتهم بعد الانتهاء في الالتحاق بمؤسسات أجنبية”.
وأضاف: “لقد خصص محمد المختار ولد ابّاه حياته لخدمة وطنه ومواطنيه، وخدمة الصداقات التي كانت تربطه بعدد غير قليل من العلماء والأساتذة المغاربة وغير المغاربة”، مستحضرا عمله بدار الحديث الحسنية حيث كوّن الطلبة “تكوينا رصينا”، و”رغم طول المدة التي مرت على التحاقه، إلا أن أثره بقي متواصلا، لأنه بقي على علاقة وطيدة جدا مع أساتذتها وموظفيها وطلبتها”.
أحمد سعيد ولد اباه، نجل الفقيد مستشار المدير العام المكلف بملف الشراكات والتعاون الدولي، عبر عن عرفانه لهذه المبادرة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ودار الحديث الحسنية، قائلا إنها “وفاء للعهد وأداء للواجب”.
واعتبر أحمد سعيد الرسالة الملكية إلى عائلة الفقيد “خير دليل على عمق الصلات والروابط بين رجلٍ وبلد، بادله (…) وفاء بوفاء وتقديرا بتقدير”.
وتحدث نجل الفقيد عن محطات اكتشاف أبيه لما وراء نهر السينغال وشمال إفريقيا، و”الروابط الروحية بين الشعوب، والأمة العربية الإسلامية، وأهمية إفريقيا”، موضحا في المحطة المغربية أن الراحل “ناضل من أجل مشروع جيو-استراتيجي، بعيدا عن الاصطفاف العاطفي”، وكان “اللقاء مع محمد الخامس، وولي العهد آنذاك مولاي الحسن، ودرس في جامعة محمد الخامس، وأصبح لاحقا أول موريتاني يحصل على شهادة من الجامعة المغربية”.
كما تطرق إلى عمله في الشأن الثقافي ومن أجل فلسطين في المحطة الحجازية من رحلة حياته، لما كان أمينا عاما مساعدا لمنظمة التعاون الإسلامي.
وحول المحطة الغربية، ذكّر المتحدث بأن أول وعي محمد المختار ولد ابّاه به كان في فترة الاستعمار، وجاءت “ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، غرسا للنص القرآني في الفضاء الفرنكفوني، وتلك التربة، بعدما كانت هذه اللغة مرتبطة بعلاقة ثقافية معينة، كما ترجم إلى العربية قصائد فرنسية”.
وعند عودة الفقيد إلى مسقط الرأس وبلاد النشء، “استأنف المسار حيث توقف، وانطلقت مرحلة جديدة من العمل”، في إحداث الجوائز العلمية، وتأسيس جامعة شنقيط العصرية، وإصدار كتب وأنظام وبحوث، وهو ما توّج بتكريم من رئيس البلاد محمد ولد الشيخ الغزواني، تقديرا لسيرة هذا العلم، الذي أعطى أيضا لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة “من جهده ووقته الكثير. وختم سيرته بالقرآن، كتاب الله، أعز كتاب إليه، حيث أنشأ من أجل خدمته مؤسسة خاصة في موريتانيا”.
عن محمد المختار ولد اباه الذي عرفه منذ 1958، وعن مبايعتهما مع آخرين الملك محمدا الخامس “تأكيدا لمغربيتنا التي ما انقطعت”، قال حمداتي شبيهنا ماء العينين، مكلف سابق بمهمة في الديوان الملكي: “كان ولد اباه يرى أن المغرب وموريتانيا لهما من الصلات العرقية والدينية والسياسية والثقافية والمسؤولية الإسلامية ما يجعلهما شريكين متميزين في الشخصية والسيادة، كل يمارس سياسته كدولة مستقلة ليس لأحد منها منة أو سلطة، لكن يحتم عليهما التاريخ أن يكونا مشتركين في الغرب الإسلامي”.
وأضاف: “الشام كان دولة قوية في الإسلام، وصار أربع دول: سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وافتراقهم لا يمحو اشتراكهم على مدى 1000 سنة، ولا يستطيعون الوصول إلى ما يريدون إلا بالاشتراك في العمل الصالح”، و”لا يمكن اختزال التاريخ” بعواطف “لم تستند إلى معرفة (العلاقات والتآخي بين الإمارات الموريتانية والمغربية) ومعرفة كنهها”.
وجدد المتدخل ذكر أن الفقيد قد آمن بـ”تكريس الأخوة الدائمة بين البلدين، مع احترام السيادة والكينونة الخاصة”، وآمن بدورهما “المنقذ للفكر الإنساني والإسلامي”، والرسولي من أجل “السلام، والوحدة العربية والإسلامية”، من منطلق “مكانهما الجغرافي وعبقرية أبنائهما”، وهي رؤية تمسك بها إلى آخر عمره حيث “ختم حياته بتأسيس جامعة شنقيط العصرية”، التي قال للشاهد إنه قد “أراد بها مؤسسة تجمع الشمال الإفريقي”.
المصدر: وكالات