قال الكاتب والخبير الإستراتيجي أكلي شكا، أحد أبرز شخصيات الطوارق على الساحة الدولية، الذي تلقبه الأوساط الإعلامية الغربية بـ”الصندوق الأسود للصحراء” ومؤسس منظمة “إيموهاغ” الدولية من أجل العدالة والشفافية، إن “وضع الطوارق اليوم في الجزائر خطير جدا وقابل للانفجار في أي لحظة”، مشيرا إلى أن “القيادة السياسية أصبحت اليوم وبحكم الأمر الواقع مقتنعة بأن مشكلة الشعب الأزوادي الأساسية ليست مع مالي، ولكن مع جنرالات الجزائر الذين يديرون الصراع في السر والعلن ضد المطالب الشرعية للطوارق”.
ولفت شكا، في حوار أجرته معه جريدة هسبريس، إلى أن فرنسا هي الأخرى “مسؤولة عن شتات الطوارق وعن الجرائم والإبادات الجماعية التي حصلت في مالي والنيجر، وقمع الثورات التي قادها الطوارق في هذين البلدين”، مشيرا إلى أن “نهاية الوجود الفرنسي في المنطقة دليل صارخ على أن لكل ظالم نهاية، ورسالة قوية لكل من يحاول تجاهل مطالب وإرادة الشعوب في التحرر”، وداعيا في الوقت ذاته المملكة المغربية إلى “الاعتراف بدولة أزواد”.
وهذا نص الحوار كاملا
أولا من هم الطوارق أو “الشعب الأزرق” وأين يتواجدون؟.
الطوارق كغيرهم من سكان منطقة شمال إفريقيا والصحراء الكبرى ينتمون إلى الأمة الأمازيغية، فهم شعب عريق وقديم قدم هذه الأرض، ويتوزعون بين عدد من المناطق والدول حديثة العهد، وهي جنوب ليبيا، حيث تعرف منطقتهم بإقليم “تارجا”، وجنوب الجزائر في إقليم يسمى “أزجر” أو “الهقار”، ثم منطقة “أزواد” شمال مالي، وكذلك شمال النيجر في إقليمي “أيار” و”أزواغ”، حيث كانت هذه المناطق قبل الاستعمارين الفرنسي والإيطالي جميعها تحكمها مجموعة السلطنات التقليدية التارقية التي يتزعمها “أمغار”، أي زعيم السلطة أو القبيلة.
طيب، بكم يقدر عدد أفراد “شعب الطوارق”؟.
في حقيقة الأمر، لا توجد إحصائيات دقيقة، وأغلب الأرقام التي تقدمها دول المنطقة حول الطوارق دائما ما يشوبها التزوير والمغالطات، بحكم أن هذه الدول تحاول دائما تقزيم دور الطوارق في المنطقة وإظهارهم على أنهم أقلية بسيطة لا ترقى إلى حجم المطالب التي يرفعونها، ولكن بحسب معرفتنا وتقديراتنا يصل عدد الطوارق اليوم وإخوانهم من العرب إلى خمسة ملايين نسمة.
بما أنكم ذكرتم المطالب، ما هي أبرز مطالب الطوارق اليوم؟.
عندما يتعلق الأمر بمطالب الطوارق يتوجب علينا أولا أن نتحدث حسب كل دولة وموقع جغرافي، فمثلا مطالب الطوارق في مالي ليست كمثل مطالبهم في ليبيا أو الجزائر، كما أن مطالبهم في النيجر تختلف عن بقية المناطق الأخرى.
حتى هذه اللحظة، أغلب مطالب الطوارق في ليبيا والجزائر تحديدا هي مطالب تتعلق بالمساواة وبتنمية مناطقهم والتمثيل السياسي والعدالة الاجتماعية ومراعاة خصوصيتهم الثقافية واللغوية. لكن يجب أن نشير هنا إلى أمر مهم وخطير، لاسيما عندما يتعلق الأمر بمطالب الطوارق في جنوب الجزائر التي أصبحت تزداد يوما بعد يوم، وهذا طبعا ناتج عن تعنت النظام الجزائري في تعامله مع هذه المطالب البسيطة، وإذا لم تتصرف الدولة الجزائرية بشكل عاجل في تحسين علاقتها بمواطنيها من الطوارق ربما تصل هذه المطالب في المستقبل القريب إلى اللجوء إلى حمل السلاح والتمرد.
