مازال موضوع ترشيد نفقات التسيير بالجماعات الترابية حاضراً في ديناميات النقاش العمومي بالمغرب، مثيرا التساؤل حول مدى تنزيل توجيهات وزارة الداخلية بـ”التقليص إلى أقصى حدّ من النفقات غير الضرورية”، وهو ما برز مؤخراً في حالة جماعة إفران الأطلس الصغير، التابعة للنفوذ الترابي لإقليم كلميم، بعد “إعلان للشراء بناء على سند طلب” يخص شراء حلويات، وعصائر، وقنينات مياه، وفواكه جافة، فضلا عن مأكولات.
وكانت دورية لوزير الداخلية، منذ شهر أكتوبر الماضي، حول “إعداد وتنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية برسم سنة 2024″، قد وجّهت ولاة الجهات وعمال العمالات وعمالات المقاطعات والأقاليم نحو “تقليص إلى الحد الأقصى لكل نفقات الاستقبال وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والندوات وكذا نفقات الدراسات وغيرها من النفقات غير الضرورية”، إضافة إلى “عقلنة النفقات المتعلقة بالاتصالات” ونفقات أخرى.
وحسب ما اطلعت عليه هسبريس، فقد تضمنت وثيقة الإعلان عن “سند طلب” كميات ضخمة من المياه المعدنية والعصائر واللوز والتمر والشاي والفستق و”أكاجو” قصد تخصيصها لضيوف الجماعة خلال الحفلات التي تنظمها والزيارات التي تستقبلها.
وتفاعل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مع الموضوع معبرّين عن “انتقادهم صرف أموال عمومية على صفقات للإطعام ونفقات غير ضرورية”.
وحسب وثيقة “إعلان شراء بناء على طلبات سند (بون دكوموند)” التي طالعت مضمونها جريدة هسبريس الإلكترونية، فإن جماعة إفران الأطلس الصغير أعلنت “عزمَها اقتناء 400 قنينة ماء كبيرة لتر ونصف، و750 قنينة ماء معدني لتر ونصف، بالإضافة إلى 500 قنينة من المشروبات ليمونادا 50 سنتلتر، و200 قنينة ليمونادا 1 لتر، و260 لتر عصير فواكه”.
كما شمل الإعلان ذاته مواد غذائية أخرى، من قبيل 100 علبة حليب (صنف 1 لتر)، 30 علبة بسكويت “كوفريت”، 80 كيلوغراما من حلويات مختلفة، فضلا عن 50 “قالب سكر”، وكذا إعلان اقتناء 15 كيلوغراما من شاي “سبيسيال”، 65 كيلوغراما من التمر الممتاز، 55 كيلوغراما كاوكاو، 55 كيلوغراما من الفستق، 55 كيلوغراما من اللوز، و55 كيلوغراما “أكاجو”، بالإضافة إلى 55 كيلوغراما “بندق”.
“لا تراعي الحاجات الحقيقية للمجلس”
أحزاب المعارضة بالمجلس الجماعي لإفران الأطلس الصغير انتقدت بشدة مضامين الإعلان عن الصفقة، الذي وقّعته رئيسة الجماعة، وهو ما جاء على لسان عبد الله بنحسي، منسق فريق المعارضة بالمجلس، في تصريح لهسبريس بأن الأمر يتعلق بـ”فتح إعلان من أجل صفقة عمومية لا تراعي الحاجات الحقيقية للمجلس بهذه الجماعة المنكوبة التي لا تزال ساكنة ثلاثة دواوير فيها محرومة من الماء الصالح للشرب، فضلا عن مناطق أخرى”.
وقال بنحسي: “هذا تسيُّب فاضح ومظهر آخر من مظاهر تبذير المال العام بدون مبرر ينضاف إلى سلسلة الخروقات الإدارية والمالية المستمرة منذ بداية الولاية الحالية بجماعة إفران الأطلس الصغير”، مضيفا: “كأعضاء في فريق المعارضة بالمجلس الجماعي، نعتبرها فضيحة تستوجب تدخل الجهات المختصة للتدقيق في التدبير الإداري والمالي للجماعة ووقف تبذير المال العام”.
رئيسة المجلس “توضّح”
من جهتها، أصدرت حنان بلوش، رئيسة المجلس الجماعي لجماعة إفران الأطلس الصغير، بيانا توضيحيا إلى الرأي العام، قالت فيه: “بعد أن تم تداول وثيقة سند الطلب خاص بالجماعة الترابية إفران الأطلس الصغير على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنويراً للرأي العام، فإن هذه الوثيقة تعد استشارة أثمان فقط للتعاقد مع مموّل لتموين حاجيات الجماعة في مختلف الاستقبالات (تدشينات، اجتماعات، تكريمات، استقبال اللجان الإقليمية والجهوية…) طوال سنة 2024”.
وأضافت في البيان نفسه الصادر بتاريخ 28 مارس: “تجدر الإشارة إلى أن الكميات الواردة بسند الطلب يمكن اقتناؤها أو اقتناء جزء منها حسب أنشطة الجماعة، وفي نهاية السنة سيتم أداء مصاريف ما تم استهلاكه خلال سنة 2024″، شارحة: “هذا يعني أنه لا يمكن للجماعة أن تؤدي مصاريف اقتناءات لم يتم استهلاكها، كما أن نشر جميع تفاصيل استشارات الأثمان للعموم على منصة الصفقات العمومية ما هو إلا تكريس لمبدأ الشفافية والنزاهة التي تسري على جميع التعاملات سواء ما بين الجماعة من جهة والممونين من جهة ثانية”، بتعبير البيان.
“الجماعة حددت في طلب الأثمنة (devis) الكميات المراد اقتناؤها، والمموّن يمكن أن يحدد أثمان تلك السلع حسب الكميات المطلوبة”، يرد المستشار الجماعي من المعارضة، موردا: “إنْ كانت نية الجماعة اقتناء جزءا منها حسب أنشطتها طيلة السنة وأداء مصاريف ما ثم استهلاكه، كان عليها طلب أثمنة تلك المواد دون تحديد الكميات، والكميات تحدد في طلب الشراء (bon de commande) وليس في طلب الأثمنة، لذا فرئيسة الجماعة كانت عازمة على اقتناء الكميات المطلوبة”.
“التعامل الإداري في هذا الباب واضح لا يحتاج إلى تفسيرات أو تأويلات غريبة أوردتها رئيسة الجماعة في ردّها”، يقول المستشار الجماعي المعارض، معتبرا أن “طلب الشراء يمثل استهتارا كبيرا بالمسؤولية العمومية الملقاة وتبذيرا خطيرا للمال العام”.
جدير بالذكر أن جريدة هسبريس الإلكترونية حاولت الاستيضاح أكثر حول الموضوع من رئيسة جماعة إفران الأطلس الصغير، إلا أن اتصالاتنا المتكررة ظلت “دون جواب”.
المصدر: وكالات