بعدما كان من المقرر إطلاقه في فبراير من العام الماضي، لا يزال مشروع الخط البحري “الجزائر العاصمة-نواكشوط” حبيس تصريحات المسؤولين الجزائريين.
وفي فبراير من سنة 2022، أعلنت الجزائر عن “أول خط بحري يجمعها مع موريتانيا؛ بهدف رفع الصادرات الجزائرية نحو نواكشوط، وكذا لدخول أسواق الغرب الإفريقي التي لا تزال من الأولويات الاقتصادية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منذ توليه الحكم”.
هذا “التعثر” ينطبق أيضا على المعبر الحدودي الذي أعلنت عنه الجزائر سنة 2018، والذي لا يزال في طور الإنجاز إلى حدود الساعة؛ فيما تشير تقارير متطابقة إلى أن “التأخير سببه غياب الأمن وطول المسافة، كما أن الحكومة الجزائرية تحاول إيجاد بديل له بحرا؛ لكن هذا الأمر لم يتحقق إلى حدود الساعة”.
ومنذ تحرير معبر “الكركرات”، الذي يعد “الشريان الاقتصادي للمغرب” ودول عديدة عبر العالم نحو غرب إفريقيا، سارعت الجارة الشرقية إلى إيجاد معبر منافس؛ غير أن عدم خروج أي من هاته المشاريع إلى أرض الواقع يجعل “الحلم الجزائري بعيدا”.
مشروع انفعالي
عبد الفتاح الفاتيحي، محلل سياسي مختص في قضية الصحراء، سجل أن “مختلف المؤشرات دلت على فشل مشروع إحداث خط بحري تجاري بين الجزائر ونواكشوط، لاعتبارات استراتيجية واقتصادية وعملية، باعتبار أن المشروع انفعالي ولم ينبع عن الحاجة الاقتصادية، ولذلك لم يتجاوز حدود إحداث جعجعة إعلامية لا يمكن أن تصبح واقعا”.
وأضاف الفاتيحي لهسبريس أن “مشروع الربط البحري بين الجزائر وموريتانيا لا يمكن أن يكون تنافسيا لعوامل عديدة؛ منها الموقع الاستراتيجي للمغرب، وعاملا الوقت والمسافة، ثم كلفة السلع المغربية وجودتها”.
وأشار المحلل السياسي المختص في قضية الصحراء إلى أن “هذا الخط البحري المباشر المعلن بتنظيم رحلات شهرية تستغرق رحلته ستة أيام، وبحمولة مبهمة، إلا أنها بالضرورة لا تشبع حاجات السوق الموريتانية، أو بالأحرى “منافسة السلع المغربية” المنقولة برا أو بحرا؛ وعليه، فإن الخط البحري لا يمكن تنفيذه من الناحية العملية، ولن يكون منافسا قويا للإمكانات المغربية”.
وأكد المتحدث عينه أن “الخط البحري الجزائري وإن اقترح بديلا لتجاوز فشل مشروع الطريق البري (طريق تندوف- الزويرات)، لم يتمكن من خلف الفارق أمام الممر التجاري المغربي (البيضاء – داكار). كما أن المشروع أعلن عن إحداثه بدوافع جيواستراتيجية مستهدفا محاصرة الاقتصاد المغربي عن عموم إفريقيا؛ الأمر الذي جعل من الطبيعي أن يعتري دراسة جدواه الكثير سوء التقييمات”.
وخلص الفاتيحي إلى أن “موريتانيا ليست في حاجة إلى دليل لتقييم نجاعة المشاريع المقترحة من الجزائر، طالما أن العبرة بالنسبة لها ليس بإحداث مشاريع غير تنافسية تتحمل الجزائر كلفتها؛ لكن متطلبات سوقها الداخلية وتقييماته تجاه المنتوجات المعروضة هو الأمر. غير أنها في المقابل بلد يستفيد من التنافس الإقليمي الذي تصنعه الجزائر بدون بوصلة”.
غياب البعد الاستراتيجي
من جانبه اعتبر محمد بوخبزة العمراني، خبير في العلاقات الدولية، أن “التطورات التي حدثت في المنطقة جعلت الجزائر تتصرف بمنطق انفعالي، وهو ما تجسد ظاهريا في إعلانها لخط بحري مع موريتانيا”.
وأضاف بوخبزة العمراني، ضمن تصريح لهسبريس، أن “كل المبادرات التي لا يحكمها البعد الاستراتيجي والاستشرافي مصيرها الفشل، وليست هي المرة الأولى التي تعلن فيها الجارة الشرقية عن مبادرات ومشاريع اقتصادية مع موريتانيا؛ لكن غالبيتها لم يتحقق”.
حسب المتحدث عينه، فإن “المتغيرات التي تعرفها المنطقة لم تعد الجزائر قادرة على مجاراتها؛ ما يجعلها تنتهج سياسة رد الفعل فقط، وهو ما سيفشل أي تقارب اقتصادي حقيقي بينها وبين موريتانيا”.
وشدد الخبير في العلاقات الدولية على أن “إفريقيا وموريتانيا بالخصوص أصبحت تنظر بطريقة مغايرة إلى كل أشكال التعاون، والتي تبقى بعيد عن سياسة رد الفعل والشعارات، وتستحضر بقوة منطق المصالح”.
وخلص بوخبزة العمراني إلى أن “موريتانيا بلد يتطور في صمت، وتشتغل وفق استراتيجية ذكية، تحافظ من خلالها على استقرارها في منطقة ملتهبة؛ وهي الرؤية التي تشابه السياسة المغربية، وفي المستقبل قد نجد تنسيقا اقتصاديا قويا بين الطرفين”.
المصدر: وكالات