أما مطالب الطوارق في مالي فهي مختلفة تماما، حيث إن الطوارق في هذه المنطقة ومنذ خروج المستعمر الفرنسي قادوا ثورات مسلحة ضد النظام المالي المدعوم تاريخيا من الجزائر ومن فرنسا حتى وقت قريب، ويطالبون بالانفصال عما يسمونه الجسم الغريب الذي أُرغموا على الالتصاق به، وهو الدولة المالية؛ ذلك ألا شيء يربط الطوارق في أزواد مع الدولة المالية، سواء من حيث العادات أو التقاليد أو حتى المعتقدات، فأغلب سكان مالي وثنيون ولهم عادات تختلف تماما مع أهل الشمال.
أما في النيجر فالمطالب كانت حتى وقت قريب مثل مطالب طوارق مالي للأسباب نفسها، غير أن الدولة النيجرية استطاعت أن تحل مشكلتها مع طوارقها، وحدث فيها دمج حقيقي لهم، على عكس مالي التي لم تنجح فيها هذه العملية رغم الاتفاقيات بين الحكومة والطوارق، بحكم أن راعي هذه الاتفاقيات غير عادل، وهو الجزائر.
كيف هو الوضع السياسي والاجتماعي للطوارق اليوم في كل من الجزائر وليبيا؟.
وضع الطوارق اليوم في الجزائر على الخصوص خطير جدا وقابل للانفجار في أي لحظة، وللأسف الشديد فإن النظام الجزائري الذي يعيش معظم قادته حياة الرفاهية والبذخ في العواصم الغربية جزء مباشر وأساسي من هذا الخطر.
ولعلمكم فجنوب الجزائر اليوم أصبح يعج بالثكنات العسكرية والمراكز البوليسية والسجون أكثر من المشاريع التنموية، ثم إن نصف شباب الطوارق اليوم يقبعون ظلما وعدوانا في السجون الجزائرية، حتى إن أغلبهم لم يخضعوا للمحاكمات وتم اعتقالهم لأسباب واهية. ومن مظاهر الخطر الذي تحدثت عنه أن النظام الجزائري يعين عمداء البلديات من أبناء الشمال، ويمنع عن الطوارق تولي هذه المناصب، كما يمنع عنهم الانخراط في الجيش وتولي المناصب السيادية في الدولة. كما أن معظم مناطق الطوارق في الجزائر تعيش فقرا في البنيات التحتية المتهالكة، إذ لا يوجد مستشفى واحد يصلح لعلاج أبسط الحالات والأمراض رغم أن الطوارق يشغلون 80 في المائة من المساحة الإجمالية للدولة الجزائرية؛ أضف إلى ذلك أن الحقول النفطية المتمركزة في الجنوب تعد المصدر الأساسي لاقتصاد الدولة في الجزائر.
وأشير هنا إلى أن أغلب الطوارق اليوم في المنطقة، خاصة في منطقة “أزواد”، يعلمون جيدا أن مشكلتهم الأساسية ليست مع الدولة المالية التي يهزمونها ويطردون قواتها من إقليمهم في كل مرة يرفعون فيها السلاح ضد الحكومة، قبل أن تتدخل الجارة الظالمة، الجزائر، كما يطلقون عليها، لتعيد المستعمر لهم من جديد. ثم إن الجميع اليوم لا ينظرون إلى الجزائر كوسيط، بل كطرف أساسي في الصراع، وهذا طبعا مبني على مواقف ومعطيات رسمية من الدولة نفسها؛ فرغم أننا لا ندعو نهائيا إلى رفع السلاح أو زعزعة الاستقرار الصوري للجزائر، وذلك لأن زعزعة الدولة ستكون له نتائج كارثية على الجميع، إلا أنه لا يمكن أن نغمض عيوننا وأن نتجاهل هذا الوضع الخطير الآخذ في الزيادة والانفجار.
ماذا عن ليبيا؟.
