يستحضر الباحث المغربي محمد شقير، في مقال توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية، مجموعة من الجوانب التي تطرقت إليها جماعة العدل والإحسان في دعوتها إلى دولة مستقلة ومنفتحة.
ويركز شقير، في هذه المعالجة، على مقاربة ما يرتبط بـ”اختلالات الدبلوماسية الرسمية وسبل تطويرها” انطلاقا من “أولويات السياسة الخارجية”، زيادة على “تطوير آليات اشتغال الأجهزة الدبلوماسية”.
نص المقال:
في إطار دعوة جماعة العدل والإحسان إلى دولة مستقلة ومنفتحة، خصصت الوثيقة السياسية للجماعة حيزا خاصا للدبلوماسية الرسمية وطبيعة تفاعلها مع المحيطين الدولي والإقليمي بكل مكوناتهما القطرية ومنظماته الجهوية والعالمية.
وفي هذا الصدد، أشارت الوثيقة إلى أن المغرب رغم تمتعه بموقع جيوسياسي مهم “يجعل منه منطقة جذب للعديد من مشاريع الشراكة والتعاون الدوليين، ويمكنه من تأثير إقليمي وعالمي”، فإن دبلوماسيته ما زالت تعاني من مظاهر قصور كبرى تتطلب إعادة النظر في آليات اشتغالها.
اختلالات الدبلوماسية الرسمية
ترجع الوثيقة اختلالات الدبلوماسية الرسمية إلى احتكار المؤسسة الملكية لتدبير العلاقات الخارجية والعمل الدبلوماسي، واعتبار ذلك مجالا محفوظا، بالإضافة إلى تحكمها في وزارة الخارجية، وعدم السماح لباقي الفاعلين السياسيين بما فيها الأحزاب والبرلمان إلا بأدوار ثانوية؛ وهو ما أدى بهذه الدبلوماسية إلى مراكمة الفشل في معالجة العديد من الملفات والقضايا الخارجية المعقدة والمتشابكة بسبب الاختلالات التي تعرفها الدبلوماسية الرسمية وعدم تنويع أشكالها.
كما تعاني الدبلوماسية الرسمية، وفق المنظور السياسي للجماعة، من اختلالات عديدة تتمثل في محدودية إسهام السياسة الخارجية في التنمية الاقتصادية، وضعف آليات استقطاب الاستثمارات الخارجية وفتح أسواق جديدة للاقتصاد الوطني. وترجع الوثيقة هذه الاختلالات إلى أسباب عديدة؛ من أهمها غياب التخطيط الاستراتيجي، وضعف وشبه غياب للعمل المؤسساتي المتخصص الذي من شأنه التأثير وفتح الآفاق سياسيا واقتصاديا، بالإضافة إلى غياب معايير الكفاءة في إسناد مناصب المسؤولية في تدبير العلاقات الخارجية للمملكة والعمل الدبلوماسي، حيث يتم تعويض ذلك بمنطق الولاء للمخزن والريع والتسويات الحزبية.
تطوير الدبلوماسية الرسمية
لتجاوز هذه الاختلالات، تقترح الوثيقة إعادة النظر في أولويات السياسة الخارجة وتطوير آليات اشتغال الجهاز الدبلوماسي.
أولويات السياسة الخارجية
تقترح الوثيقة ضرورة إعادة تنظيم وتشكيل العلاقات الخارجية للمغرب مع القوى الإقليمية والعالمية وفق الأولويات التالية:
ـ تكريس الارتباط العضوي بالأمة العربية والإسلامية، وهو ما يقتضي العمل بمبدأ التعاون والتنسيق السياسي والثقافي والاقتصادي مع كل الشعوب والدول العربية والإسلامية، ببذل مزيد من الجهود لزيادة التعاون الثنائي مع هذه الدول، واعتماد دبلوماسية متعددة الاتجاهات تحقيقا للمصالح العليا المشتركة، مع رفض كل “أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب”؛
ـ تعزيز مقومات التكامل المغاربي، لبناء وحدة مغاربية ديمقراطية في أفق تمتين المصير المشترك، وبذل المزيد من الجهود من أجل إقامة الأمن والاستقرار في المحيط القريب واستمرار العلاقات الطيبة القائمة على الحوار وحسن الجوار؛
ـ تطوير العلاقات مع الدول الإفريقية في كل المجالات بما يخدم الأهداف التنموية والمصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للقارة؛
ـ الحفاظ على العلاقات مع أوروبا، التي تجمعها بالمغرب علاقات جغرافية وتاريخية، بناء على المصالح المشروعة والمتبادلة؛
ـ توفير مزيد من الحماية لحقوق المواطنين المغاربة الذين يعيشون خارج الوطن، وحمل الأجهزة الدبلوماسية الموجودة من سفارات وقنصليات على العمل بشكل أكثر فعالية من أجل معالجة مشاكلهم؛
ـ تنويع العلاقات الخارجية، لتشمل العديد من الدول والتجمعات الدولية، وتكثيف التعاون خاصة في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والاستثمار والتجارة.
تطوير آليات اشتغال الأجهزة الدبلوماسية
لتفعيل دور الأجهزة الدبلوماسية للمملكة، تقترح الوثيقة، بالإضافة إلى وضع استراتيجية فعالة للسياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي، ما يلي:
ـ إشراك مختلف القوى الوطنية والهيئات والشخصيات ذات الخبرة الدولية العالية في بلورة وتنزيل العمل الدبلوماسي، من خلال جعل السياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي مجالا وطنيا مشتركا وتشجيع الدبلوماسية الموازية غير الرسمية؛
ـ العمل باستمرار على الرفع من كفاءة أطر السياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي، من خلال تكوينات منتظمة في الجامعات وبعض المعاهد المتخصصة، مع تشجيع وتيسير ولوج الكفاءات المغربية إلى المنظمات الدولية والإقليمية؛
ـ إحداث مراكز للفكر والرأي ومؤسسات للدراسات الاستراتيجية تضطلع بمهام أكاديمية وبحثية استشرافية لخدمة قرار السياسة الخارجية، ومد مختلف المؤسسات المعنية بالمشورة والرأي؛
ـ تأهيل قدرات المفاوض المغربي في مختلف المجالات لحماية ورعاية المصالح الحيوية الوطنية، سواء داخل الهيئات والتمثيليات الدبلوماسية أو المنظمات الدولية المختلفة؛
ـ تشجيع الدبلوماسية الرقمية، وفتح آفاق جديدة للعمل الدبلوماسي من أجل إشراكه في استراتيجيات التنمية الوطنية؛
ـ اعتماد اللغة العربية في كل المحافل الدولية، من قبل أطر وزارة الخارجية والدبلوماسيين المغاربة ومختلف ممثلي المغرب، وخاصة في المناسبات الرسمية.
المصدر: وكالات