تعود المخرجة الفرنسية هيلين هاردر بشريط وثائقي جديد يسلط الضوء على واحدة من أبرز الوجوه النسائية المقاومة في المغرب خلال سنوات الرصاص، وهي المناضلة فاطنة البويه، التي واصلت الدفاع عن قيم الحرية والعدالة والمساواة رغم مرور عقود على التجربة القاسية التي عاشتها.
الفيلم الوثائقي الجديد يحمل عنوان “فتنة، امرأة تدعى رشيد”، مبرمج ضمن فقرة “آفاق” خلال الدورة الثانية والعشرين من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، ويشكل عملا بصريا وإنسانيا يعيد قراءة ذاكرة شخصية ظلت جزءا من التاريخ المغربي المعاصر.
الشريط من توقيع هاردر كتابة وإخراجا، ويستمد عنوانه من كتاب يحمل الاسم نفسه “امرأة تدعى رشيد”، ويوثق سيرة فاطنة البويه ومسارها الفكري والنضالي.
تفتح المخرجة الفرنسية نافذة واسعة على حياة فاطنة البويه، مستعيدة مسارها منذ شبابها حين كانت في الحادية والعشرين من العمر، تاريخ اعتقالها وتعرضها للتعذيب خلال سنوات الرصاص.
وباستعمال صور أرشيفية نادرة من سبعينات القرن الماضي ولقطات معاصرة من قلب الدار البيضاء، يرصد الفيلم حياة هذه المرأة التي لم تنكسر رغم التجربة القاسية، ولم تتخل لحظة عن حلم التغيير. واليوم، وهي في الـ 67 من عمرها، تواصل فاطنة نضالها اليومي عبر مبادرات ملموسة: دعم حقوق النساء، مرافقة معتقلات سوريات ناجيات من سجن صيدنايا، وتنظيم مهرجان سينمائي داخل مراكز الإصلاح الخاصة بالقاصرين.
ترافق المخرجة هيلين هاردر “فتنة” في أنشطتها اليومية داخل الدار البيضاء، وخاصة خلال تنظيم مهرجان سينمائي داخل سجن عكاشة، حيث تتحول تنقلاتها في المدينة إلى رحلة عبر الزمن، يمتزج فيها الماضي بالحاضر من خلال صوتها الخلفي ومونتاج صور أرشيفية مرممة من سبعينات القرن الماضي.
يسعى الفيلم إلى إبراز استمرار حلم التغيير الذي حملته “فتنة” منذ طفولتها، رغم كل أشكال القمع التي عاشتها، وإلى قراءة المسار الفردي والجماعي للمجتمع المغربي في تلك المرحلة التاريخية.
وباعتماد مواد أرشيفية أعيد ترميمها من كنوز السينما المغربية في الستينات والسبعينات، من بينها أرشيف الخزانة السينمائية المغربية، ينجح الشريط في بناء بورتريه إنساني مؤثر، تتداخل فيه الأصوات والأماكن والذاكرة؛ فصوت فاطنة البويه، وتنقلاتها في الدار البيضاء، ولقاءاتها مع أسرتها ومحيطها، تتحول جميعها إلى عناصر سردية تمنح المتفرج إحساسا عميقا بحياتها اليومية وبقوة حضورها الإنساني.
يمثل عرض الفيلم في مهرجان مراكش حدثا فنيا واعترافا بقيمة هذه الشخصية التي تركت بصمتها في التاريخ المغربي المعاصر، فـ”فتنة، امرأة تدعى رشيد” ليس مجرد وثائقي، بل هو شهادة على دور النساء في بناء الذاكرة الجماعية، وعلى أهميتهن في إعادة رواية الماضي بشكل أكثر شمولية وإنسانية.
كما يوجه الفيلم رسالة مفادها أن قصص النساء، خصوصا اللواتي مررن بتجارب نضالية، تشكل أساسا لفهم المجتمع وتاريخه ومسارات تطوره.
يضم فريق الفيلم أسماء معروفة في مجال الإنتاج السينمائي، من بينها نادية بن رشيد ولورانس مانهايمر في المونتاج، وجان-دافيد لوفيفر وإلهام رؤوف في الإنتاج، إلى جانب شركاء من فرنسا وبلجيكا. كما وقعت الموسيقى كل من شارلوت ميزون ودافيد بابوليس، فيما أشرف على تصميم الصوت فْلوي كروتشي، مما منح العمل بعدا تقنيا وفنيا يعزز قوته السردية والبصرية.
وسيكون الجمهور المغربي على موعد مع العرض العالمي الأول للفيلم يوم 3 دجنبر على الساعة السادسة والنصف مساءً بقصر المؤتمرات في مراكش، قبل أن يشد الرحال إلى العاصمة البلجيكية بروكسيل حيث سيعرض في حفل اختتام مهرجان “سينيمامِد” في 5 دجنبر، في أول ظهور أوروبي له.
المصدر: وكالات