كما سبق وقلت فإننا لم يسبق على الإطلاق أن دعونا إلى رفع السلاح في وجه ليبيا والجزائر تحديدا، وكانت مطالبنا دائما في الدولتين بسيطة وشرعية لا تتعدى تحسين الظروف المعيشية لشعبنا، ولا نسعى بتاتا إلى أن تصل الأمور إلى رفع السلاح. ومع ذلك إذا لم تسارع الدولتان إلى تحسين علاقتهما مع مواطنيهما من الطوارق ستظل هذه الفرضية قائمة وقابلة للتطبيق في أي لحظة؛ ذلك أنه نظرا لغياب الخيارات الأخرى من الطبيعي جدا أن يلجأ الطوارق كأي شعب آخر يتعرض للاضطهاد والتهميش إلى السلاح، وكل المعطيات على الأرض توحي وتُنبئ بمستقبل خطير وقاتم في هذين البلدين.
لكن لا بد من الإشارة من باب الإنصاف إلى أمر هام هنا، فرغم تقارب تهميش الطوارق سياسيا واقتصاديا في كل من ليبيا والجزائر إلا أنه لا يمكن أن نقارن حجم التهميش في كلا البلدين، فالطوارق في ليبيا رغم حرمان الكثير منهم من حقوقهم المدنية والسياسية غير أن طيفا كبيرا منهم يتمتع بالكثير من المزايا، حيث تجدهم في كل مفاصل الدولة الليبية، بينما يغيب هذا الأمر في الجزائر.
ما هو موقف الطوارق من دعم النظام الجزائري لجبهة البوليساريو التي تدعي أحقيتها على جزء من التراب المغربي؟.
دعم الجزائر للبوليساريو هو تجسيد صارخ للتناقضات وازدواجية المعايير التي تحكم سلوك النظام الجزائري، فمسألة الصحراء هي شأن داخلي يخص المغرب وحده ولا يحق للجزائر أو غيرها أن تتدخل فيه. ونحن على يقين بأن الدبلوماسية المغربية تمتلك كل الإمكانيات لتسوية هذا الإشكال دون تدخل من أحد، كما أن معظم الدول الفاعلة في الساحة الدولية اليوم تعترف بأحقية المغرب على صحرائه، ليبقى الموقف الجزائري مجرد تشويه وزوبعة في فنجان الغرض منها التشويش على استقرار البلد المتقدم في كل المجالات على الجزائر؛ ذلك البلد الغني بالنفط والغاز تذهب إيراداته النفطية إلى جيوب جنرالات الجيش لشراء العقارات والفيلات في باريس ولندن، ولدعم الجماعات الإرهابية ضد شعوب المنطقة.
المدهش حقا في هذه المسألة هو أن تعترف الجزائر بما تسمى “الصحراء الغربية”، وتنكر في الوقت ذاته بل تسخر كل إمكانياتها ضد مطالب الطوارق المتمثلة في استقلال إقليم أزواد، رغم أن الطوارق لم يسهموا يوما في أي حراك ضد الجزائر، بل على العكس من ذلك ساهموا أثناء الثورة الجزائرية في دعمها برجالهم وإبلهم، ومع ذلك لم يكافؤوا من النظام الجزائري سوى بدعم نظام باماكو بالأسلحة والأموال ضد مطالبهم وبالزج بهم في السجون والمعتقلات.
ونحن ننتهز هذه الفرصة والعلاقة التاريخية التي تجمع الطوارق بالمغرب لدعوة الأشقاء في المملكة إلى الاعتراف بدولة أزواد، وكذلك تسلم ملف المفاوضات مع الدول المعنية، لاسيما بعد فشل النظام الجزائر في هذا الأمر ست مرات، ذلك أن الأزواديين اليوم بحاجة إلى وسيط عادل وقوي يمتلك القدرة والإرادة الدولية لإيجاد حل لهذه المشكلة بشكل جذري.
ماذا عن علاقتكم مع فرنسا، هل كان للتواجد الفرنسي في الساحل والصحراء أي تأثير على قضيتكم؟.
فرنسا هي سبب كل مآسينا ووضعنا الحالي، فهي التي جزأت أراضينا التقليدية بين مجموعة من الدول، وهي التي وفرت الحماية لأنظمة هذه الدول، لاسيما في كل من مالي والنيجر والجزائر، وهي المسؤولة عن شتات هذه الأسرة الصغيرة (الطوارق)، والمسؤولة كذلك عما حصل من الجرائم والإبادات الجماعية في كل من مالي والنيجر وفي قمع ثورات الطوارق في هذه الدول.
