وُوري الثرى، اليوم الأحد، بمقبرة الشهداء في العاصمة الرباط، عباس الجراري، عميد الأدب المغربي الأكاديمي والمستشار الملكي في عهد الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس وعضو أكاديمية المملكة المغربية والأستاذ بالمدرسة المولوية، الذي رحل عن دنيا الناس في سنته السادسة والثمانين.
ومن الجانب الرسمي، عرفت الجنازة حضور المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، وعبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية ومحمد ياسين المنصوري، مدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات، وأحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وعبد الحق المريني، مؤرخ المملكة الناطق الرسمي باسم القصر الملكي.
سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق، قال إن عباس الجراري “دكتور وأستاذ وعالم وعلامة كبير، أديب ومؤرخ خدم الوطن وخدم العلم وخدم الدين خدمات جليلة، له أزيد من خمسين مؤلفا في مختلف أصناف المعرفة، وخاصة في الثقافة الشعبية والأدب المغربي، وفي تاريخ المغرب وقضايا الدين والإسلام؛ فقد دافع عن الإسلام دفاعا مستميتا ومؤلفاته شاهدة على ذلك”.
وأضاف العثماني في تصريح لهسبريس: “لقد تقلد عددا من المهام الشريفة المهمة جدا؛ مثل رئاسة المجلس العلمي، ورئاسة عمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ورئاسة شعبة الأدب العربي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وهو شخصية وطنية ودينية وإسلامية ومناضلة كبيرة”.
عبد الإله بن عرفة، نائب المدير العام لمنظمة “الإيسيسكو” وعضو أقدم ناد ثقافي بالمغرب هو “النادي الجراري”، قال إن “الدكتور عباس الجراري منذ أزيد من أربعين سنة وهو على رأس هذا النادي، وله عشرات الإصدارات في مختلف ضروب ومجالات المعرفة، وهو سليل وابن كاتب الأعتاب الشريفة الأستاذ عبد الله الجراري صاحب الكتب النفيسة. ويكفي أن نذكر منها (الغاية في رفع الراية) الذي ألفه لما نفي الملك محمد الخامس، ومنعه الاستعمار، وكان يوزع تحت الجلابيب”.
وتابع بن عرفة في تصريح لهسبريس: “هذا النادي الذي أسسه عبد الله الجراري سنة 1930 واصله الدكتور عباس الجراري، وقد بدأ بعد صدور الظهير البربري الذي أصدره الاستعمار للتفريق بين المغاربة، وجمع عددا من العلماء والمفكرين والمثقفين ورجالات الحركة الوطنية، وأخذ المشعل من بعده وأعطاه دفعة كبيرة الدكتور عباس الجراري مشرقا ومغربا، لأنه خريج الجامعة المغربية وجامعة القاهرة بمصر، وأصدقاؤه كثر عبر العالم”.
وواصل: “الرجل كذلك عضو أكاديمية المملكة المغربية، وهو مستشار صاحب الجلالة (…) وعطاءاته كثيرة وإنجازاته كثيرة، ورحيله خسارة لنا كمغاربة وخسارة للأمة وخسارة للثقافة والتراث. ويكفي أن ندرك بأن مدونة الملحون، التي سُجّلت على لائحة التراث بمنظمة الإيسيسكو ومنظمة اليونسكو مؤخرا، هو الذي كان مشرفا على اللجنة العلمية الخاصة بها بأكاديمية المملكة المغربية، وكل الباحثين والطلبة مدينون لهذا الرجل، والثقافة المغربية مدينة له”.
حسن أوريد، أديب والناطق السابق باسم القصر الملكي، قال، بدوره، إن عباس الجراري هو “عميد الأدب المغربي”، و”أنشأ أجيالا من الباحثين في كليات الآداب، وكان من الأوائل الذين عُنوا بالتراث الشعبي، وتعد أبحاثه مرجعا إلى جانب محمد الفاسي فيما يخص الملحون (…) بالإضافة إلى المهام التي اضطلع بها في الدولة وآخرها وأهمها كونه مستشارا للملك”.
وزاد المؤرخ: “أحضر وفاء لشخصه، ولأني حظيت بشرف التتلمذ على يديه، وشرف حضور النادي الذي كان يشرف عليه برا بوالده، وكان حقيقة ملتقى للأدباء والمفكرين، ومن إحدى الشعل التي تنهض بالثقافة المغربية. وشاءت الأقدار أن يكون آخر ظهور لعباس الجراري بمناسبة الاحتفال بالاعتراف بالملحون تراثا للإنسانية من طرف اليونسكو، وأبى إلا أن يحضره”.
محمد احميدة، مؤرخ “النادي الجراري”، قال لهسبريس إن “المغرب قد فَقَدَ اليوم ومعه العالم العربي والإسلامي أحد كبار مفكريه، وفقدت البلاد بصفة خاصة رجلا وطنيا حتى النخاع، عميد الأدب المغربي الذي كوّن أجيالا من الأساتذة والباحثين المتشبعين بالغيرة على الهوية الوطنية، ويوجدون اليوم بمختلف جامعات المغرب، وهذه واحدة من أفضاله، وهو تربى في مدرسة وطنية إلى جانب والده رحمه الله، ووالده صاحب ما كان يُنشَد من (لطيف) في المساجد بعد الظهير البربري سنة 1930”.
وواصل: “لقد قدّم عميد الأدب المغربي لبلده الكثير في مستويات متعددة، وكان من المدافعين دائما عن الهوية الثقافية المغربية، معتزا بها مدافعا عنها في كتاباته ومؤلفاته وندواته، وسرّب هذا الشعور إلى مختلف طلبته الذين أصبحوا أساتذة جامعيين”.
وذكر الأستاذ الباحث محمد التهامي الحراق أن فقدان “العلامة عباس الجراري، عميد الأدب المغربي، رزء كبير للثقافة المغربية، خصوصا والثقافة الإسلامية عامة؛ فقد جمع من الاهتمامات والاختصاصات والإضافات والعطاءات، طوال أكثر من ستين سنة، ما جعله بالفعل قطبا من أقطاب الثقافة المغربية في الأدب والفكر الإسلامي والعمل الجامعي، فهو مربي الأجيال، ورجل كانت تتحلق حوله زمرة من خيرة مثقفي هذا البلد في (النادي الجراري) الذي بلغ ذكرى تأسيسه التسعين”.
ثم استرسل قائلا: “الرجل كان هرما وعَلَما بالفعل، بما أسداه لوطنه، بعلمه والمناصب الكبرى الدبلوماسية والعلمية التي تقلدها، ولن يموت بما تركه من أعمال، وتلاميذ، وعطاءات، وإضافات، وما خلفه من روح وطنية في البحث العلمي، والاعتناء بالأدب المغربي الذي كان من ثماره تصنيف الملحون ضمن التراث العالمي اللامادي، فقد كان من أوائل من اشتغلوا بهذا الفن، وبذل عمره وجهده العلمي وتأطيره الجامعي لكي تبرز وتتوهج أبعاد الثقافة الشعبية المغربية، وفي طليعتها الملحون”.
المصدر: وكالات