وباريس هي المسؤولة أيضا عن التفجيرات النووية في جنوب الجزائر التي قامت بها بالاتفاق مع السلطة الجزائرية سنة 1958، والتي مازلنا نعيش تبعاتها وآثارها السلبية والخطيرة حتى يومنا هذا؛ وبالتالي فإن التدخل الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي، رغم أنه يعيش أنفاسه الأخيرة، كان له دور أساسي في استمرار معاناة الطوارق وفي إعاقة مطالبهم بالاستقلال؛ فخلال ثورة 2012 كما هو الحال في الثورات التي سبقتها تدخلت فرنسا سياسيا وعسكريا لإنقاذ نظام باماكو من زحف الحركات الوطنية لإنهاء الاحتلال المالي لمنطقة أزواد، وبقدرة قادر فإن فرنسا اليوم تدفع ثمن ممارستها وظلمها للشعب الأزوادي، ولم يعد لها أي وجود في المنطقة؛ وعليه فلا يوجد أمامها اليوم من أجل الحفاظ على مصالحها سوى الاعتراف بأخطائها التاريخية والاعتذار للطوارق عن طريق الاعتراف باستقلال أزواد.
كيف تنظرون إلى الانحدار الفرنسي في المنطقة الذي وصلت آخر فصوله إلى النيجر بعد كل من مالي وبوركينافاسو؟.
نهاية الوجود الفرنسي في المنطقة هو دليل صارخ على أن لكل ظالم نهاية. وهذا الخروج غير المتوقع يشكل رسالة قوية إلى كل من يحاول تجاهل مطالب وإرادة الشعوب في التحرر وفي تقرير مصيرها، فقد تجاهلت فرنسا مطالب الأفارقة، خاصة الأمازيغ-الطوارق، لعقود وارتكبت أخطاء تاريخية لا تُغتفر في حق هذه الشعوب، ما دفع هذه الأخيرة إلى البحث وعقد الاتفاقيات مع كل من يخلصها من المستعمر القديم.
الأحداث في مالي وبوركينافاسو وأخيرا في النيجر ما هي إلا دليل واضح على يقظة هذه الشعوب، وأنه لا مكان لفرنسا بينها؛ فمن كان منا يتوقع يوما أن نرى شعوب القارة السمراء وهي ترفع الأعلام الروسية بينما تدوس الأعلام الفرنسية بالأقدام؟.
في الأخير، وكخبير إستراتيجي هذه المرة، كيف ترون التحولات التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء؟ وأي تأثير لها على المستقبل الأمني للقارة الإفريقية؟.
للأسف منطقتنا مقبلة على صراعات وحروب أهلية وتغيرات جيو-إستراتيجية آخذة في التصاعد، فكل المؤشرات تشير إلى أن منطقة الساحل الإفريقي ستتحول في السنوات المقبلة إلى مسرح للتنافس بين الغرب من جهة والأخطبوط الصيني والدب الروسي من جهة أخرى.
ومن المتوقع أن تشهد القارة السمراء صراعات وانقلابات عسكرية أخرى، وربما تصل إلى إعادة ترسيم الحدود وميلاد دول جديدة، وبالتالي ما على فرنسا ودول المنطقة سوى إعادة مراجعة حساباتها، خصوصا في تعاملها مع مطالب وقضايا الطوارق العادلة الذين يعتبرون الجدار العازل بين جنوب الصحراء وشمال إفريقيا. فالطوارق اليوم بحكم موقعهم الاجتماعي والسياسي والجغرافي الغني بالمواد الطبيعية ومصادر الطاقة المتجددة يعتبرون لاعبا أساسيا ومستقبليا مهما في هذه المنطقة، ذلك أنهم منذ قرون كانوا في خط المواجهة مع شعوب القبائل الإفريقية المختلفة التي تحاول التمدد شمالا، كما أنهم البرزخ الفاصل والحامي لدول شمال إفريقيا (ليبيا والجزائر) وجنوب البحر الأبيض المتوسط من أقوام جنوب الصحراء التي تسعى منذ قرون إلى الزحف شمالا وإحداث تغيرات ديمغرافية خطيرة قد تنتهي في نهاية المطاف إلى الحرب بين الرجل الأبيض والأسود.
المصدر: وكالات